كل شيء يخضع لقانون العرض والطلب. وطالما هناك مشتر، فالبائع دائماً موجود. والجامعات في مصر ليست استثناء. التصريحات الرسمية تؤكد وتجزم منذ عشرات السنين بأن الكتاب الجامعي متوفر للجميع وبأسعار في متناول اليد أما الدروس الخصوصية فكل المسؤولين عن التعليم الجامعي يحاربونها بيد من حديد- وبالطبع فإن النقل غير القانوني للمعلومات أو البيع غير الرسمي للكتب والمراجع والاقتباس غير مذكور المصدر في الأبحاث كلها من الأمور المرفوضة والممنوعة التي يعاقب عليها القانون. لكن الحياة على أرض الواقع في داخل الجامعات تختلف تماماً عن هذا العالم المثالي. فقد نما وانتعش في السنوات القليلة الماضية داخل الكثير من الجامعات المصرية، لا سيما الحكومية منها، قطاع غريب من"البيزنس"الجامعي الطالبي. البعض يعتبره"شطارة"والبعض الآخر يعتبره"تسيباً"، وسواء كان هذا أم ذاك فهو قطاع موجود ومنتشر ولا يمكن تجاهله، وإن كانت أسماء القائمين عليه مطلوب تجاهلها حسب رغبتهم. س م 22 عاماً طالب متميز وإن لم يكن متفوقاً من طلاب كلية التجارة وسبب تميزه هو قدرته الفائقة على كتابة نصوص المحاضرات وتنسيقها وتنميقها بعد كتابتها على الكومبيوتر ومن ثم طبعها وطرحها للبيع بعد المحاضرة ب24 ساعة فقط، وذلك من خلال وسيط خارج الحرم الجامعي منعاً للشبهات. أما الوسيط فهو صاحب كشك لبيع الحلوى والمشروبات الغازية يحتفظ لنفسه بنسبة من عائد البيع اعتبره س م استغلالاً غير شرعي وظلماً بيناً لطاقاته وجهوده، فما كان منه إلا أن"تعاقد"مع أحد زملائه ممن يتمتعون بعلاقات طالبية واسعة وجرأة متناهية ليقوم بتسويق المحاضرات داخلياً في مقابل نسبة معقولة من الأرباح. وإذا كانت تجارة المحاضرات والملازم الجامعية ظاهرة في مجملها ليست جديدة، فإن"تفصيل"الأبحاث والدراسات للطلاب من المجالات الحديثة في عالم التجارة العلمية السرية. ش أ 20 عاماً طالبة في كلية الآداب وسبق لها أن لجأت إلى"تفصيل"بحث في الأدب الإنكليزي نهاية العام الماضي نظراً الى ضيق الوقت من جهة وعدم استيعابها للمطلوب إنجازه في البحث من جهة أخرى وفي هذه الحالة كان البائع خريجاً حديثاً قال لها زملاؤها إنه متخصص في إنجاز هذه النوعية من الأبحاث، كما أنها وسيلة لمساعدته مادياً على الزواج. وتقول ش أ إنها اكتشفت في ما بعد أن البحث الذي اشترته من هذا الشاب ما هو إلا مقاطع مأخوذة من دراسات منشورة على شبكة الإنترنت ومرتبة بطريقة"قص ولزق". وتضيف:"لم يكلف خاطره حتى بمحاولة الربط بين المقاطع، والحمد لله أن الدكتورة لم تكتشف ما حدث. المرة المقبلة سأدقق في الاختيار وسأطلب منه معاينة أعماله السابقة". عمليات أخرى من التجارة تجرى على صعيد آخر داخل الحرم الجامعي وتحديداً في دورات المياه حيث ينمي بعض الطلاب والطالبات دخولهم ودخول ذويهم من خلال حقيبة صغيرة فيها عدد من البنطلونات الجينز والتي- شيرت والجوارب وأحياناً الملابس الداخلية. وقد تحوي الحقائب كذلك أغطية الرأس للطالبات وأدوات التجميل. وعادة ما يشتري الطالب هذه الملابس من الأسواق الشعبية أو الجملة ويضيف إلى ثمنها هامشاً من الربح له ويزيد هذا الهامش في حالة البيع بالتقسيط. والتقسيط هي كلمة السر كذلك مع علي 21 عاماً الطالب في كلية التجارة المتخصص في بيع الهواتف المحمولة لزملائه. فعمه يمتلك محلاً لبيع الهواتف المحمولة المنتشرة انتشار النار في الهشيم بين شباب الجامعات، لذا يقوم بدور همزة الوصل بين المحل والطلاب، لكنه لا يتعامل إلا مع زملائه وزميلاته ممن يثق بهم تماماً، إذ ان آخرين اختفوا بهواتفهم الجديدة قبل تسديد ثمنها كاملاً. ويبدو أن عالم الهواتف المحمولة يوفر الكثير من فرص تنمية الدخل الطالبي في داخل الجامعات، فهناك عشرات الطلاب الذين يبيعون دقائق الاتصال من هواتفهم لمن يريد ويحققون بذلك أرباحاً معقولة جداً. لكن غير المعقول هو تجارة الجثث الآدمية والحيوانات والحشرات في داخل الجامعات وتحديداً في كليات الطب فعلى رغم تأكيد البعض أن الجثث المستخدمة في محاضرات التشريح هي لأشخاص مجهولي الهوية ويتم الحصول عليها بطريق قانوني، إلا أن حفاري القبور وعمال هذه الكليات مصدر معروف منذ عقود طويلة للجثث أو أجزاء منها- الطريف أن الجماجم والعظام البشرية عرفت طريقها إلى عالم تجارة ال second hand إذ غالباً ما يعرض الطلاب والطالبات"مقتنياتهم"للبيع بعد أن يفرغوا منها. وبعيداً عن أحكام"الصح"و"الخطأ"يبقى السوق الجامعي عامراً بالدروس والخبرات التي يمكن كبار المستثمرين ورجال الأعمل الاستفادة منها.