اقتضى إخراج فيلم"أنديجين"أي البلديون أو السكان الأصليون في المستعمرات من مخرجه الفرنسي رشيد بوشارب، معركة شرسة. فطرق أبواباً كثيرة لممثلين وأرباب عمل وسياسيين، حتى انتهى به المطاف الى قصر الرئاسة الفرنسية في الإليزيه. ولكن الفضل في انجازه يعود، أولاً، الى الممثلين. والشريط يروي قصة شبان مغاربة لم يكونوا وطئوا أرض فرنسا عندما انخرطوا، كقناصة، في الجيش الفرنسي وخاضوا الحرب الثانية ضد العدو النازي، لكنهم لم يلقوا، نظير حربهم، من قيادتهم، ولا من المجتمع العسكري الفرنسي، غير التحقير والتهميش، الى نهاية مشوارهم القتالي حين حطوا الرحال في قرية من قرى محافظة الألزاس الفرنسية. والعمل مرآة غير ثأرية لنظرة المدينة الحديثة الى مواطني المستعمرات. فهؤلاء طواهم النسيان، وأغفلت ذكرهم كتب التاريخ، ولم يبق أثر منهم في الذاكرة الوطنية. ويقص الشريط الفصل المطوي والمنسي هذا، استناداً الى أعمال مؤرخين، ووثائق من الأرشيف، ومحاورات مع القناصة السابقين على قيد الحياة، في فرنساوالجزائر والسنغال. ولم يحظ العمل بقبول المنتجين، على رغم صيت ممثليه: جمال دبوس، النجم الكوميدي الفرنسي، وسامي نصري، بطل سلسلة"تاكسي"، وسامي بوعجالة ورشدي زم، وكلاهما يتمتع بموهبة مشهودة وخبرة طويلة. ومرّ السيناريو في 27 طوراً: في الأول يدوم الفيلم 3 ساعات وربع الساعة، وتبلغ موازنته 35 مليون يورو، وفي الطور الأخير اقتصر الوقت على أقل من ساعتين، وتقلصت الموازنة الى 14.5 مليوناً. وتولى الإنتاج المخرج بوشارب، والممثل دبوس، والمنتج جان بريها. وبعد عرض حضره الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، وعد هذا بالعمل سريعاً على صرف رواتب تقاعد على قدامى المحاربين من شمال أفريقيا. ويذكّر مؤرخون فرنسيون بأن 20 فرقة مشاة افريقية، أي نحو 500 ألف مقاتل، خاضوا الحرب منذ أيار مايو 1940 وهزيمتها المدوية. واعتمد الجيش الفرنسي على القناصة السنغاليين لتغطية عمليات الانسحاب، فتكبدوا خسائر فادحة. وقبل ذلك، جُنّد جزائريون من الهجّانة وهم القناصة المحمولون على الهجن للمشاركة في فتح الجزائر، غداة 1830. ومنذ 1914، جند نحو 600 ألف جندي من المستعمرات الفرنسية، وكان تطويع الشباب الجزائريين المسلمين بدأ في 1912، من غير مكافأتهم بالجنسية الفرنسية. ومن إنجازاتهم أن فرقة المشاة الثانية، المغربية، كانت أول وحدة فرنسية عبرت نهر الراين الألماني. ويقدر أن 60 ألف قتيل في صفوف الجيش الافريقي أخرجوا نحو 600 ألف جندي ألماني من ساحة القتال، وأنزلوا بهم إصابات مختلفة. وتبين الاحصاءات أن عدد القتلى في فرق المجندين من المستعمرات لم يفق عدد القتلى في صفوف المجندين الأوروبيين على نحو ملحوظ. عن كريستوف كاريير وأوليفييه برويان، "لكسبرس" و "لوبوان" الفرنسيتين، 21 /9/ 2006