هناك فرقٌ بين المستثمِر والمدمّر، وبين المفجّر والمعمر، وبين الإنسان الذي يراعي حقوقَ الإنسان ويصون الدماءَ، وبين مَنْ يزهق أرواحَ الأبرياء بدمٍ بارد، ناشراً الخوفَ والهلع والفقر في أوساطِ البشرية، مؤرقاً مضاجعَهم ومدمّراً أراضيَهم. تأملتُ هذه الفوارقَ عندما فاز المسلم البنغالي محمد يونس مؤسس بنك"غرامين"لمساعدة الفقراء، ساعياً إلى التقريب بين الحضارات والأديان وبَنِي الإنسان، ليعيشوا بسلام، وبين ما يفعله أسامةُ بن لادن، الذي ما زال يعيش مختبئاً من كهف إلى آخَر، يخطّط كيف يفجّر ويقتل ويدمّر، ومؤسساً لفكر انتحاريٍّ وتنظيم إرهابي، لا يفرّق بين قتل طفل أو أرملة أو شخص عجوز. جائزة"نوبل"العالمية للسلام التي تُمنح كل عام للذين يقدمون الأعمالَ التي تُسهم في تحقيق السلام العالمي والتعايش السلمي، قدمتْ لنا هذا العام نموذجاً لمَنْ يُسهمون بأموالهم وفكرهم ووقتهم في محاربة الفقر ومساعدة الإنسان، والمحافظة على حقوقه وحقن دمائه، بمنحها للمصرفي البنغالي يونس مؤسس بنك"غرامين"، الذي يُعتبر أحد أول المصارف التي بدأت العمل بنظام القروض الصغيرة في بنغلاديش لمساعدة الفقراء، ويقدم القروضَ المالية لأكثر الناس فقراً، خصوصاً النساء، بفوائدَ صغيرة تشجع الفقراء على أخذ هذه القروض، لكي يتمكّنوا من تأسيس أعمالهم وإقامة مشاريعهم الخاصة التي تخرجُهم من دائرة الفقر إلى دائرة القدرة والاعتماد على النفس. يونسُ الشخص المسالم الذي وظّف فكرَه ومالَه لمحاربة الفقر، ليؤكد أن القضاءَ على الفقر محور مهم لتحقيق الأمن والسلام العالمي، لمَنْع التنظيمات الإرهابية من التسلل إلى أبناء بعض العائلات الفقيرة وتجنيد هؤلاء الأبناء والزجّ بهم في أتون الإرهاب وانتهاك الأمن العالمي. وما يقوم به رجلُ الأعمال السعودي محمد عبداللطيف جميل من أعمال خيرية في الاتجاه نفسه الذي يقوم به يونس بات على الألسن السعودية والعربية، عبر"صندوق عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع"والقروض الميسرة، ليعمل على محاربة الفقر وإنشاء المشاريع الصغيرة للمحتاجين، لمساعدة أنفسهم وتحقيق أحلامهم، فكم من امرأة تحوّلت من مجرد بائعة على الرصيف إلى مالكة محل ومنتجة في المجتمع. ولنا أن نقارن بين ما يفعله"تنظيم القاعدة"الذي يتبنّى الإسلام شعاراً، ويطلق الأقوالَ والأفعال باسمه، وعلى رأسه زعيم"التنظيم"أسامةُ بن لادن الذي يسخّر أموالَه وإمكاناته للتغرير بالشبان، واستدراجِهم إلى أتون الإرهاب، لتفجير أنفسهم وقتل الأبرياء ونشر الخوف والرعب، وبين ما يفعله محمد يونس ومحمد عبداللطيف جميل بأموالهما وإمكاناتهما لمحاربة الفقر ودعم الأمن والاستقرار والسلام العالمي. فما يمثّل الوجهَ الناصع للإسلام والرسالة المحمدية هو ما يفعله يونس وعبداللطيف جميل لا ابن لادن والظواهري وأمثالهما ممن يعيثون في الإرض فساداً وإرهاباً. إخراج الفقراء من الفقر ومِحَن الزمان والحياة الصعبة التي يعيشونها إلى حياة الأمل والمستقبل والخير والنماء، وجعلهم قادرين على الإنتاج والتنمية ودعم السلام والاستقرار، والقيام بدورهم في مساعدة فقراء آخَرين هو وجهُ الإسلام الحقيقي لا تبنّي العنف وقتل الإبرياء. إن ما يفعله الإرهابيون يتسبب في زيادة عدد الفقراء والأرامل والأيتام، وانتشار الخوف والرعب والفقر، وتعطيل مشاريع التنمية وانهيار البُنى التحتية، وما الجائزة التي حصل عليها يونس إلا تأكيد على أن الإسلام دين سلام وأمان، وما يتبنّاه بن لادن والظواهري من أفكار هي من وحي العقول المريضة الشريرة. إن الإنسان السويّ هو الذي يفكر بطريقة صاحب مصرف"غرامين"، الذي قال بعد فوزه بجائزة"نوبل"للسلام، إنه سيستخدم أموال الجائزة التي تبلغ 1.7 مليون دولار للبحث عن سبلٍ أكثر إبداعاً لمساعدة الفقراء على التخلص من الفقر، وتوفير القروض الميسرة للفقراء. لا شك أن السلام والأمن العالميين يحتاجان إلى أمثال يونس، الذين يسخّرون أموالَهم وأفكارهم لمصلحة الإنسانية وإسعاد البشرية، عبر التكافل والتضامن الاجتماعي وتشييد أعمال الخير التي حث عليها الدينُ الإسلامي، وليس إرهاب الناس وتفجير الإنسان وجعله قنبلة تُرعب البشرية وتُشعل الحروب في كل مكان، وتنشر الفقر والمرض والعوز، وترمّل النساء وتيتّم الأطفال كما يفعل تنظيم"القاعدة".