سألت ايلي حبيقة عن تفسيره لبقائه حياً فرد مبتسماً: "يقول المصريون عمر الشقي بقي". قلت: "تبدو محظوظاً. شاب ووزير ونائب مع مظلة أمنية وسياسية. منافسوك في المنفى او السجن. ويقولون ايضاً انك صاحب ثروة وان رغبتك في العيش كممارستك في الحرب لا تعرف حدوداً. ماذا تريد فوق ذلك كله؟". قال: "في هذا البلد يحبون المبالغات والسيناريوات. لا ادّعي انني قديس لكنني لست شيطاناً الى الدرجة التي يعتقدون. ماذا اريد؟ دعك من الطموحات السياسية فهي موجودة دائماً، خصوصاً لدى الذين يتظاهرون بالقناعة. اهم ما اريد هو الاّ يضطر جيل ابني الى حمل السلاح. اريد ان يكبر ابني في بلد طبيعي لا يبقى مهدداً بالحروب الاهلية او بطغيان فئة على اخرى". سألته: "هل حكيت لابنك ماذا فعلت في الحرب؟". اجاب: "لا اريد ان اورثه عداوات او خصومات. ربما سمع من الآخرين او قرأ عن بعض محطات الحرب ودوري فيها. همي الاساس الاّ يحمل مصائب جيلنا وجروحه". سألت حبيقة عن محاولة اغتيال رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في 1982 في محلة كليمانصو - الصنائع والتي اتهم جنبلاط اجهزة الرئىس امين الجميل بتدبيرها. رد حبيقة بعدما طلب اقفال آلة التسجيل: "لا احب امين ولا يحبني لكن الحقيقة انه لا يعرف في هذه الاشياء. أمين خبير ألغام سياسية. لا علاقة له بتلك المحاولة. هذه القصة لا مبرر للخوض فيها الآن. كل ما استطيع قوله هو انها كانت جزءاً من فصول الحرب". سألني حبيقة عن الغرض من سلسلة "يتذكر" فقلت انها "مجرد عمل صحافي لجمع روايات اللاعبين البارزين على مسرح الحرب والسلام قبل انتهاء المرحلة او تواري اللاعبين". قال: "قرأت ما قاله سمير جعجع. كان صادقاً في محطات وكذب في اخرى". قلت: "ومتى روايتك الكاملة؟". اجاب: "لا اريد توريط من عملوا معنا. ربما يحين الوقت لاحقاً". لم يحن الوقت. اغتيل حبيقة ومع جثمانه ووريت اسرار كثيرة وهنا نص الحلقة الأخيرة: ما هي قصة الديبلوماسيين الايرانيين الذين اختفوا في 1982؟ - عندما حصل الاجتياح الاسرائيلي وبدأ بعض الناس يخرج من بيروت الغربية في اتجاه طرابلس والبقاع اعطى بشير الجميل توجيهات للمسلحين المرابطين على مداخل المنطقة الشرقية بالسماح بمرور المواطنين العاديين باستثناء الحزبيين والمسلحين الفلسطينيين. وحصلت حوادث عدة. اناس حاول امين الجميل ان يمررهم فاعادهم بشير. في تلك الفترة اتصل جوني عبده مدير استخبارات الجيش اللبناني آنذاك ببشير وابلغه ان ديبلوماسيين ايرانيين غادروا طرابلس وربما اضاعوا الطريق ودخلوا الشرقية واختفوا بعد عبورهم حاجز البربارة. اتصل بي بشير وقال لي: هل تعرفون شيئاً عن ايرانيين محتجزين؟ قلت: سنسأل. اتصلنا يومها بضابط الأمن في جبهة الشمال المسؤول عن حاجز البربارة التابع لسمير جعجع لنسأل عن الموضوع وكان الرد من جبهة الشمال: نعم حاول ايرانيون العبور فمنعناهم وعادوا الى طرابلس. ابلغت بشير هذه النتيجة ونقلها الى الرئيس الياس سركيس وتوقف الموضوع عند هذا الحد. بعدها بدأت الاخبار تتحدث عن اختفاء الايرانيين او خطفهم وقتلهم. وترددت هذه الاخبار يوم كنت لا ازال مسؤولاً في "القوات" في الشرقية. سألت جعجع عنهم فأجاب: "لا اعرف جاؤوا وراحوا". كانت لدى جعجع سجون خاصة به. وكانت الجبهة الشمالية في "القوات" مستقلة عملياً بسبب الحساسيات الخاصة المتصلة بالوضع في الشمال. كان لهم جهاز امن خاص وجهاز مالي خاص على رغم حصولهم على اموال من صندوق "القوات". قبل خروجي من الشرقية بدأنا اتصالات. جاء وفد من الصليب الاحمر ومنظمة العفو الدولية وزار السجون التي كان يحتجز فيها عدد من المتهمين باحداث امنية او نشاطات عسكرية معادية. وكنا في حينه بدأنا الاتصالات مع الصليب الأحمر لترتيب نقل رسائل منهم إلى ذويهم. بعد خروجنا من الشرقية قال لي الرئيس نبيه بري وكان يومذاك رئيساً لحركة "امل": عندي مسؤول ايراني يحب ان يراك ليتحدث اليك في موضوع الايرانيين المخطوفين. اجبته: ليس عندي ما اقوله في هذا الموضوع. أصر نبيه بري على عقد اللقاء. والتقيت المسؤول الايراني فقال لي: تلقينا تقريراً من سمير جعجع يفيد انهم سلموكم الايرانيين المخطوفين وقد اغتيلوا لديكم. قلت له: هذه معلومات مغرضة فبيني وبين جعجع خصام. نحن لم نشاهدهم ولم يصلوا الى المنطقة التي نعتبر مسؤولين عنها. اذا كانوا موجودين اتصلوا بجعجع ليسلمكم الجثث على الاقل. وتردد لاحقاً ان الايرانيين كانوا بين معتقلين ارسلوا الى اسرائيل ولا اعرف مدى صحة ذلك. ذكر أنهم دفنوا قرب المجلس الحربي واحدهم على الشاطئ في الشمال؟ - هذه الاخبار سربتها "القوات" في ايام سمير جعجع. ماذا عن محاولة اغتيالك في مطرانية زحلة للروم الكاثوليك؟ - حاول سمير مرات عدة اغتيالي. هناك محاولات لم تنجح. على طريق مكتبي في تلال زحلة كان هناك طريق لا بد من سلوكها. وضعوا متفجرات في قنوات تحت الارض وقد كشفناها واوقفنا الفاعلين. حصلت محاولة لاغتيال اسعد شفتري واخرى لاغتيال جوزف الاسمر. وحصل تفجير قرب مركز قيادتنا. في زحلة كنتم في اجتماع في المطرانية؟ - كنا انا والمطران اندره حداد وايلي الفرزلي نائب رئيس مجلس النواب حالياً وخليل الهراوي نائب حالياً. اتصلوا بي وقالوا نريد ان نعقد اجتماعاً للبحث في مشاكل داخلية في زحلة. خلال الاجتماع رن الهاتف لدى المطران وسمعته يقول: "نعم هو موجود عندي هلق بقللو". سألته مع من تتكلم فقال مع الأب سميح. قلت له "يا سيدنا اتفقنا الاّ نكشف ذلك. انا اعتذر لكنني لن ابقى هنا". نهضت ودوى الانفجار وكان عبارة عن عبوة موضوعة في السقف والمنفذ هو الأب سميح. هبط السقف علينا فالمتفجرة زنتها 25 كيلوغراماً. الآخرون لم يطمرهم الردم انا طمرني واصبت بجروح. خرجت في سيارة اسعاف الى المستشفى في دمشق. لم اكن مصاباً بجروح بالغة واعتقد أنها كانت في ايلول 1987 وفي موعد قريب من ذكرى اغتيال بشير. وانت حاولت اغتيال جعجع في مستيتة؟ - ابلغني الشباب ان ثمة امكاناً للوصول الى سمير جعجع. كانت لدي شكوك وكان شكي في محله لأن الفريق الذي كان يعمل معهم كان ولاؤه مزدوجاً. كشف سمير القصة قبل حدوثها لكنه ارسل موكبه لكي تستمر ثقتنا بالفريق المزدوج الولاء الذي يعمل معنا. متى اطلقت الرصاصة الاولى مشاركاً في الحرب؟ - في 1970 كنت تلميذاً في مدرسة الاخوة المريميين ولم تكن لدي أي افكار حزبية. كان لدي منذ الصغر حس بالمواطنية. احب الجيش ورؤية العسكر. مشاعر تنميها التربية المنزلية. كنت اسافر لزيارة والدي الذي يعمل في الكويت فأشعر بالفخر اذا رأيت الارزة اللبنانية على متجر او في "فرن الارز" مثلاً. واذا سمعت فيروز اشعر بالانتماء، ولكن من دون ان اكون فريقاً في الصراع. في تلك السنة توفي الرئيس جمال عبدالناصر وحصلت امامي حادثة استفزت مشاعري. حدثت تظاهرات اثر وفاة عبدالناصر بينها واحدة نظمتها حركة "فتح" وانطلقت من النبعة الى البرج مروراً بالجميزة حيث كنت اقيم. شاهدنا البزات الخضر وفرحنا للوهلة الاولى برؤية السلاح. ولكن استوقفتني رؤية بعض المتظاهرين ينهالون بالضرب على دركي لبناني شاء حظه العاثر ان يكون في الطريق الذي سلكته التظاهرة. وفي طريق العودة تحولت التظاهرة الى اعمال شغب. واذكر ان المتظاهرين حطموا بلا سبب مدخل البناية التي نسكنها واحدث ذلك ذعراً لدينا ولدى ابناء المنطقة الذين تعرضوا لممارسات مشابهة. كانت هذه الممارسات موضوع الحديث في المدرسة في الايام التالية. وقال لي احد رفاقي: "ما حصل خطير ولبنان سيطير. نحن طلاب الكتائب نعقد اجتماعات دورية في بيت الكتائب، لماذا لا تجيء وتشارك معنا اذا اعجبك الجو. نحن برنامجنا دعم الدولة والجيش". هكذا ذهبت الى اجتماعات خلية طلاب الكتائب. كنت صغيراً في السن ومتحمساً، خصوصاً عندما اقتنع. كان الجو ان لبنان معرض للخطر وانه سيزول اذا لم يتحمل اللبنانيون مسؤولياتهم. وجعلتنا الاجواء الملبدة في لبنان آنذاك نزداد اقتناعاً بما نسمع عن اخطار محدقة بالكيان اللبناني. بعد احداث ايلول سبتمبر 1970 في الاردن انتقل المسلحون الفلسطينيون الى لبنان وتحولت المخيمات معسكرات وراح وجودها الفعلي يمتد فيما البلاد تعيش اجواء صدامات 1969 وذيولها و"اتفاق القاهرة" وعدم تقيد الجانب الفلسطيني بما جاء فيه. في مناخ المخاوف هذه طرح في الكتائب مشروع تكوين قوة كوماندوس اعتبرت رمزاً للقوة والعنفوان والاستعداد للتضحية وكان شعارها مؤلفاً من سيفين وأرزة كتائبية، وبدت كأنها اقتداء بمغاوير الجيش. انضم بشير الجميل الى الفصيلة الاولى وتم اختياري للالتحاق بالفصيلة الثانية ربما لأنني كنت شقياً اكثر من اللازم في خلية الطلاب. بعد شهور حصل صدام 1973 بين الجيش اللبناني والمنظمات الفلسطينية فزادت الاجواء تشنجاً. وفي 1974 شاركت في اول معركة حصلت بين الكتائب و"فتح" في رأس الدكوانة وتل الزعتر، لكننا كنا هناك كحرس. 13 نيسان 1975 اين كنت في 13 نيسان ابريل 1975 وماذا فعلت؟ - في تلك المرحلة كنت اعمل موظفاً في البنك خلال النهار وأدرس ليلاً العلوم المصرفية والتجارية ونتابع التدريبات العسكرية في مجموعة كوماندوس اسمها ال"ب.ج" الحروف الاولى من اسم بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب. كان عمري 18 عاماً فأنا من مواليد ايلول 1956. في ذلك النهار كنت مع عدد من الرفاق نسبح في مسبح "الريفييرا" في الاوزاعي عندما ابلغونا ان جوزف ابي عاصي قتل في عين الرمانة وان اشتباكاً حصل مع مجموعة فلسطينية حادثة البوسطة. توجهنا فوراً الى البيت المركزي حيث اعلن الاستنفار وقيل لنا اجمعوا سلاحكم. بالنسبة اليّ السلاح هو بندقية من نوع سلافيا اشتريتها ب650 ليرة دفعتها بالتقسيط من راتبي في البنك. في تلك المرحلة لم نكن نشعر بأننا حال مستقلة عن الدولة، بل كنا نعتبر انفسنا فريقاً داعماً للجيش اللبناني الذي شارك في 1974 في ايصال اسلحة وذخائر الى الكتائب لشعوره بأن الكتائبيين سيكونون الى جانبه في اي مواجهة مع المنظمات الفلسطينية. المهم اننا التحقنا في 13 نيسان ببيت الكتائب المركزي في الجميزة واحضر كل واحد البندقية التي كان اشتراها على حسابه. اعلنت حال الاستنفار. وتزايد التدهور السياسي الذي انعكس لاحقاً اشتباكات وجولات. الحقيقة اننا لم نشعر في 13 نيسان بأننا في بداية حرب طويلة اذ كنا نعتقد أن الامور ستنتهي في غضون شهر او شهرين. هل ضمت مجموعات الكوماندوس اشخاصاً تولوا لاحقاً مواقع قيادية في "القوات اللبنانية"؟ - نعم فهي ضمت فؤاد ابو ناضر وفادي افرام وانا والياس الزايك الذي اغتيل لاحقاً. كنت مقاتلاً في "حرب السنتين"؟ - كان مركز عمليات مجموعتنا في الاسواق التجارية واذكر ان فؤاد ابو ناضر اصيب في يده في شارع الحدادين. نفذنا صباحاً انا وفؤاد عملية عسكرية. وليلاً كان يتفقد مراكز الحراسة، اطلق مقاتل كتائبي النار عليه خطأ واصابه في يده. قاتلنا في الاسواق وفي معركة شكا وفي تل الزعتر، لكن ارض عملياتنا كانت في الاسواق والفنادق. كنا رأس الحربة كلما سقطت منطقة نستدعى على عجل. كنا نعمل بصورة متواصلة ولا ننام الاّ من شدة الاعياء والتعب. اصبت اصابات عدة لكنها جاءت خفيفة. بأي شخصية سياسية كنت تتأثر في تلك المرحلة؟ - اقسمت اليمين الحزبية في 1973. كان بيار الجميل هو الرئيس والرمز وكنا نعتبره قديساً ونظيفاً ونرى فيه تجسيداً لعنفوان المواطن اللبناني وكرامة الوطن. كان الواحد منا اذا اقسم بحياة الشيخ بيار وشرف الكتائب يشعر بأن القسم نهائي وملزم أياً كان الثمن. وفي مرحلة لاحقة صار بشير هو الرمز خصوصاً حين رفض التقليديين. هل لديك شعور بأنك كنت وجيلك ضحية حرب لم تصنعوها؟ - نعم. لكن هذا الاحساس لم يكن موجوداً لدينا آنذاك. والآن؟ - عندما بدأت الحرب كانت المخاوف طاغية. كان الواحد منا يشعر بأن عليه ان يقاتل دفاعاً عن بيته وعائلته وجيرانه. كلما سقطت بناية في الاسواق التجارية كنت اشعر بأن التهديد يقترب من بيتنا في الجميزة. يجب الا نخفي الحقائق. الحرب فرضت منطقها على جيلنا ولم تترك مجالاً للسياسة واسئلتها. كانت لدينا قناعة كاملة بما نقوم به وكنا على استعداد للموت من اجل اهدافنا وكنا نواجه خطر الموت مرات ومرات. تصوّر ان الواحد منا كان يخجل ان يأخذ استراحة حتى ولو هدّه التعب. وكنا نعتبر من يسافر جباناً وانه تخلّى عن القضية. وعملياً كنا ننبذ هذا النوع من الناس. المرة الاولى التي بدأت الاسئلة السياسية تراودني كانت في 1982. في ماكينة "القوات" متى بدأت الصعود في الماكينة العسكرية؟ - سنة 1976 تشكلت "القوات اللبنانية" على الورق. في تلك السنة اوقفنا القتال بعد دخول الجيش السوري. ذات يوم اتصل بي فادي افرام وفؤاد ابو ناضر وقالا ان بشير الجميل يفكر في انشاء مدرسة كوادر لضباط الكتائب وليس هناك من هو افضل منك لهذه المهمة. وجدت الامر في حينه شرفاً عظيماً. وتبين لي لاحقاً ان المنصب عرض عليهما، لكن الاول كان يتابع دراسة الهندسة والثاني الطب فألقيا الحمل علي. كنت متحمساً ولم افكر في وظيفتي او دراستي. ذهبت الى الاشرفية والتقيت الشيخ بشير. عرض علي الفكرة فقبلت. اعطيت مركزاً لبناء مدرسة الكوادر في المجلس الحربي وكان لا يزال على الشكل الذي تركته الدولة مثل كرنتينا. يومها اعطوني 110 مقاتلين جاؤوا بهم من مختلف المناطق لاخضاعهم لدورات عسكرية. في 1977 توليت امر هذه المجموعة وبدأت الاستعانة بضباط من الجيش اللبناني كانوا يحبون بشير ويمشون في خطه. وبدأنا العمل. طرحت فكرة دعم الضابط سامي الشدياق الذي كان موجوداً في عين ابل ولديه مشاكل. طُلب مني الذهاب الى الجنوب لمساعدته فاخذت المجموعة وذهبت. بقينا ستة اشهر وكان اسمي خلالها "ادوار". اختلفت مع الاسرائيليين هناك وقصفت على اسرائيل بالدبابة فقالوا لي وجودك في الجنوب غير مرغوب فيه فرجعت الى جونية. في 1978 استدعيت مجدداً الى الجنوب وحين عدت منه عينت في منصب مفوض جبل لبناني في المجلس الحربي الكتائبي الذي كان بشير بدأ يحاول تأسيس نهج احترافي فيه وهو ما لم يفعله سلفه وليم حاوي. ذهبنا الى الجنوب كما قلت وكنا نحو 300 عنصر وقيل اننا سنشارك في عملية، الا انها لم تحصل ولم نشارك وعدنا. بعد اشهر حصلت معركة الاشرفية التي سميت حرب المئة يوم وكان سببها توقيف بشير الجميل على حاجز سوري واعتقاله وما استتبع ذلك من ردود فعل. معركة شكا شاركت في "حرب السنتين" في معركة شكا ما هي قصة هذه المعركة؟ - كان مركزنا في الاسواق التجارية. ابلغونا ان المسلحين الفلسطينيين اجتاحوا نفق شكا وبدأوا بقتل العائلات ولم يبق الا مركز واحد في البترون. كنت مقاتلاً ولم اكن في القيادة. يومها اتصل امين الجميل بابن شقيقته فؤاد ابو ناضر وقال له: "بدي ياكم تأخذوا المجموعة وتروحوا عالشمال". جمعنا انفسنا وذهبنا الى موقع في احد المصانع هناك. كلفنا مهمة اولى هي الذهاب الى انفه والقيام بعملية هناك ثم طلب منا مساندة الهجوم الشمالي في اتجاه اميون فذهبنا الى عين عكرين وشاركنا في احتلال مواقع عدة في اميون وهناك انتهت مهمتنا وعدنا. بعدها جاء شباب من مجموعتنا، خصوصاً فؤاد وفادي وأنشأوا ثكنة وتعرّفوا الى سمير جعجع وبدأوا تدريب المجموعات الشمالية اما انا فعدت الى بيروت. انتقلت من مقاتل او مسؤول عسكري الى عالم الأمن؟ - سنة 1978 حصلت حرب المئة يوم وبرزت فيها كقائد عسكري. كنت في المجلس الحربي اقود العمليات وكان المجلس هو المركز الوحيد الذي بقيت فيه قيادة. كان عددنا قليلاً جداً 300 عنصر لم يكن هناك مسؤولون، بشير كان في هذه الحرب اما والده وشقيقه امين فكانا في منطقة المتن. كان تقريباً في المعركة لوحده، ومركزه في شركة الكهرباء، اما مركزي ففي المجلس الحربي. في حينه تعرفت الى ضابط يدعى ابراهيم طنوس قائد الجيش لاحقاً كان يساعدنا ويعطينا بعض الخبرات في ادارة العمليات العسكرية لانه مع كل "شطارتنا" في القتال على الارض كان هناك فراغ او فراغات في تفاصيل "الامرة العسكرية". تميزنا في تلك الفترة انا ورفاقي ولعلني كنت الابرز، وعندما انتهت تلك المعارك تسلمت قيادة عمليات المجلس الحربي الكتائبي فأصبحت ما يسمى رئيس الشعبة الثالثة التنظيم والتدريب والعمليات والادارة العسكرية. هنا بدأت بتنظيم الوحدات العسكرية الكتائبية. وكانت الكتائب عبارة عن مجموعة من الميليشيات اقرب الى الميليشيات الفوضوية منها الى مجموعات عسكرية، بدأت بانشاء ما سميناه الوحدات العسكرية وهي تابعة لامرتنا المباشرة من دون المرور بالامرة المركزية او المناطقية التي كانت الهيكلية الكتائبية تفرضها، في حزب الكتائب، رئيس القسم الكتائبي كان هو الذي يأمر مفوض القوى النظامية، والمفوض يسميه رئيس القسم الكتائبي وبالتالي لم يكن الاحتراف موجوداً من الناحية العسكرية. وعندما تسلمت عمليات تنظيم القوى العسكرية الكتائبية وادارتها بدأت بتنظيم وحدات لا دخل لها بكل الهيكلية الكتائبية التقليدية، وسميت هذه الوحدات الوحدات المركزية وكانت تأتمر مباشرة بامرة المجلس الحربي الكتائبي. في ذلك الوقت كانت بين بشير والمكتب السياسي الكتائبي معركة كبيرة لرفضهم اعطاءه الصلاحيات التي كان يريدها وبالتالي الارض القاعدة التي كان بشير يراهن على تحريكها. لم يكن يملك الامرة المباشرة عليها، كان يحركها بالعلاقة العاطفية. عندما بدأنا بانشاء الوحدات المركزية الكتائبية اصبح للمجلس الحربي طعم آخر، ولون مختلف ووزن في قلب الحزب مختلف كلياً عن وزنه السابق. في تلك المرحلة حصلت مشاكل بين حزب الكتائب والجيش اللبناني، وكان الصراع كبيراً جداً بين بشير والرئيس الياس سركيس ونتيجة هذا الصراع كانت المواجهة بيننا وبين الشعبة الثانية التي كانت بقيادة العقيد جوني عبده. وصلت الأوضاع الى حد اننا اكتشفنا خطة لاغتيال بشير من طريق احد عناصر "القوات اللبنانية" وهو في الوقت نفسه احد عناصر المكافحة في الجيش اللبناني، وبالتالي اتهمنا جوني عبده بمحاولة اغتيال بشير في ذلك الوقت. وتبين لاحقاً ان هذا الشخص كان يديره "ابو اياد". وكان اسمه الياس موسى. وكان هذا يمشي حاملاً السيف امام بشير الجميل في المجلس الحربي اثناء الاستعراضات. عندما اكتشفنا هذه العملية قررنا اعتقال الياس موسى لاستجوابه. ولدى اخذه الى كسروان للاستجواب اوقفني حاجز الجيش عند نهر الكلب واخذوني الى وزارة الدفاع حيث اوقفت 14 يوماً وحصلت وساطات انتهت بالافراج عني. هذه الاحتكاكات التي كانت تحصل دائماً بين الجيش وبيننا هي التي اوصلتنا الى التعرف الى ميشال عون. هذه الحوادث ادت ايضاً الى مقتل ضابط في الاشرفية؟ - قزحيا شمعون، واذكر ان مجموعته من المكافحة الجيش كانت آتية الى منزل الوزير فؤاد بطرس في الاشرفية، فاعترضتها مجموعة من الشباب القوات كانت آتية من الاشرفية او من المجلس الحربي، واختفى قزحيا شمعون، ثم حصلت معارك في عين الرمانة بين لواء الدفاع الاول او الثاني وفي الحدث بين المكافحة والكتائب. كان انطوان نجم وهو من الهيئة القيادية في المجلس الحربي عرّفنا الى ضابط اسمه ميشال عون قال عنه انه يشاركه الافكار نفسها، وكان نجم يعتبره من افضل ضباط الجيش واكثرهم قرباً الى مشروع بشير الجميل. وبعد حادثة عين الرمانة استبدل قائد لواء الدفاع بميشال عون لانه كان قريباً من بشير، وفي حينه اذكر ان المصالحة تمت بين الرئيس سركيس وبشير. اغتيال مايا بشير الجميل في تلك الفترة اغتيلت مايا ابنة بشير؟ - عملية اغتيال مايا ابنة بشير في الاشرفية، كان وراءها نزيه شعيا كتائبي يعمل لمصلحة ابو اياد ورزق الله موسى وهو شقيق الياس موسى وشخص ثالث من آل كازازيان، وهذه التفاصيل لم نعرفها الاّ العام 1982 بعد اغتيال بشير. المهم في هذه الحادثة انه بعد 3 او 4 ايام من العزاء جاء رئيس الشرطة الكتائبية ديب انستاز وقال لبشير انا عرفت بالعملية قبل ساعة من حصولها. وجاء رئيس الشعبة الثانية في المجلس الحربي كابي توتنجي وهو قريب لبشير، وقال عرفت بالعملية قبل 10 دقائق من حصولها، فامتعض بشير وقال: "لقد عرفتم بالعملية قبل وقوعها، ومع ذلك وقعت، فهذا يعني انكم لا تنسقون بعضكم مع بعض. اريد شخصاً ينسق هذا العمل كله. لقد اصبح عندي عسكر واعلام وعلاقات خارجية ولا ينقصني سوى الاستخبارات. اريد واحداً ينسق عمل هذه الاجهزة الامنية". وفي ذلك الوقت اقترحت اسم احد رفاقي وكان مسؤولاً عن احدى الوحدات المركزية التي كنا نؤسسها، وكان متعباً من هذه المسؤولية. وقلت له ان هناك مسؤولية تريحك وانت تنسق بين هذين الجهازين لأن الحاجة ملحة الى التنسيق، وهناك حاجة الى أن يكون شخص من فريقنا في هذا الموقع. وأبلغنا بشير ان فلاناً وافق على تسلم هذا الموقع، فقال بشير انه سيجمع الشخصين معاً. لكن الشخص الذي اتفقنا معه نهض وقال لبشير: "انا غير مستعد لان اتحمل مسؤولية حياتك"، فغضب بشير غضباً شديداً وقال: "اتفقوا في ما بينكم قبل ان تأتوا الي. انا مش ولد صغير عم تلعبوا معي ساعة بتقولوا اتفقتوا وساعة ما اتفقتوا". وكالعادة لم أكن في تلك الايام اقدر العواقب ولم اكن اخاف، قلت له "ما دام الامر كذلك فأنا مستعد لتسلم هذه المسؤولية واتخلى عن العمليات". وفي ذلك الوقت قررت ان اتخلى، وتخليت عن عملي كمنظم ومدير للعسكر وذهبت الى شيء غير موجود وهناك اكتشفت ان التجاذب بين الجهازين الموجودين لن يسمح لي بالعمل الاّ اذا انشأت جهازاً قادراً على استيعابهما. وهكذا كان. الهاجس حين تحدق في ابنك هل تخشى ان يتحول محارباً ذات يوم وتتكرر المأساة مع جيله؟ - نعم لديّ هذا الهاجس وهذا ما يجعلني مستمراً في المواجهة اي في العمل السياسي. في كثير من الاحيان يصل المرء الى حال من الرفض والثورة على الذات والقرف من الاوضاع السائدة. يجد ان امكان التغيير قائم ويصطدم بعقبات سخيفة لا يمكن تخطيها. هذا يدفعني الى الخوف ليس على ابني وحده بل على مستقبل كل الجيل الذي ينتمي اليه. اخاف ان ينجرف ابني كما انجرفت انا. الموقف الفردي لا يستطيع مقاومة التيار حين يشتد ويطغى. انا وضعت ابني في مدرسة غير دينية وفي منطقة غير مسيحية لتكون تربيته مختلفة عن التربية التي تلقيتها، وليتعرف الى لبنانيين من لون طائفي او مذهبي آخر ويتصادق معهم. احياناً الاحظ، على رغم ذلك، انه يطرح اسئلة عن الآخر المنتمي الى دين آخر، وأرد عليه انه التلميذ الذي يجلس قربك في الصف. اخاف من ضغوط الجو القبلي ولا اريد ان يفعل ابني ما فعلته انا وأن يكرر تجربتي. يجب ان نتعلم من التجربة بدلاً من ان يكرر كل جيل تجربة سابقه ويدفع الثمن. جيلنا دفع غالياً. قتل كثيرون وجرح كثيرون وأصيب كثيرون بعاهات دائمة. انها مسؤوليتنا نحن الاّ نترك لأبنائنا وضعاً ينذر بتحولهم الى محاربين متقاتلين. انا دخلت الحرب وكان عمري 17 عاماً. لم ادخل لأنني من فئة اجتماعية معدمة واندفعت في ثورة على وضع استغلالي. انا من عائلة متوسطة الحال قادرة على العيش في شكل طبيعي. ولم ادخل الحرب لأنني مصاب بعقد نفسية اريد تفجيرها. انا ورفاقي كنا في المدارس والجامعات. دخلنا الحرب لأن مناخ الخوف والقلق على المصير اوجد تياراً طائفياً واسعاً وطاغياً لم نستطع البقاء خارجه فجرفنا. هذا التيار لم نخلقه نحن. انه موجود منذ ايام الاستقلال وربما قبله لكنه انفجر على ايامنا وفي وجه جيلنا وأخذنا. لم تنفجر الاوضاع بسبب وجود زعران على الأرض، السبب ان الذين انشأوا النظام اداروه بطريقة تنجب الانفجار والمتقاتلين. ما احلم به هو الا تتكرر التجربة وأنا لا احب ان ارسل ابني الى الخارج ليدرس ويبتعد عن محيطه وليس ذلك من حقي فماذا عن ابناء الآخرين ومسؤوليتنا تجاههم؟ نحن نعرف سلبيات التجربة التي عشنا مراراتها، ولهذا السبب قد نكون الاقدر على البحث عن دواء.