تكاد تجف أقلام النقاد نقداً، وتنتهي كلمات الشعراء سخرية، وتختفي عبارات الكتاب استياء... لما يقدَّم اليوم، وفق ما يرونه، من فن ضعيف لو ظهر في أيام عمالقة ايام زمان لاعتزل هؤلاء الفن وتبرأوا من عالمه...."راحت أيامك يا أم كلثوم"،"الله يرحم ترابك يا عبدالوهاب"،"ذهب العندليب وذهبت الأصوات"،"أين أنت يا وردة"،"لو تعود أيام فيروز"... هذا اكثر ما تسمعه اليوم إن قررت متابعة مقابلة لشاعر، أو قراءة مقالة لناقد، أو سماع تعليق لأديب.. يُسأل عن فنون اليوم وعمالقته، ومن بين اكثر ما يثير حشرية القارئ أو المشاهد أو المستمع هو ذلك الانتقاد اللاذع الذي يوجه هؤلاء لثقافة الفنانين ونشاطاتهم العلمية كالمطالعة وحضور الندوات وغيرها... قد يكون النقاد في موضع طرح تلك المسائل، خصوصاً أن الثقافة تلعب دوراً أساسياً في تعزيز الفنون، وتطوير شخصية الفنان وما يقدمه. ولكن ماذا لو عُكس الأمر؟ وسأل المنتقدَين عن رأيهم في المنتقدِين؟ لا سيما حول أعمالهم؟ ومن هو المثقف بنظرهم؟ وهل من دور للكتاب في حياتهم الفنية؟ بين الغرور والغطرسة التحقيق للأسف أخذ منحى مختلفاً حينما بدأ التنفيذ. وفي وقت كان من المقرر أن يكشف دور الثقافة في حياة الفنان، عمل التحقيق على"فضح"عيوب أساسية يعاني منها هؤلاء، ألا وهي الغرور والعجرفة والغطرسة. فالمحاولات الفاشلة، وعمليات الاتصال المستعصية وتفضيل بعض الفنانين عدم الإجابة، نظراً الى كون الموضوع لا يقدم أي خدمة ترويجية لصاحبه، كانت خير دليل على المستوى الفني الذي وصلت اليه أغنية اليوم. خطوط هواتف الفنانين مقفلة في معظم الأوقات، وقد يكون الحظ حليفك فيرنّ الهاتف من دون إجابة أو يردّ عليك أحدهم ليعتذر،"فالفنان مشغول أو متعب أو مسافر"... بعد أن جمعت أرقام الفنانين الأوسع شهرة في العالم العربي إذا صح التعبير، بدأت مرحلة الاتصال بهم. ففي اليوم الأول، كانت معظم الخطوط مقفلة، فالجميع كان في حاجة لراحة نفسية بعيداً من رنين الهاتف وكلمات المتصل. هاتف الفنان عمرو دياب ضاق ذرعاً وهو يرنّ وتمنى لو ترفع سماعته ولو لحظة ليرتاح، فقد أبى صاحبه الإجابة على رغم تكرار الاتصال يومياً تقريباً. وعلى خط موازٍ، ما زال وعد مدير أعمال الفنان حكيم قائماً بمعاودة الاتصال ومشاركة الفنان حكيم! أما رامي عياش وفي كل مرة كان هاتفه يطلب تسجيل رسالة صوتية كونه غير موجود، وكانت الرسالة تسجل. ألا يعقل ألا يكون قد سمعها على الأقل ثلاث مرات ولم يهتم بالموضوع. الأطرف في الموضوع هي حال نجم"ستار أكاديمي -2"السعودي هشام عبدالرحمن الذي اعتاد الجمهور على خفة دمه وقدرته على زرع الابتسامة اكثر ما اعتاد على صوته وأدائه، طلب إرسال أسئلة الموضوع عبر SMS واجداً في الأمر وثيقة تضمن صحة ما سيقول. وفي تحديد موعد مع الفنانة نانسي عجرم، طلب مدير أعمالها جيجي لامارا معاودة الاتصال به بعد ساعة من الوقت لضرورة العمل، بعد أن استفسر جيداً عن الموضوع وعرف طبيعة السؤال. وهكذا حدث إلا أن جيجي أبى الإجابة وأقفل الخط وهو يرنّ... وحددت الفنانة شيرين وجدي موعداً بعد أسبوع من تاريخ الاتصال بها عبر مدير أعمالها، وبعد أسبوع أُقفل الخط وهو يرنّ. وحتى لا يظهر الأمر تكراراً للحالات ويصبح مملاً على رغم تشابهها على ارض الواقع، يمكن تخيل الأمر مع كل من الفنان ايهاب توفيق ومحمد المازم وعبدالله رويشد ووائل كفوري وغيرهم. مطالعة أي شيء في النهاية، أجابت الفنانة باسكال مشعلاني وأدلت برأيها، فاعتبرت"أن المثقف هو الذي يرى ابعد من الإنسان الطبيعي، لديه سعة خيال ورؤية فنية كبيرة". وأضافت:"انه أيضاً ذاك الذي يهوى مطالعة أي شيء". وتابعت رأيها بأنها"ضد القول أن ليس هناك من شعراء وكتّاب قيمين أو انه لم يعد هناك من شباب مثقفين، بل العكس هناك دفعة كبيرة محبة للعلم والثقافة..."من ناحية أخرى، لا يزال الكتاب افضل رفيق لباسكال، فهو"غذاء لروحها تلجأ إليه عندما تطلب الراحة"، على رغم اعتبارها"انه فقد رونقه ولم يعد له قراء بسبب الإنترنت والفضائيات". وتقول مشعلاني إنها لم تقرأ للكتّاب اللبنانيين، إنما قرأت لجبران خليل جبران وطه حسين وإحسان عبد القدوس ومخائيل نعيمة! ولكاتبة جزائرية أهدتها مجموعتها الأدبية إلا أن اسمها غاب عن ذاكرتها أثناء الإجابة. ولا يقل دور طلاب"ستار أكاديمي"كثيراً عن الفنانين الذين سبقوهم في تحديد فن عصر اليوم. فهؤلاء نجوم أيضاً وربما منافسون. وعلى ما يبدو أن مسيرتهم الفنية المبتدئة نوعاً ما، لم تسمح لهم بالتعرف جيداً على المبادئ المهنية والفنية لفناني اليوم. فالتونسية أماني السويسي، خريجة"ستار أكاديمي -2"لم تتردد في المشاركة، واجدة في المثقف"ذلك الذي يملك مبدأ في الحياة، وليس بالضرورة أن يكون مطالعاً أو متعلماً". أما عن رأيها في الكتّاب والشعراء، فاعتبرت أماني أن"ميول الوقت الحالي متجه نحو الكلمة التي لا معنى لها. إنما هذا لا يعني أن الفن الحقيقي القيم انقرض، فمن يبحث عنه يجده". وتحب أماني القراءة كثيراً وتصب اهتماماتها على الروايات القديمة اكثر من الجديدة"كونها تتحدث عن حياة لم نعشها ولا نعرفها"... ولكثرة ما قرأت وجدت صعوبة في تحديد اسم معين لإحدى رواياتها المفضلة. أما زميلتها السورية ميريم عطالله خريجة"ستار أكاديمي 1"، والمتواجدة في بلدها سورية. فرأت في المثقف"الشخص الذي يستفيد من دروس الحياة اكثر من دروس الكتب، وهو ليس فقط من يقرأ ويطالع. لأن كثراً هم من يقرأون من دون إفادة". وكأن بإجابتها ترد ميريم على النقاد الذين يعتبرون فناني اليوم غير مثقفين ولا يهتمون إلا بپ"الفقش والرقص". وأكثر ما يجذب ميريم في كتابات الشاعر نزار قباني، هو قدرته كرجل يدخل أعماق امرأة ويعيش في أفكارها وأحاسيسها. كما أن رواية"ذاكرة الجسد"لأحلام مستغانمي لقيت أثراً عميقاً في نفسها. وفي ما يتعلق بشعراء الأغنية وكتّابها الحاليين تقول ميريم:"إن الكلمة البسيطة لم تكن في يومها بشعة، فمن اجمل من الصبوحة حين غنّت"عالبساطة البساطة"، فالكلام بسيط والمعنى والجمال عميق". وبالنسبة الى الفنانة اليسا فقد كان الأمر مختلفاً كونها كالعادة،"لا تشارك في أي نوع من التحقيقات". في المحصلة، قد لا يبدو الأمر مهماً بالنسبة الى الفنانين، أو انه ليس من حقنا معرفة رأيهم، فهم يتعاطون شأناً ترفيهياً مختلف الطابع والمضمون.