لماذا لم ينجح رجل مثل جاك شيراك، المسكون بالفرنكوفونية، في تسليط اهتمام فرنسا على المضطلعين بدور بارز في المضمار هذا؟ أغلب الظن، على ما أرى، أن مرد الأمر الى تاريخنا الاستعماري ويقظته فينا على صورة المراجعة والندم. فنحن نغفل عن أن شعوباً لم تستعمرها فرنسا، في ما مضى من تاريخها، إما تميل الى فرنسا ميل المودة، وإما تتكلم لغتها. ولعل شرق أوروبا خير مثال على زعمي هذا، وتتولى الدولة الفرنسية تمويل 75 الى 85 في المئة من أنشطة الفرنكوفونية الدولية. ومعنى هذا أن بلداناً ودولاً أخرى لا تسهم في التمويل بما يناسب حصتها وثقلها. ولا شك في أن الانتقال من رابطة اللغة المشتركة الى رابطة العمل السياسي خطوة وانجاز يحسبان لمنظمة فتية ويقدران لها. ولكن ينبغي التنبه الى الحؤول دون إصابتها بعدوى محاكاة أمم متحدة. فعلة قوتها هي الپ180 مليوناً من الرجال والنساء الذين يتكلمون اللغة الفرنسية في أنحاء العالم، أو يحبونها حب هوى، الى الشركات المتعددة الجنسية من أصل كندي أو بلجيكي أو سويسري أو فرنسي، أي المجتمع المدني. وتتهدد البيروقراطية الإدارية توسع الفرنكوفونية واتساع دائرتها، ودائرة أنشطتها. وبعض الدول لا تنتدب الى الهيئات المركزية أكثر الناس حماسة واقبالاً. وبالأمس كان الكومنولث رابطة الدول التي استقلت عن السيطرة البريطانية أكثر انتباهاً من منظمة الفرنكوفونية الى الحقوق الديموقراطية، على ما هو جلي. ويسع المنظمة غداً، أن تضطلع بدور بارز في استباق المنازعات وتفاديها. ومن هذه المنازعات تلك التي تنشأ عن العلمانية، فالديانات كلها لها مندوبون في المنظمة. وعلى هذا، فهي موضع عظيم للتفكير في تنظيم العلاقات بين الدول على نحو يميز السياسة من الدين. وعلى فرنسا، في هذا السبيل، تجاوز المسألة الإيديولوجية بين الاستعمار والعولمة، وتيسير انتقال الشبان والشابات بين فرنسا وبلدان الفرنكوفونية المستعمرة سابقاً فهم مستقبل التكلم بالفرنسية. وعليها تعريف اللغة الفرنسية تعريفاً مرناً، فتستقبل في حضنها وكنفها الفرنسية التي يتكلمها أهالي ما وراء البحار أو أولاد المهاجرين المقيمين بفرنسا. ويفترض هذا الخروج من الانكفاء على هوية بيضاء آن الهوية الثقافية الفرنسية تأتلف من روافد كثيرة. وعلينا الإقرار بأن الجامعات الإنكليزية اللغة تستميل كثرة من طلاب البلدان التي تتكلم الفرنسية "جزئياً أو كلياً". وهذه البلدان لا تقتصر على أفريقيا. فثمة أميركا اللاتينية وآسيا وحوض المحيط الهادئ. والتقصير في جمع عشر جامعات فرنسية كبيرة، في مدن متفرقة من العالم، تحت عباءة واحدة، من مظاهر التقصير الواضحة. وعدد سمات الدخول والإقامة الجامعية في فرنسا، قليل. فيجدر بباريس، عاصمة الفرنكوفونية، أن تشيد عدداً من الحُرُم الجامعية، وتستضيف مبعوثين من الخارج, ولا تستقيم الإجراءات الإدارية والإنشائية الا بقبول تنوع الأمم الثقافي، وإعلاء شأن التراثات السياسية غير الغربية. وعلينا ألا ننسى أميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا، ولا الشرق الأوسط. عن دومينيك وولتون عضو مجلس الفرنكوفونية الأعلى، "ليكسبرس" الفرنسية، 28 / 9 / 2006