حلم يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي سابقاً الذي أعلنه في دلهي قبل سنوات حول ضرورة تشكيل جبهة موحدة تضم روسياوالصين والهند، بدأ يتبلور. أو ظهر ذلك أخيراً في وضوح، في تناول ملف البرنامج النووي الإيراني. فمن المؤكد ان موسكو وبكين تمكنتا، مع حصولهما على دعم ملموس من جانب دلهي ودول اخرى، من تعطيل اتخاذ قرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنقل ملف ايران الى مجلس الأمن، ومناقشة ما وصف بأنه جوانب سرية في البرنامج النووي كانت لتعرّض طهران على أضعف تقدير لعقوبات اقتصادية. وجوهر فكرة بريماكوف لا يقوم على تشكيل تحالف مباشر بين الدول الثلاث، بل على تنسيق مواقفها في شكل أقوى، ومنع الولاياتالمتحدة من فرض ارادتها على العالم. وفي اثناء السنوات الماضية جرت مناقشة هذه الفكرة على نطاق واسع، ولكن على مستوى الخبراء. وقلما تعرض لها وزراء الخارجية في اثناء اجتماعاتهم. وأما اليوم، حين فاحت رائحة الكيروسين، أي بعبارة اخرى عندما تطرقت المناقشة الى مصير صادرات ايران من النفط والغاز الى الصين والهند، ومستقبل التعاون الروسي - الايراني في مجالات الطاقة، شعرت الدول الثلاث بضرورة القيام بتحرك، وقررت أخيراً ان ترمي القفاز في وجه واشنطن و"الترويكا"الأوروبية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وعلى رغم انه لا تعاون مباشراً بين موسكو ودلهي وبكين داخل الوكالة الدولية، إلا انه لا يمكن تجاهل دلالات قيام طهران باللجوء، تحديداً، الى هذه الدول، والطلب اليها رسمياً تقديم العون. وعلى رغم ان المساعدة جاءت بعد تردد طويل، فالمهم انها في النهاية جاءت. وقال وزراء خارجية روسياوالصين والهند، بوضوح، ان نقل الملف الايراني الى مجلس الأمن معناه حشر طهران وإحراجها، وجر المسألة الى التأزم. وأعلنت الدول الثلاث، كل واحدة على حدة، معارضتها مثل هذه الخطوة، وقناعتها بأن إيران لم تخالف تعهداتها الدولية في إطار اتفاقية حظر الانتشار، وان تأزيم الموقف يعني اجبار الايرانيين على اتخاذ خطوات متطرفة. طبعاً، هذا الموقف الواضح، وهو حرم"الترويكا"، بدعم ملحوظ من دول أخرى، الحصول على غالبية لإمرار مشروعها داخل الوكالة الدولية، ما دعاها الى التراجع، وتقديم مشروع قرار أخف لهجة غاب عنه التلويح بمجلس الأمن. وانتهت"حرب المواقف"التي دارت خلف الكواليس بانتصار إيران و"حلفائها". ولكن من المهم الانتباه الى ان ما حصلت عليه طهران ليس انتصاراً حقيقياً، بل فسحة من الوقت، لأن مشروع القرار الجديد فيه، مثل سابقه، اتهامات لإيران بمخالفات نووية. والسؤال هو هل تبدو روسياوالصين والهند مستعدة للمضي أبعد من ذلك؟ وهل تواصل الجبهة غير المعلنة الدفاع عن طهران، وحمايتها من الضغوط الغربية المتصاعدة؟ الواقع يقول ان ليست الولاياتالمتحدة وحدها تعارض تحول إيران الى قوة نووية. فهذا هو موقف موسكو وبكين، ناهيك عن انه ليس من مصلحة أحد القيام بتخريب العلاقات نهائياً مع حلفاء استراتيجيين ارضاء لأحلام طهران النووية. فثمة ما يتوجب على الايرانيين استخلاصه. عن فلاديمير سكوسيريف، نيزافيسيمايا غازيتا الروسية، 23/9/2005