يمكن وصف رمضان الفائت بأنه شهر"انفجار"الدراما الخليجية على الشاشات التلفزيونية الأرضية والفضائية. بالطبع كانت الدراما الخليجية موجودة من قبل، ولكن بنسبة محدودة للغاية أمام الدراما المصرية، ثم السورية. ولأن رمضان تحول منذ زمن - ربما يعود الى عقد ونصف العقد - إلى شهر الانتاج الدرامي الجديد في ما يشبه المهرجان السنوي للدراما العربية، فإن منطقة الخليج كانت شاشة العرض الكبرى للإنتاج فيه من خلال قنواتها الأرضية، وأيضاً من خلال مشاركتها في هذا الإنتاج بأعمال فنانين مصريين وسوريين. ثم تدريجياً تغيرت الأمور، إذ تجاوز الخليجيون دور مشاهدة ما ينتجه غيرهم إلى البحث عن أنفسهم في هذه الأرض الفسيحة، أرض الدراما. وبديلاً من جهد الفنانين الخليجيين الرواد في تقديم ملامح الحياة وقضايا الناس في هذه المجتمعات العربية التي مرت بالكثير من التحولات المهمة في فترة زمنية قصيرة، وجدنا الأرض الخليجية تنشق على مدى السنوات القليلة الفائتة لتخرج جيشاً من المؤلفين والمخرجين والممثلين والعاملين في كل مجالات العمل الدرامي التلفزيوني، رجالاً ونساءً وإن بنسبة أقل. وبدلاً من الأسماء القليلة التي كنا نعرفها عن فناني الكويت والسعودية والإمارات مثل عبدالعزيز المنصور وسعاد عبدالله وداود حسين وناصر السدحان وحياة الفهد وابراهيم عبدالعزيز وغانم السليطي وعبدالله القصبي وزينب العسكري وغيرهم، فوجئنا بأجيال جديدة تفرض وجودها على الساحة الفنية، ومجالات جديدة تقتحمها المرأة الخليجية مثل الكتابة الدرامية التي أصبحت أمراً واقعاً منذ سنوات قليلة، وتحديداً منذ تجاوزت الدراما الخليجية على ما يبدو مرحلة العجز في الوجوه النسائية أمام الشاشة مثلما بدا في مسلسلات رمضان الخليجية التي امتلأت بممثلات كثيرات من كل الأعمار والأشكال، وساهمت في رفع مستوى الأداء في شكل عام في هذه الأعمال. ديكتاتورية الرجل... غضب المرأة تجلى هذا الانفتاح الدرامي الخليجي في اتساع دائرة القضايا المثارة عبر الدراما. صحيح أن معظم هذه الأعمال دارت في فلك دراما الأسرة وسطوة المجتمع الذكوري وعنف سلم القيم الذي يؤكد ديكتاتورية الرجل مقابل عناء المرأة في كل الأوقات ومختلف مراحل العمر، إلا أن تعدد الروايات والرؤى لهذه المواضيع أضاف إليها المزيد من الوضوح من خلال التفاصيل والخطوط الدرامية الفرعية التي تضيف إلى الدراما الكثير من نقاط القوة أو تعري نقاط الضعف، في المجتمعات التي كانت مغلقة على نفسها حتى وقت قريب، ولعل مسلسلات مثل"الفرية"وپ"الإمبراطورة"هما أوضح الأمثلة على هذا. وإذا كان صناع الدراما الخليجية استفادوا ممن سبقهم في العالم العربي، فإنهم لم يتجاوزوا هذا الأمر إلى إبداع دراما مؤثرة بعيداً من القالب الميلودرامي الذي لم يعد يصلح للمشاهد في هذه الأيام. إذ اتسمت مسلسلات رمضان الماضي بطغيان الملامح الميلودرامية عليها من خلال الحبكة واسلوب التناول الذي تغلب عليه النزعة الرومانسية الحزينة والبكائيات في مواقف استجداء الحقوق حقوق المرأة غالباً، وهو اسلوب يكون وجيهاً لدى كتاب الدراما الخليجية في إطار فهم مجتمعاتهم، لكنه غير هذا في رأي مشاهدين شبعوا من البكائيات في الماضي، ولمدة عقود سابقة، منذ بدايات السينما المصرية التي نقلت الكثير من ملامحها الى التلفزيون... غير أن للانفتاح الدرامي الخليجي وجهاً آخر مهماً، وهو الاتجاه إلى نوعيات أخرى من الدراما، صعبة في كتابتها وفي تمريرها من جهات الفحص والمساءلة حتى مرحلة العرض، ونعني بها الدراما الانتقادية الساخرة التي لا تخشى الخوض في أي قضايا شائكة تمس المحظورات، أي الدراما الانتقادية السياسية في أعمال مثل"إرهابيات"لداود حسين، وپ"طاش ما طاشپ لناصر القصبي وعبدالله السدحان، وفيهما حس فني يتراوح بين الجدية الساخرة وقمة الهزل. مزيج ولأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فإن الخطوة الجديدة في رحلة الدراما الخليجية هذا العام هي الكرتون المصنوع لغير مشاهدي الكرتون عادة. ونقصد هنا مسلسل الكرتون الخليجي إماراتي المعنون باسم"فريج"والذي عرضته قناة دبي الفضائية في رمضان. واللافت في هذا العمل هو خروجه عن القاعدة في أمور عدة، أولها كونه ينتمي الى كرتون ثلاثي الأبعاد، وثانياً لكونه يتناول قضايا الكبار، من خلال نسائه وعلى رأسهن شخصيته المحورية"أم خميس"التي طرحت الكثير من القضايا المهمة في قالب شديد السخرية والظرف، تحت إدارة المخرج أحمد السعدي. وما ميز هذا المسلسل ايضاً، الانسجام الواضح بين الحركة وشريط الصوت، إضافة الى المقدرة العالية على ابتكار أشكال بطلات الحلقات وتضمينهن كل الأقنعة المعبرة عن الشخصيات بكل ملامحها، بداية من القناع الذي تتحرك فيه كل شخصية إلى تتابع المشاهد وربطها واسلوب الحكي ومدى قدرته على إثارة التأمل والابتسام..."فريج"عمل مبدع يقول لنا إن الدراما الخليجية بحر لا ندرك الكثير من أبعاده لأنها لا تزال تحت السطح!