الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    البرلمان العربي يدين حرق كيان الاحتلال لمستشفى بقطاع غزة    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    وزير المالية اليمني ل«عكاظ» الدعم السعودي يعزز الاستقرار المالي لبلادنا    التركي فاتح تريم يصل إلى الدوحة لبدء مهامه مع الشباب    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    البيت الأبيض: المؤشرات تؤكد أن الطائرة الأذربيجانية سقطت بصاروخ روسي    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سهرة مع الكاتب السينمائي الفرنسي جان كلود كاريير: السيناريو حالة موقتة تنتهي في القمامة
نشر في الحياة يوم 02 - 02 - 2018

حين قدمه أحمد بجاوي الناقد والمؤرخ السينمائي مدير الندوة وأحد منظمي مهرجان الجزائر الدولي للسينما، شارحاً كل صفاته وميزاته، أضاف هو أنه «مزارع أيضاً»! (ككل الفرنسيين).
جان كلود كاريير كان هناك، الكاتب والسيناريست والمؤلف المسرحي الفرنسي الذي عمل مع كبار المخرجين الفرنسيين وغير الفرنسيين من لوي بونويل وجان لوك غودار وجاك تاتي ولوي مال وفيليب غاريل إلى ميلوس فورمان، فولكر تشلوندورف مروراً بناغيزا أوشيما... وشكّلت كتاباته في العقود الأخيرة علامات مضيئة جلبت له الجوائز العديدة والإعجاب الجماهيري. أشهرها «فن السيناريو» 2012، الذي يسرد فيه أفكاره حول التعامل بين السيناريست والمخرج والمنتج في مختلف مراحل كتابة السيناريو، وحاجة كاتب السيناريو الى الحوار مع الآخرين خلال عملية الخلق.
الكل كان متشوقاً بل متلهفاً لسماع محاضرته في المهرجان حول «كتابة السيناريو»، وقد تحولت إلى سرد مكثف ممتع ومدهش عن ذكرياته مع أهم من عمل معهم في السينما والمسرح في فرنسا وخارجها، وإلى «تأملات من حياته «قد يعطيها أيٌّ كان- اللحام أو النجار»- كما قال. هكذا، تشعّب الكلام وتشابك لأكثر من ساعتين في سلاسة وحيوية شدّت الحاضرين، وحتى اللحظة الأخيرة، إلى هذا الرجل الذي يقترب من التسعين من العمر.
بدأ كاريير محاضرته بالحديث عن القرن العشرين، القرن الذي اخترع لغة جديدة، ففي القرن التاسع عشر كان هناك المسرح والأدب ومع نهايته جاءت الاختراعات: السينما، والراديو الذي أتاح نقل أصواتنا بعيداً، ثم التلفزيون الذي نقل الصورة مع الصوت وما يحصل بعيداً أيضاً. اعتبر كاريير أن تسجيل الصوت أو الكلمة «مثير للمشاعر» لاسيما حين نفكر في أنه ليس لدينا أي صوت من الماضي «نستطيع تخيل أصوات العصافير والجداول، ولكن ماذا عن أصوات الحشود مثلاً؟ صوت فيكتور هوغو؟ لقد كان التاريخ صامتاً، والقرن العشرون سمح لنا بنقل الصوت للمستقبل ويجب أن نعي ذلك». لهذا فهو يهتم كثيراً بالتطور التقني، ومنذ رئاسته مدرسة السينما في باريس La Femis وتدريسه فيها وإلى اليوم، يتابع كل جديد في الصورة والصوت.
جاك تاتي مفتاح مسيرته
ثم روى كاريير بعد هذه المقدمة كيفية تحوله نحو الكتابة السينمائية وأول تجربة له فيها «كنت مهتماً بالسينما والرواية ونشرت أول رواية لي مع الناشر «روبير لافون». حينذاك (1958)، كان ثمة مشروع لديهم لتحويل فيلم «عطلة السيد هولو» لجاك تاتي إلى رواية، فتمّ اختياري لهذا. حين التقيت مع تاتي (قلّد طريقته في الكلام)، قال لي قرأت نصّك، لكنه في الحقيقة لم يكن قرأه! طلب مني مشاهدة الفيلم قبل كتابة رواية عنه. ثم سألني عما أعرفه عن السينما وتحقيق الأفلام. هنا، دعا سوزان المنتجة وقال لها جملة كانت مفتاح حياتي «خذي هذا الشاب وأريه ما هي السينما». أعطاني نسخة من الفيلم والسيناريو، وبدأتُ بعدها الكتابة».
ويتابع كاريير: «في ذلك اليوم، بدأت أفهم ماهية الكتابة السينمائية وأن السينما تستحق لغتها الخاصة ولنكون كتاب سيناريو علينا أن نستأهل ذلك». أضاف أنه تعرّف حينذاك الى الفروقات بين السيناريو كنص وكيفية تصوير الفيلم والطريقة التي يكتب فيها على شكل رواية، وأنه اكتشف مبكراً وهو في الثالثة والعشرين أن السيناريو «مرحلة موقتة عابرة، ينتهي إلى الزبالة، إنه حالة لحظية سيختفي بعدها وهذا أول ما يجب الاعتراف به».
وعن وجود خاصية معينة في كتابة السيناريو لا تتوافر في الكتابات الأخرى، قال إنه ليس من الممكن أن نكتب السينما كالأدب والمسرح، «كل تعبير جديد يخترع لغة جديدة، وداخل كل تعبير هناك أساليب متعددة. في السينما هناك الروائي والوثائقي والتحقيق، وهي نشاطات مختلفة تماماً ومداخلها تتم عبر أبواب مختلفة. كل مرة نكتب، فإن النص يتحول عند تحويله فيلماً. إنه تحّول الحقيقة، إنها ليست الحقيقة بل واقع مكتوب ومتغير». وذكر كاريير كتاباته المسرحية حين عمل مع بيتر بروك سبعاً وثلاثين سنة لاسيما حول النصوص المقدسة الهندية مهاباراتا ورامايانا، وقال عنه في المحاضرة: «لدى بيتر جانب روسي وأنا لاتيني صاف، لذلك كنا متكاملين».
بونويل، فورمان وجورجيت...
ثم تحدث عن لقائه بالمخرج لوي بونويل عام 1962 وذكرياته حول عملهما الطويل سوية: «حين أعمل مع مخرج نجلس متقابلين أي في فضاءين مختلفين لذلك يجب الوصول إلى فضاء ثالث نلتقي فيه. كنت رساماً أيضاً، مع بونويل كنت أخطط المشهد كما أراه وأسأله في اليوم التالي إن كان الباب على يمين المشهد أم يساره؟ إن توافقت إجابتانا فهذا المطلوب!» وأشار كاريير كذلك إلى ميل بونويل لتمثيل المشهد بنفسه ليقدّر مصداقيته «كان هو المرآة، وكنا نتخيل وجود زوجين فرنسيين من الأكثر عادية بيننا ونضع نفسينا مكانهما ونسأل: كيف ترين هذا يا جورجيت؟ وكان بونويل غالباً ما يخرج من الاستديو وهو يردد «تعالي يا جورجيت هذا الفيلم ليس لنا»! كنا نحاول إيجاد جمهور لنا». وهنا ذكر أنه كان يصور المشهد مع ميلوس فورمان أيضاً، «كان يضع نفسه مكان الشخصية الأكثر بعداً من شخصيته والأصعب عليه، وهذا شيء ثمين».
واعتبر كاريير أن دعوة سيناريست إلى موقع التصوير «بادرة سيئة». لكنه يحضر المونتاج دوماً «مع بونويل وفورمان تختلف طريقة المونتاج. هما مدرستان مختلفتان، الأول يستغرق يومين فيه والثاني يعمل الفيلم في المونتاج.» وذكر حادثة له مع بونويل مع مونتاج فيلم «السحر الخفي للبرجوازية» حين أخبره بونويل بعد ثلاثة أسابيع من التصوير أنه لا يعرف كيف يصنع الفيلم! «في العادة، قال له بونويل، أركز على شخصيتين أو ثلاث وأتابعها. هنا الشخصية الرئيسية عبارة عن ست شخصيات! إذا صورتهم كلهم فسأفقد التواصل وسأكون بعيداً منهم، كما أنفر من تصويرهم واحداً بعد آخر، فما العمل؟». وبعد تفكير استقر رأيه على العمل مثل (جان) رينوار!
ويستنتج كاريير أن بونويل «كان في حاجة الى معاون وليس الى سكرتير وأنه كان من المناسب القول له «لا» أحياناً!». وأنه اكتشف بالعمل معه على سيناريو فيلم «جميلة النهار» (1967) سبب إعجابه بالفيلم شيئاً فشيئاً، فهو «لا يحب الحوار لكنه يضعه أحياناً لتعبئة فراغ وقد غير الكثير خلال التصوير، أما في المونتاج فبونويل لا يغير شيئاً».
السيناريو والزمن وأشياء أخرى
وعن الزمن وعلاقته بالسينما، يقول كاريير أنه لا يترك للوقت أن يتحكم بنا ويسجننا وبأن الزمن ليس نفسه في المسرح والسينما والرواية، ويورد كاريير مثلاً مع جملة عادية: «خرج من بيته في اليوم بعد التالي صباحاً»، متسائلاً «كيف تتحدثون عن هذا في السينما؟» ومستنتجاً أن «الكتابة السهلة وتلك الأكثر سهولة تتحول إلى فخ، فكيف تمكن كتابة أشياء ممكنة التصوير في السيناريو؟» وذكر أنه يلزمه شهرين تقريباً لكتابة سيناريو، وأنه يكتبه ويضعه على جنب ثمّ يعود إليه بعد ثلاثة أشهر مثلاً. وهكذا «نجد أن ما أعجبنا يوماً لم يعد يعجبنا وأن ثمة حلولاً لم ننتبه لها قبلاً تهبط علينا بغتة». وأشار الى أنهم عملوا مثلاً خمس نسخ مختلفة على مدى سنتين لفيلم «السحر الخفي للبرجوازية» لبونويل وأعاد تأكيد «ضرورة ترك ما كتبناه بعض الوقت ليرتاح».
ويكتب كاريير بلغات عدة، بالفرنسية مع بونويل وبالإنكليزية مع فورمان وحينذاك كان يطلب من صديق أميركي إعادة القراءة ليتأكد من أنه لم يفوّت الكثير مما يود قوله: «ثمة شيء ما ينقص بين لغة وأخرى، لا نقول الشيء بطريقة قوله نفسها بالفرنسية، أي أن الشخصية لا تقوله بالطريقة ذاتها». وذكر الفرق بين الكتابة لفيلم تلفزيوني وسينمائي وما لذي يقرر صلاحية السيناريو لهذا أم ذاك؟ وقال إن ثمة أشياء تؤخذ في الاعتبار أكثر بالنسبة الى فيلم تلفزيوني بعضها يفرضه الإنتاج وعلى رأسها المدة والتنقل خلال الفيلم «مثلاً في التلفزيوني يجري الحدث معظم الوقت في المكان نفسه ومشاهد الليل الحقيقي أقل ما يمكن وهو فيلم أمسية للآلاف وقد يسرون خلال مشاهدته ولكنهم يختفون بعد هذه الأمسية ولا نراهم فيما بعد!».
عن الخيال في الكتابة، قال إنه «كالعضلة علينا تدريبها، فالخيال يميل إلى التكرار والتقليد والارتخاء ولذلك يجب تدريبه باستمرار» مضيفاً: «أنا أجلد خيالي».
وحول سؤال عما إذا كان السيناريو الجيد يعني بالضرورة فيلماً جيداً أو إن كان السيئ قادراً على صنع فيلم جيد، ردّ بأن «الأكثر سهولة وحصولاً هو فيلم سيئ من سيناريو جيد!»، وأن المهم هو عملية تفاهم بين المخرج والكاتب قبل كل شيء. ويعطي أمثلة «كتبت مرة فيلماً للوي غاريل وتناقشنا مع المخرج والمنتج لإلغاء بعض المشاهد قبل البدء في التصوير بسبب نقص الأموال». فالسيناريو ليس شيئاً ثابتاً ويتغير حتى في المونتاج وهو نفسه غيّر مرة حواراً اثناء المونتاج، وفي فيلم «عطلة السيد هولو» كان تأتي مع مقصه بصدد قص أجزاء منه فيما هو يعرض في الصالة!
تاتي وأحجاره وكؤوسه
ويعود كاريير للحديث عن طريقة عمل جاك تاتي واهتمامه الفائق بالصوت: «كان يحب وضع صوت لكل شيء ولا يهتم للصوت الطبيعي. في بداية تعرفي اليه اصطحبني معه للتسجيل، كان يسجل صوت كأس ينكسر لفيلم «خالي». حين دخلت الاستوديو، وجدت أكواماً من الحجارة والكثير من الكؤوس وعلى مدى ساعتين ونصف من الزمن كان يتناول حجارة ويرمي بها كؤوساً، وهكذا كسر 600 كأس وبقيت واحدة لم تنكسر فضحكت، وإذ به يقترب مني ويقول» صه/ هشت»! كان اهتمامه بالصوت لدرجة الهوس «في مشهد من الفيلم نفسه يظهر فيه زوجان في سيارة أثناء الليل ويلف المكان صمت كامل ثم نسمع رجلاً يقول هذه السيارة لا تصدر أي ضجيج!».
ويقول كاريير إن السينما ليست فقط فن الصورة، فهي فن دراماتيكي يستخدم الصوت والصورة وأداء الممثلين.
السينما بين الرقمي والبكرات
وعن التطور التقني وتأثيره في اللغة السينمائية، رد بأن تلك تتطور باستمرار مثل كل اللغات، وحتى في الرسم «كل شيء يتغير من دون توقف وعلينا التأقلم، وأن معظم الفن المعاصر سيختفي في المستقبل!».
وقال إن الرقمي يؤثر في المونتاج فحين يكون التصوير رقمياً، يأخذ المونتاج وقتاً أطول لأننا حينذاك نصور أكثر بكثير. كما أن التغير المستمر لتقنية الرقمي يسبب مشاكل أحياناً ولكن تبقى المشكلة الرئيسية في الحفاظ على الفيلم، وهنا فإن البكرة أفضل وسيلة. كما ثمة عائق آخر للرقمي «حين نري الطلاب الفيلم ونريد التوقف عند مشهد معين للشرح لهم، وبين الإيقاف وإعادة التشغيل ثمة صعوبة».
ولكن، هل ستختفي السينما كشكل من أشكال التعبير؟ يقول: «قد تختفي لمصلحة السينما التجارية. في السبعينات، طرحت السينما الأميركية هذا السؤال، ثم جاءتنا أفلام كيارستمي وأفلام من الصين والمكسيك والأرجنتين...». وأشاد كاريير بالمهرجانات السينمائية، قائلاً: «المهرجان هو ليس عيداً فحسب، إنه لحظة فريدة والتقاء حول قضية، هو شيء يوحدنا مقابل الكثير من الأشياء التي تفرقنا في هذا العالم!
حوار خاص: لماذا تخلّيت عن الإخراج؟
بعد انتهاء الندوة، هرع الصحافيون للمزيد من الحوار معه. أخذت معه موعداً الثامنة من صبيحة اليوم التالي قبل مغادرته المطار، فلم يكن من الممكن تفويت فرصة الحديث مع شخصية لامعة مثله وجهاً لوجه!
سألته حول السبب الذي جعله يتوقف عن الإخراج بعد فيلم واحد قصير أنجزه مشاركة ونال عنه الأوسكار 1962 وسبب تركيزه على الكتابة فقط؛ فردّ بأنه اتخذ في حياته قرارات عدة يعتبرها جيدة و «لكن أكثرها أهمية هي ألا أكون مخرجاً! كنت سأتخلى حينذاك عن المسرح مثلاً وكل ما كنت سأفعله هو صنع فيلم، فيما أنا منجذب إلى كل أشكال التعبير الكتابي. قررت من اللحظة الأولى أني لن أكون مخرجاً وكان هذا أحسن قرار اتخذته. كل المخرجين عرفوا السعادة والتعاسة أيضاً، ومات بعضهم شاباً قبل أن يستطيع تحقيق ما أراد. جان رينوار نشر كتباً عدة ولم يعتبره أحد كاتباً. من البداية، كان قرار البقاء ككاتب سيناريو شامل فتح لي آفاقاً رحبة، صحيح أن المخرج هو الأكبر، إنما كانت الكتابة على المدى الطويل أفضل. لولا قراري لما أتيح لي العمل مع بيتر بروك طوال 37 سنة هي أفضل ما أنجزت في حياتي. كثير من السيناريست لا يحلمون إلا بأن يكونوا معلمي الفيلم من دون أن يعوا مقدار المخاطرة، إذ إن فشل فيلمين متتاليين يقضي عليك لسنوات. منهم من انتحر بعد أن أفلس وثمة أيضاً حالات مرضية. كنت مساعد المخرج في فيلمين قصيرين ونلنا الأوسكار واقترح علي صنع فيلم طويل، في الوقت ذاته كان بونويل يتصل بي ففضلت العمل معه. سنوات بعدها بدأت الكتابة للمسرح وإلى الآن ما زلت أكتب».
وإن كان يفضل السينما، أجاب: «يتوقف هذا على ما يأتيني من عروض، المهم أن تجد نفسك في الموضوع. ثمة أشياء يمكن فعلها في المسرح وليس في السينما والعكس. في السينما، نضيف ما نطلق عليه «الجدار الرابع» أي نغلق الكادر».
غودار «الرهيب»
سألته لمَ لم يذكر غودار أثناء حديثه عن ذكرياته مع المخرجين، فقال: «كنا أصدقاء نذهب للسينما سوية. حين أسست المدرسة العليا للسينما في قصر طوكيو، أعطيته صالة مونتاج شرط أن يعطي دروساً للطلاب، لكنها كانت تتحول لنقاشات! يعمل غودار بطريقته الخاصة أي سيناريو من دون سيناريو. حين تكون لديه فكرة عن فيلم يبدأ بتصوير اللقطات، يصور بعضها ثم يتوقف عند واحدة. نعمل اعتباراً من صورة يريدها في الفيلم صورة ثابتة، فتاة على دراجة مثلاً. هو إنسان مثير للاهتمام جداً، حادّ في أحكامه، منعزل... اتفقت معه آنيس فاردا على مشهد في فيلمها «وجوه وقرى» 2017 حيث كان عليها في نهاية الفيلم أن تنتهي عند جان لوك، وحين وصلت لم يفتح لها الباب في سويسرا! كانت أحضرت له علبة من البسكويت الذي يحبه».
تحدثنا عن فيلم «الرهيب» لميشيل هازانافيسيوس حول غودار، وقال كاريير أنه شاهد الفيلم ووجده لا بأس به، «الفيلم عن الشخصية في وقت محدد من حياة جان لوك ويجب أخذه كما هو. هي الفترة التي وجد فيها غودار أن كل ما عمله قبلاً كان هراء! وأنه يريد أن يكون ملتزماً ولكن في أي اتجاه؟ هتلر صنع أيضاً أفلاماً ملتزمة! لم أر غودار منذ سبع سنوات، وأعمل حالياً على فيلم مع لوي غاريل (بطل الفيلم)».
وعن الفيلم الذي لديه مكانة خاصة عنده، ذكر «سيرانو دوبرجراك» ورأى فيه أصعب فيلم والتحدي الأكبر لأنه فيلم من الماضي ومكون من 150 بيت شعر. وكان الفيلم الأكثر مشاهدة في تاريخ السينما الفرنسية حتى أزاحه «اميلي بولان»، وأضاف: «شعوري نحو أحد الأفلام يماثل ما نشعره تجاه الولد غير المحبوب أو الضعيف في الأسرة. وأتحدث هنا عن فيلم تحفة لم ينجح كما ينبغي في البداية مع أنه شكل بالنسبة للبعض أفضل فيلم في العالم وهو Birth (جوناتان كلازر) مع نيكول كيدمان ولورين باكال. عرض في مهرجان دوفيل قبل خمسة عشر عاماً ووجدتني في حفل عشاء بين هاتين الممثلتين الجميلتين. هكذا فالحظ يحالفنا أحياناً!
وأشرت إلى حديثه عن اكتشاف سينما جديدة أتت من بلدان آسيوية ومن أميركا الجنويية عدة وأعطت أملاً لعالم الفن السابع وأنه لم يذكر بينها السينما العربية، فردّ قائلاً: «لا أفوت فيلماً لنوري بيلغ جيلان، لكني من زمن طويل لم أر أي فيلم مصري. ثمة مناطق في العالم تظهر فيها السينما وتختفي فجأة كما حصل مع الأرجنتين والمكسيك. في أفريقيا حيث صنع فيلم هو عمل بطولي، قال لي يوماً سليمان سيسي بأنه لا يستطيع صنع أفلام وسبب لي هذا حزناً كبيراً.
أيضاً أتساءل كيف يمكن تحقيق فيلم ك «باترسون» (واحد من آخر وأجمل أفلام جيم جارموش وأكثرها شاعرية) في الولايات المتحدة، إنها معركة هناك أيضاً! السينما تأتي وتروح بين بلد وآخر. الإيطالية مثلاً كانت مزدهرة ثم اختفت فجأة في التسعينات. أما السينما الإيرانية فهي اليوم الأفضل في العالم لاسيما مع اصغر فرهادي التي تقول أفلامه شيئاً عن إيران. كنت أول من كتب عن كيارستمي واليوم هناك يانغ سي مون من الجيل الصيني الجديد. السينما حالياً مهددة بالتجارة. ستنجز أفلام باستمرار، ولكن هل سنعمل سينما؟ السينما في الصالات هي المهددة وفي إيطاليا نهدم صالات السينما مثلاً. يقلقني مثلاً أن ابنتي التي في الرابعة عشرة من العمر لا تذهب أبداً إلى السينما، ولكن تريد صنع أفلام! هي دائماً ممسكة بهذا الهاتف وترى الأفلام عليه!».
لا يفكر جان كلود كاريير في ترك الكتابة والعمل في السينما «سأبقى أعمل طالما يريدونني أن أعمل. لدي مشاريع مع رشيد بوشارب ولوريل غاريل وجوليان شنيبل. في الواقع، لا أعاني من البطالة».
يبتسم وينهض متكئاً على عصاه ويودعني، لقد حلّ موعد المغادرة للعودة إلى باريس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.