لم يعرض فيلم رشيد بوشارب الجديد «خارج على القانون» بعد ضمن إطار المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» السينمائي. ومع هذا أصبح حتى من قبل عرضه الفيلم الأكثر إثارة للسجال، وربما للمشاكل في دورة هذه السنة للمهرجان الأشهر في عالم الفن السابع، والسبب سياسي طبعاً. وهذا السبب هو، على أية حال، ما بدل هوية الفيلم في الأيام الأخيرة، إذ كان متوقعاً له أن يقدم كفيلم فرنسي/ جزائري – ما يؤمن حضوراً عربياً نسبياً في المسابقة الرسمية ويعوض على الغياب العربي العام -، لكن الفيلم اكتفى بهوية جزائرية، وبعدما كان معروفاً أنه من تمويل فرنسي، بدأ الحديث عن دعم الدولة الجزائرية له، ممثلة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ووزيرة الثقافة خديجة تومي، وعن أن المساهمة الفرنسية في إنتاجه لا تتعدى 7 في المئة. غير أن القضية ليست تمويلية، بل هي سياسية/ تاريخية، حركها اليمين الفرنسي المتطرف وعدد من السينمائيين والسياسيين المؤرخين تحت شعار: يمكن بوشارب أن يغير التاريخ، ولكن ليس من حقه أن يشوهه، خصوصاً بفضل أموال فرنسية، والإشارة هنا مزدوجة، إذ من المعروف أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك شاهد فيلم بوشارب السابق «السكان الأصليون» (الذي فاز نجومه مجتمعين بجائزة التمثيل في «كان» قبل سنوات قليلة)، وفهم درساً تاريخياً مهماً يتعلق بالظلم اللاحق في فرنسا بالمغاربة الذين كانوا ساهموا في تحريرها خلال الحرب العالمية الثانية، فأصدر قرارات غيّرت مصيرهم ومصير ورثتهم، أي أن فيلم بوشارب ذاك تمكن من تغيير التاريخ. أما تشويهه فهو التهمة الموجهة الآن الى المخرج ذي الأصول الجزائرية والعامل في فرنسا منذ زمن بعيد... وتحديداً في ما يخص قضية شائكة كثيراً ما حركت سجالات عنيفة بين الفرنسيين والجزائريين، وهي مسألة العنف الذي مارسته قوات الجيش والشرطة الفرنسية ضد الجزائريين، في الجزائر نفسها وفي فرنسا أيضاً. لقد حققت أفلام كثيرة حول هذا الموضوع وهيمنت نقاشات عنيفة وصدرت كتب. غير أن قسماً كبيراً من الفرنسيين ظل يرفض الإقرار بما حدث زاعماً دائماً أن الجزائريين يبالغون. وهنا، في «الخارج على القانون» إذ عاد بوشارب الى الموضوع نفسه في عمل يتابع القضية الجزائرية على مدى عقود من خلال مصير ثلاثة أشقاء، اكتشف اليمين الفرنسي، وغيره من الأطياف الفرنسية من بينهم النائب ليونيل لوكا، من خلال حديث أدلى به مسؤول في وزارة الدفاع، هو هوبير فالكو الذي كان قرأ السيناريو منذ شهور بأن الفيلم يتهم الجنود الفرنسيين باغتيال أول الثوار الجزائريين الذين تحركوا في مدينة صطيف يوم 8 أيار (مايو) 1945، أي في اليوم نفسه الذي اندلعت فيه شرارة الثورة الجزائرية الأولى، في شكل عنيف ولا إنساني... وهو واقع ينكره الفرنسيون عادة، لكن الجزائريين يصرون على حدوثه. وهكذا، إذ ركز بوشارب ببداية فيلمه على هذا الواقع انتفض الفرنسيون، لا سيما يمينيو فرنسا، محتجين، فطالبوا أولاً بسحب اسم فرنسا كمنتج للفيلم، ثم بوقف عرض الفيلم في «كان»، بل إن موقعاً لليمين المتطرف الفرنسي يهدد الآن بالنزول الى الشارع في «كان» قبل عرض الفيلم احتجاجاً ومحاولة لمنع عرضه بالقوة... وها هم أهل «كان» اليوم يحبسون أنفاسهم في انتظار ما سيحدث خلال الأيام المقبلة.