كانت تخشى أن يتحول مزاجه العصبي وغيرته المفرطة أحياناً الى سبب جدي للخلاف بينهما أو الافتراق. أما أن يكون الإنتماء السياسي المتباين هو السبب في فسخ خطوبتهما فهذا ما لم يخطر في بالها قط، مع ذلك حصل، وهما على مسافة شهرين فقط من حفلة زفافهما. هلا ورياض كانا حبيبين منذ أربع سنوات. إلتقيا في الجامعة وكان حب من النظرة الأولى. توطدت العلاقة بينهما خصوصاً بعدما اكتشفا أنهما ينتميان الى منطقة جغرافية واحدة ما سهّل اللقاء الدائم بينهما حتى في أيام الإجازات. اتخذت علاقتهما منحى جدياً حين أعلنا خطوبتهما وكانا يعدّان بحماسة المنزل الزوجي بانتظار يوم الفرح الكبير... حتى حدث الإنفجار - الزلزال الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وما نتج منه من تغيير في الساحة السياسية في لبنان وما أعقبه من عودة النشاط الى بعض الأحزاب والقوى السياسية التي كانت مغيّبة... عندها ظهر الى العلن ما كان منسياً ومخفياً: هلا ابنة عائلة يدين أفرادها تقليدياً بالولاء السياسي الى الحزب القومي الاجتماعي فيما رياض ابن عائلة كتائبية منذ نشأة حزب الكتائب. بقيت العلاقة تترنح بينهما حتى اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل وتكسير مركز الحزب القومي في بلدته بكفيا، فانفجر الوضع بين الشابين، إذ انسحب الخلاف السياسي بسرعة على قصة حبهما مجرداً إياها من كل ذكرياتها الجميلة وأحلامها المستقبلية، وحوّلهما الى مجرد"قومية"في مواجهة"كتائبي"وبالعكس! قصة هلا ورياض ليست استثناءً في أوساط الشباب اللبناني في هذه الفترة المصيرية الحامية بل هي وجه من أوجه التأثير السلبي الذي تمارسه السياسة على العلاقات الإنسانية بين الشباب، إذ تبدو كالداء الذي يتفشى في أوساطهم ويفسد أواصر الحب والمودة والصداقة والجيرة والقربى في ما بينهم ويدفعها كلها باتجاهات سياسية، وكأن لسان حال كل واحد منهم يقول:"من ليس معنا هو ضدّنا ولا مجال لعلاقات معه من نوع آخر!". هذا للأسف ما اكتشفه حسام بعد أن لمس فتوراً في العلاقة مع صديق عمره مازن. قلّت الاتصالات بين الشابين، وندرت الزيارات وبات الصمت المتوتر سيد الموقف عندما يلتقيان: لا مشاريع سهر، لا حديث عن المغامرات العاطفية،"العمل مش ولا بدّ". ما الأمر؟ هي السياسة بكل بساطة. فحسام من مناصري"التيار الوطني الحر"ومازن من"القوات اللبنانية"! والواقع أن هذا الفتور في العلاقات ما عاد مقتصراً على الأفراد بل ان"هوية"الشلل الشبابية في الجامعات والأحياء قد اختلفت. وبدلاً من أن تكون الاختصاصات المتشابهة والهوايات المشتركة هي العنوان الجامع، بات الانتماء السياسي هو الأساس بحيث تحوّلت هذه المجموعات الى ما يشبه"الغيتوات"المغلقة التي لا تسمح لأي فرد لا يشاركها الانتماء السياسي عينه أن يخترقها ويصبح جزءاً منها. وما ينتاب أوساط الشباب من توتر وانقسام، يعكس اللحظة السياسية المصيرية التي يعيشها لبنان في الوقت الراهن. لكن أن تتوغل السياسة الى عمق نسيج العلاقات الاجتماعية والانسانية بين الشباب لتفسدها وتقضي على أجمل ما يميز أبناء الجيل الجديد من قدرة على الانفتاح والتحرر وتجاوز الاختلافات والتباينات التاريخية فهذا ما يقلق ويؤسس لفهم خاطئ لمبادئ الديموقراطية التي ينادي بها جميع الفرقاء، وهي ترتكز أساساً على احترام حق الآخر بل وحمايته سواء في الاختلاف في الرأي أو التفكير أو الانتماء تحت سقف القوانين المرعية، لأن تنوع الآراء وتفاعلها ينتج حيوية فكرية وسياسية. غير أن حماوة اللحظة وحداثة التجربة السياسية لدى الشباب تدفعهم الى هذا الاصطفاف الحاد... لكن ستنقشع الغيوم وتنفرج الأزمة ويكتشف جميع الشباب انه مهما تعددت آراؤهم فهم يتطلعون جميعاً الى هدف واحد هو استعادة الوطن وتوطيد أواصر الانتماء اليه. ولعلهم يكتشفون أيضاً أن ما تسرقه منهم السياسة من علاقات حب وصداقة ومودة وقربى وحتى أخوة أحياناً يبقى أهم بكثير مما تمنحهم اياه.