ضوء على روسيا ترجمة انكليزية جديدة لپ"الحرب والسلم"تصدر عن دار بنغوين، بريطانيا، هي الأولى منذ خمسين عاماً. رغب ليو تولستوي أولاً في كتابة الرواية عن"الكانونيين"، ضباط الجيش الليبراليين الذين تمردوا وحاولوا فرض دستور على القيصر في كان الأول ديسمبر 1825. في النسخة الأصلية من"الحرب والسلم"يعود بطل"كانوني"بعد ثلاثين عاماً من المنفى السيبيري ليشهد ارهاصات التغيير التي قام بها القيصر الكسندر الثاني بين 1855 و1881. فرض هذا لجنة المحلفين في المحاكم، وأعطى الروس حق انتخاب حكوماتهم المحلية فضيّق المسافة بين بلاده والدول الارهابية العصرية. رأى تولستوي الشبه بين روسيا في ستينات القرن التاسع عشر وتلك التي قاومت نابوليون فأدرك أن جذور التغيير تعود الى 1812، عام الهجوم الفرنسي على بلاده. هجس تولستوي منذ أواسط القرن التاسع عشر بكتابة رواية تاريخية تناقض رواية المؤرخين. لم يقصد كتابة رواية كلاسيكية، واتت"الحرب والسلم"لتتحدى التركيب المدروس للرواية الأوروبية في زمنه. افتقرت الى البداية والوسط والنهاية، واعتمدت بناء معقداً في الربط بين تحرير روسيا من نابوليون وتحرر الطبقة الارستقراطية فيها من سيادة الثقافة الفرنسية. شكا فشل المؤرخين في اضاءة حياة المجتمع الداخلية بأفكاره وعلاقاته، ولجأ الى الرواية التي تستطيع وحدها أن تكشف حقيقة الحياة والوضع البشري. عندما يتجول بيير بيزوخوف في ساحة المعركة يتوقع مشهداً مرتباً كذلك الذي يراه في اللوحات. لكن"كل ما رآه بيير الى يمينه ويساره كان سلبياً الى درجة لم يطابق معها جزءاً واحداً معها من توقعاته. لم تكن هناك ساحة المعركة التي صورها خياله ... ولم يستطع حتى أن يميز جنودنا من العدو". شغف تولستوي بحقيقة التاريخ قبل أن يختار الرواية مهنة، لكنه خاب لغياب غنى الحياة الحقيقية عند المؤرخين. انتقى هؤلاء عاملاً واحداً، سياسياً أو اقتصادياً، لبناء نظرياتهم واغفلوا العناصر المتنوعة اللامتناهية التي تسببت بحدث ما. كان ضابطاً في حرب القرم 1854 - 1856 وخبر فوضى المعارك التي لا يستطيع أحد خلالها أن يضبطها أو يفهم ما يجري فيها. يعزو التاريخ نتائج المعارك الى القواد دائماً لكن تأثيرهم في الواقع أقل من أثر الأفعال العشوائية للجنود. مع ذلك لا يتقيد تولستوي في تحفته الطويلة 1400 صفحة بالحقيقة التاريخية. الرواية التي تبدأ بحديث بالفرنسية في صالون ارستقراطي في سان بيترسبرغ تنتهي بارستقراطيين يتناولون حساء الملفوف ويرتدون الزي الوطني ويمتهنون الزراعة. على ان نهوض"الوعي الروسي"لم يحدث في عام واحد بل استغرق بضعة عقود في القرن التاسع عشر. عندما صدرت الرواية في 1865 كان المثقفون الروس يحددون هوية بلادهم الوطنية. حرر العبيد قبل أربعة أعوام فتساوى الفلاح مع غيره واستلهم الجميع"العمق الريفي الذي يحكمه الصمت الأبدي"وفق الشاعر نكراسوف. ليل الكتابة في آخر الستينات ترك فيكرام سف كالكوتا الى المدرسة الداخلية في انكلترا ثم اكسفورد. في العطل قصد شمال لندن حيث قدم له والد عمه غرفة في منزله وحياة عائلة وقصة."حياتان"الصادرة عن ليتل براون تستعيد طبيب الأسنان الهندي الذي فقد ذراعاً في الحرب العالمية الثانية وزوجته اليهودية الألمانية التي فقدت والدتها وشقيقتها. بدأ الكتاب فعل مواساة. بعد وفاة هيني جلس فيكرام مع الأرمل الحزين وسأله عن حياته. عندما قصد شانتي سث برلين في 1931 ليدرس طب الأسنان نفرت هيني منه."لا تقبلي الرجل الأسود"قالت لأمها. لكن هذه أجرته غرفة في منزلها وباتت هيني سريعاً صديقة قريبة ثم زوجة بعد عشرين عاماً. كانت أسرة كارو يهودية لكن معظم أصدقائها كان مسيحياً، وهي وجدت هويتها في الجنسية لا الدين. عندما استلم هتلر الحكم في 1933 قررت هيني ادارة شركة التأمين التي عملت فيها، وتركها خطيبها نصف اليهودي ليتزوج مسيحية. انتقل شانتي الى انكلترا حيث خضع لامتحانات طب الأسنان ثانية لكي يستطيع العمل. تبعته هيني لكنه ما لبث أن تطوع في الجيش وفقد ذراعه في معركة مونتي كاسينو في ايطاليا. فتح عيادة في انكلترا على رغم اعاقته وطلب يد هيني. لم تعرف هيني ان والدتها وشقيقتها قتلتا في المحرقة الا بعد ثلاثة أعوام. تجاهلت الأمر تماماً مع زوجها فتحول غضبها الصامت توتراً فيه عندما زارا اسرائيل ووقفا أمام نصب ضحايا المحرقة. ضربت وجهه فجأة هزة عصبية ثم أصيب بنفور شبه هستيري من اللغة الألمانية التي تشاجر بها مع زوجته. الرسائل التي تبادلتها هيني مع من تبقى من الأصدقاء في بلادها تكشف الحياة الجديدة في برلين الممزقة الجائعة الباردة الشكاكة. هل يعمل زوج تلك المرأة في الاستخبارات؟ لماذا تمضي شهور قبل أن تعيد هذه الجارة الطحين الذي استعارته؟ هل تستطيع هيني ارسال جوارب نايلون مستعملة؟ لم يرزق شانتي وهيني أولاداً فكان الكاتب البديل. عندما سئل عن الشخص الذي يعجب به سمى شانتي مع ان والدته كانت أول امرأة هندية رئست مجلس القضاة، ووالده رجل أعمال مرموقاً. سث الذي يميل الى الجنسين لم ينجب أيضاً، وعندما كتب"حياتان"أدرك أنه لن يعرف أبداً الألفة التي صورها فيه. تنقل بغفلة البريء بين أنواع أدبية عدة خلافاً لمبادئ النشر العصرية. بعد أدب الرحلات في"من بحيرة السماء"كتب الرواية الشعرية"البوابة الذهبية"ونص الأوبرا"اوريون والدولفين"والسيرة العائلية الملحمية"فتى ملائم"ورواية المثقفين"موسيقى متساوية". لغته بسيطة مضبوطة تنساب بهدوء وهو ينتقل بين نهار الحياة وليلها. حنين الى المعسكر لم يكتب ايمري كيرتش عن"اقامته"في معسكرات الاعتقال الا في أواسط خمسيناته عندما بدأ ينسى. كانت"اللامصير"في 1975 أولى ثلاثية ساهمت في منحه جائزة نوبل في 2002. مدحت اللجنة تصميمه على تذكر اوشفيز وادراكه دلالاته التي لا تزال تؤثر في مجتمعنا اليوم."اللامصير"ترجمت الى الانكليزية وصدرت عن دار هارفل برس، بريطانيا، وصعقت قراءها بلهجتها الرسمية الباردة المنحازة الى الدعاية النازية. بطلها غيوري يهودي في الرابعة عشرة يجبر على ترك المدرسة في بودابست ليساهم في تغطية النقص في اليد العاملة في 1944. كان على الحافلة في طريقه الى العمل عندما صودر ليذهب الى معسكر اوشفيتز، المانيا. غيوري يجد النجمة الصفراء التي أجبر اليهود على وضعها على ملابسهم جذابة، ويتوقع أن يجد في اوشفيتز"نظاماً، عملاً، انطباعات جديدة، شيئاً من التسلية وطريقة عيش أكثر عقلانية". يعجب هناك من تحول"المجرمين"الذين"لم توح وجوههم الثقة: آذان كالابريق، أنوف بارزة، أعين غائرة صغيرة لامعة فيها بريق ماكر. تماماً مثل اليهود من كل النواحي". الضباط الألمان في المقابل بدوا انيقين مرتبين"مرساة الصلابة والهدوء الوحيدة وسط الفوضى". يشمئز من سائر المساجين ولا يتعاطف مع مواطنيه المجريين أو اليهود. يقرر غيوري ان يقبل بكل ما يحدث أو يقبله من دون قرار لأنه لا يعرف خياراً آخر. عندما تموت عجوز من العطش في القطار الى اوشفيتز يقول ان موتها"مفهوم اذا أخذنا كل شيء في الاعتبار". واذ يحس المعتقلون في القطار بأنهم يحترقون من الحر والازدحام يقول انه"مدرك تماماً ان الأمر ليس مزحة في مجمله". ربما كان الفتى يحاول النجاة وسط أحداث لا يفهم معناها تماماً، ويتكيف بالانفصال عن الآخرين وعن نفسه أيضاً. في معسكر بوشنوالد يخفي موت رفيقه في الزنزانة لكي يستطيع الحصول على حصته من الطعام. لا يشعر بالذنب ازاء مشاعره وأفعاله، ويزيل القمل من جروحه المفتوحة بتجرد كما لو كان جسده لشخص آخر. الكاتب اليهودي بريمو ليفي قال ان الناجين في اوشفيتز كانوا الأسوأ في حين مات الأفضل كلهم. عندما عاد غيوري الى بودابست بعد هزيمة الألمان شعر بالحنين الى المعسكرين لأن"الحياة هناك كانت أبسط وأوضح". يبحث عن معنى ويحاول ربط مصيره بشيء أو مكان. غياب المعقول يخيفه واذا كان هناك شيء اسمه الحرية فلا مصير هناك اذاً"."اللامصير"قوبل بالصمت فكتب"فشل ذريع"عن ردة الفعل عليها ثم اتبعها بپ"صلاة لطفل لم يولد بعد"وكوفئ بالجائزة الأدبية الكبرى.