في وقت استمرت فيه محاولات المهاجرين اقتحام السياجات المحيطة بمدينتي سبتة ومليلية، رحّلت السلطات الاسبانية أمس 73 مهاجراً يتحدّرون من أصول افريقية، غالبيتهم من مالي، الى المغرب في إطار معاودة تفعيل اتفاق أبرم بين البلدين عام 1992 ولم يدخل حيّز التنفيذ وقتذاك بسبب خلافات سياسية ارتبطت برفض المغرب استقبال المهاجرين الذين لا يثبت انهم عبروا الى اسبانيا من أراضيه. لكن نتيجة الضغوط التي يمارسها المهاجرون من بلدان افريقيا جنوب الصحراء، من خلال استمرار محاولاتهم اقتحام السياجات الأمنية حول سبتة ومليلية المحتلتين، توصلت مدريدوالرباط الى اتفاق على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الى المغرب. وقال مسؤول مغربي ان عمليات الترحيل ستساعد في تبديد آمال المهاجرين المحتملين في الاقامة في اسبانيا في حال نجحوا في عبور السياجات حول سبتة ومليلية. وانطلقت الدفعة الأولى من المهاجرين المرحّلين من مركز ايواء في مالقة الاسبانية ثم الى الجزيرة الخضراء في جنوباسبانيا وانتهت في طنجة شمال المغرب. واعلن خوسي بلاثون رئيس منظمة"بروديين"غير الحكومية ومقرها في مليلية لوكالة"فرانس برس"ان هؤلاء المهاجرين الافارقة كانوا في مليلية منذ اسبوعين وان"مجموعة أخرى تتكون من سبعين مهاجراً من جنوب الصحراء نقلوا قبل اسبوعين من مليلية الى مالقة ويتوجهون حالياً الى الجزيرة الخضراء في انتظار ابعادهم الى طنجة". واعلن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان أمس في برن أ ف ب ان مسألة الهجرة السرية، لا سيما اثر الاحداث المأسوية في مدينتي سبتة ومليلية، تعتبر"مشكلة خطيرة جداً وموضوعاً ساخناً جداً". وشدد أنان في مؤتمر صحافي حول هذه الأزمة على ان"مئتي مليون شخص"في العالم يتواجدون حالياً"خارج بلادهم"بعد ان هاجروا الى بلدان اخرى. واضاف"ان هذا العدد يشكل ضعفي ما كان عليه قبل ثلاثين سنة وهو في ارتفاع متزايد". وبدأت السلطات الاسبانية، في غضون ذلك، بزيادة ارتفاع السياجات المحيطة بالمدينتين المحتلتين ليصل الى تسعة أمتار لمنع المهاجرين من اقتحامها بالسلالم الخشبية التي يبنونها من أغصان الأشجار. كذلك بدأت السلطات المغربية في اقامة حواجز ترابية على امتدادات السياجات الأمنية الممتدة كيلومترات عدة وحفر خنادق عميقة للحؤول دون وصول أفواج المهاجرين المندفعين الى السياجات الحديد. في غضون ذلك، نقلت السلطات المغربية الى براد للموتى جثث ضحايا افارقة قُتلوا أول من أمس خلال منع قوات الأمن محاولة اقتحام السياجات المحيطة بمليلية قام بها ما لا يقلّ عن ألف مهاجر. وقال مسؤول مغربي ان ستة قتلوا و30 أصيبوا خلال عملية اقتحام السياج، وان بعض القتلى سقط برصاص الأمن المغربي والبقية نتيجة التدافع بين المهاجرين. وأكد ان قوات الأمن كانت في وضع"الدفاع عن النفس"، وان كثيرين من المهاجرين مدرّبون في قوات عسكرية افريقية. لكنه قال أيضاً ان كثيرين منهم يحملون شهادات جامعية ولديهم خبرات تقنية. وأفشلت قوات الأمن فجر أمس محاولة جديدة لاقتحام سياج مليلية قام بها بضع عشرات من المهاجرين اعتُقل منهم أكثر من 30 على بُعد خطوات من السياج الأمني. وشوهدت طائرات مغربية تحلّق فوق أجواء المنطقة ليلاً وتسلّط الأضواء الكاشفة على المناطق المجاورة لمليلية والتي هي عبارة عن غابات وجبال ومسالك وعرة. في غضون ذلك، طلب الوزير المغربي المنتدب في وزارة الخارجية السيد الطيب الفاسي الفهري من الجزائر الانخراط في التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية. وأعرب عن أمله في ان تتحمّل السلطات الجزائرية المسؤولية في محاربة الهجرة غير الشرعية"من خلال مراقبة الداخلين والخارجين من أراضيها، كما يفعل المغرب". وفي مدريد ا ف ب، اعلنت نائبة رئيس الحكومة الاسبانية ماريا تيريسا فرناندس دي لافيغا أمس الجمعة ان وزير الخارجية الاسباني ميغل انخيل موراتينوس سيزور المغرب الاثنين"للبحث في قضايا التعاون". وصرحت دي لا فيغا في مؤتمر صحافي عقد بعد انتهاء مجلس الوزراء في مدريد:"يتوجه وزير الخارجية الاثنين المقبل الى المغرب ليبحث في مواضيع تعاون عدة نحن في صدد تنفيذها". وقالت"ان الديبلوماسيين الاسبان كانوا يوم امس الخميس على اتصال كامل مع زملائهم المغاربة وابلغنا المغرب انه فتح تحقيقاً قضائياً"في مقتل ستة مهاجرين افارقة الخميس وبعضهم برصاص اطلقته الشرطة المغربية خلال محاولة تسلّل جماعية عبر الحدود الاسبانية المغربية في مليلية. وأضافت دي لا فيغا:"نأمل في ان يتمكن المغرب حينئذ من تقديم نتائج هذا التحقيق"، في اشارة الى زيارة موراتينوس الاثنين الى الرباط. واوضحت ان الزيارة"تهدف الى المضي قدماً نحو اتفاق تعاون جديد يرمي الى تعزيز اجراءات منع محاولات المهاجرين والتحقيق والمكافحة المشتركة ضد مافيات"الهجرة السرية و"الزيادة من الاجراءات الانسانية في مصلحة المهاجرين". الى ذلك، أفادت منظمة"اطباء بلا حدود"الاهلية أمس انها حدّدت موقع"اكثر من 500 مهاجر"افريقي"تركتهم السلطات المغربية يواجهون مصيرهم في صحراء جنوب المغرب"بعد ان طردوا من جيبي سبتة ومليلية الاسبانيين في شمال المغرب. وجاء في بيان للمنظمة ان فريقاً تابعاً لها حدّد مساء الخميس موقع"مجموعة تضمّ اكثر من خمسمئة مهاجر من افريقيا ما وراء الصحراء تركوا يواجهون مصيرهم في منطقة صحراوية في جنوب المغرب". وتابعت المنظمة:"بحسب شهادات المهاجرين، لقد نقلتهم الشرطة المغربية بحافلات وشاحنات الى هذه المنطقة الواقعة على مسافة 600 كلم الى الجنوب من مدينة وجدة ... بعد ان طردهم الحرس المدني الاسباني في سبتة ومليلية". واشارت ايضاً الى انها عالجت اكثر من خمسين شخصاً بينهم ونقلت ستة الى المستشفى في بوعرفة. وافادت ان نساء واطفالاً كانوا في عداد هذه المجموعة ايضاً.