بعد الهزيمة الكبرى التي كان التيار الاصلاحي في ايران قد مني بها في آخر انتخابات تشريعية لمجلس الشورى الإسلامي، وايضا انتخابات الرئاسة قبل نحو عام، هاهم الاصلاحيون اليوم يحضّرون انفسهم للعودة من جديد الى الساحة من خلال الدورة الثالثة لانتخابات المجالس البلدية المقررة منتصف الشهر الجاري. التيار الاصلاحي يعرف في ايران ب "تيار الثاني من خرداد"، أي اليوم الثاني من الشهر الثالث في التقويم الهجري الشمسي المتبع في ايران، وهو التاريخ الذي جرت فيه الدورة السابعة للانتخابات الرئاسية عام 1997، وأسفرت عن فوز الزعيم الاصلاحي ورجل الدين الدكتور محمد خاتمي لولاية دستورية مدتها أربع سنوات، وذلك بحجم اصوات غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الرئاسية الايرانية 70 في المئة. بالطبع، فان تاريخ الثاني من خرداد عام 1376 هجري شمسي ليس تاريخ انطلاقة الحركة الاصلاحية، لكنه التاريخ الذي ثبتت فيه هذه الحركة نفسها كواقع ملموس داخل المجتمع الإيراني بعد اكثر من 15 عاما من تشكيل نظام الجمهورية الاسلامية على يد آية الله الخميني عام 1979. طوال تلك الفترة كانت الصورة المطبوعة في اذهان الجميع عن ايران تظهر تيارين متضادين، الأول اسلامي متشدد في تطبيق المبادئ التي بني عليها نظام الجمهورية الاسلامية، لا سيما مبدأ ولاية الفقية، والثاني هو ضد التجربة الإسلامية ويدعو إلى العلمانية المطلقة، ويعيش اقطابه في أميركا وباقي دول الغرب. وما لم يظهر في تلك الصورة هو التيار المعتدل او"التيار الاصلاحي"الذي كان ولا يزال يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة داخل المجتمع، لكن التحديات التي كانت تواجهها ايران في بدايات تأسيس الجمهورية الإسلامية، لا سيما الحرب الضروس مع العراق، منعت رموز هذا التيار من أن يشهروا معارضتهم للوضع القائم لأن ذلك سيربك طهران في تلك المواجهة العسكرية المصيرية. وتعود جذور الحرة الاصلاحية إلى بدايات القرن العشرين، حيث ارتبطت بها أسماء أبرزها الدكتور محمد مصدق الذي تسلم مقاليد الحكم كرئيس للوزراء عام 1951 ولفترة عامين، وذلك من خلال حركة شعبية اطاحت الشاه رضا بهلوي، ليقوم خلال فترة حكمه القصيرة جدا بالعديد من الاصلاحات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والقضائية. وأهم الإنجازات التي تحققت في عهد الدكتور مصدق ولا تزال عالقة في أذهان الايرانيين تاميم صناعة النفط واعطاء المرأة حق الانتخاب. وفي مقارنة سريعة بين حركة الإصلاح التي تزعمها الدكتور خاتمي وحركة الدكتور مصدق، نجد أن حركة خاتمي من ناحية المبادىء هي امتداد لحركة الأول، لكن إنجازاتها أقل بكثير من سابقتها لسبب رئيسي واحد: أن الظروف الداخلية التي أحاطت بحركة خاتمي كانت اكثر تعقيدا من الظروف التي عايشتها حركة مصدق. ببساطة، فان مصدق وخلال العامين اللذين حكم فيهما، كان ممسكا بزمام الامور من خلال تصديه لأعلى منصب في الدولة آنذاك وهو رئاسة الوزراء كما ان"مجلس الشورى الوطني"كان مناصرا لسياسته، في حين أنه في النظام الجمهوري القائم حاليا حيث انتخب خاتمي لولايتين رئاسيتين متتاليتين 1997 - 2005 هناك ثلاثة مواقع للقرار تتمتع بصلاحيات اكبر من صلاحيات رئاسة الجمهورية، وهي قيادة الجمهورية ومجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام، حيث تستطيع مراكز القرار هذه أن تتدخل في أي لحظة لتعليق أي قرار يتخذه رئيس الجمهورية او مجلس الشورى الإسلامي البرلمان. إضافة إلى ذلك، فإن وصول خاتمي الى الرئاسة كان بعد عام على انتخابات الدور التشريعي الخامس لمجلس الشورى الاسلامي، حيث كان المحافظون يسيطرون على المجلس، الأمر الذي شكل عائقا إضافيا امام برامج حكومة خاتمي لفترة ثلاث سنوات حتى حلول موعد انتخابات الدور التشريعي السادس الذي حول المجلس إلى معقل للإصلاحيين. لكن على رغم سيطرة الإصلاحيين على مجلس الشورى الاسلامي، فانهم لم يستطيعوا تطبيق نظرياتهم على أرض الواقع نظرا لطبيعة هيكلية نظام الحكم القائم، وما قاموا به من انجازات متواضعة لم يكتب النجاح لكثير منها. وعلى رغم كل هذه التعقيدات التي أحاطت حكومة خاتمي، إلا أن القاعدة الشعبية للتيار الاصلاحي حمّلت قياداتها وعلى رأسهم خاتمي مسؤولية فشل التجربة، وترجمت استياءها بالعزوف عن المشاركة الفعالة في انتخابات الدور التشريعي السابع للمجلس عام 2004 والانتخابات الرئاسية في 2005، ما أدى وببساطة إلى سقوط التيار وأفول نجمه. خاتمي وفي الأشهر الأخيرة من ولايته الرئاسية الثانية، كان يتحدث الى حشد من طلبة الجامعات في طهران حينما وجه اليه أحدهم كلاما قاسيا وهو يتساءل عن وعوده التي لم تتحقق، فأجابه قائلاً:"وعدتكم بأنه سيكون باستطاعتكم ان تقفوا أمام رئيس الجمهوريه لتنتقدوه وها أنا نفّذت هذا الوعد لكم". وهو، وإن لم يستطع تحقيق الكثير مما وعد به أثناء توليه رئاسة الجمهورية، فقد حقق ما هو أهم من ذلك، إذ جعل من ثقافة"الرأي والرأي الآخر"حقيقة داخل المجتمع والدولة في ايران. اليوم يسعى الاصلاحيون وبقوة الى العودة إلى الساحة مستفيدين من أخطاء الماضي من خلال المشاركة في انتخابات الدورة الثالثة لمجالس البلديات والتي هي بالمناسبة أحد انجازات عهد خاتمي. وعلى رغم انه، وبطبيعة الحال، ليست لهذه المجالس صفة سياسية إذ هي ذات طابع خدمي، إلا أنها تصبح، في مجتمع تطغى عليه التجاذبات الفكرية والسياسية، وسيلة لتوسيع القاعدة الشعبية تمهيدا للاستحقاقات السياسية القادمة. ولعل من أهم أخطاء الماضي التي يسعى الإصلاحيون اليوم الى تصحيحها رفع الشعارات وإعطاء الوعود من دون دراسة مدى امكانية تحقيقها، وهذا ما أكده الدكتور خاتمي في الملتقى الانتخابي الذي اقيم مؤخرا لمرشحي التيار الاصلاحي لمجالس البلديات في طهران، حيث أكد على ضرورة الدقة في اختيار الشعارات الانتخابية وعدم رفع سقف التوقعات إلى مستوى لا يمكن الوصول إليه. فلننتظر ولنر.