نائب أمير الشرقية يفتتح ملتقى التحول الرقمي لتبادل الخبرات وتشجيع الابتكار    حملة إبادة إسرائيلية توقع 35 قتيلاً شمال غزة    الدراسات تظهر تحسّن أكثر من 60٪؜ من مدارس التعليم العام    أمير الشرقية يرعى توقيع مذكرة تفاهم بين فرع وزارة والموارد البشرية وجمعية إيلاف    34 فناناً سعودياً يستعرضون إبداعاتهم في «مختارات عربية»    بيع 3 صقور في الليلة الخامسة لمزاد نادي الصقور السعودي 2024    اعتماد عالمي جديد لمستشفى دله النخيل يدعم مكانة المملكة كوجهة للسياحة العلاجية    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على العين    التواصل الحضاري يستعرض الحدود الرقمية الجديدة للمعلومات    أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    مبادرة "إشراقة مجتمع" الصحية تجمع القصيم الصحي وأمانة القصيم    ملك الأردن يصل الرياض وفي استقباله ولي العهد    وزير الصناعة والثروة المعدنية: نستهدف توطين صناعة ما يقارب من 200 دواء نوعي بالمملكة    المديرية العامة للجوازات تشارك في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى الصحة العالمي 2024    الدفاع المدني يشارك في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى الصحة العالمي 2024    البدء بأعمال الصيانة لطريق الظهران -بقيق بطول 16 كلم الخميس المقبل    الجدعان يشارك في أسبوع الاقتصاد الكلي لمعهد بيترسون    راتبه 48 مليوناً.. «مورينيو» يتناول يومياً بيتزا والآيس كريم    مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية توقع اتفاقية في الطب الرياضي    بمجمع إرادة بالرياض.. 10 أوراق علمية تناقش الصحة النفسية في بيئة العمل الأحد المقبل    مغادرة الطائرة الإغاثية العاشرة للإغاثة الشعب اللبناني    انطلاق أعمال الحوار الحضاري لخطة التعاون 10+10 بين الجامعات الصينية والعربية في شانغهاي    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    أستراليا توقّع اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة بقيمة 7 مليارات دولار أسترالي    إصابة طفل فلسطيني خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي جنوب نابلس    الأرصاد: الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    أمين التعاون الخليجي»: تصريحات خرازي تدخل سافر في شؤون الدول    أمير القصيم يدشّن مشروع "وقف الوالدين" الخيري في البدائع    كيف تثبت الجريمة قانونيا بمقطع فيديو؟    وزير الدفاع يبحث مع نظيره البريطاني المستجدات    نيوم يتغلّب على الصفا بثلاثية ويعزز صدارته لدوري يلو    النصر يصطدم باستقلال طهران    السجل العقاري يتيح الاطلاع على صكوك الملكية في «توكلنا»    الذهب لذروة جديدة.. الأوقية فوق 2,729 دولاراً    سعود بن نايف يستقبل الشدي المتنازل عن قاتل ابنه    رئيس أرامكو يدعو لوضع خطة محدثة لتحوّل الطاقة تراعي احتياجات الدول    هيئة الأفلام: ملتقى النقد السينمائي في الأحساء    شُخصت به في أوج عطائها.. مديرة مدرسة تتحدى المرض وتحصد جائزة «التميز»    الصيف والشتاء.. في سماء أكتوبر    المحكمة الإدارية توقف إجراءات إزالة عقار في «حرازات جدة»    سعود ينتظر الظهور الثالث مع روما في «الدوري الأوروبي»    5 مخاطر مؤكدة للمشروبات الغازية    فاشية الديمقراطية!    اغتنام الفرص في زمن الكساد الاقتصادي    مُلّاك الإبل والمهتمون: مزاد نجران للإبل يُعزز الموروث الثقافي    لكل زمن هيافته    بأمر خادم الحرمين الشريفين.. ترقية وتعيين (50) قاضياً بديوان المظالم    سمو وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان المستجدات والتنسيق المشترك    31 مليار دولار إيرادات القطاع الزراعي    المملكة تدين قصف منازل شمال قطاع غزة    المؤرخون العرب ونصرة الجغرافيا العربية    كن ممتناً    لو علمتم ما ينتظركم يا أصحاب البثوث    ختام مسابقة القرآن والسنة في إثيوبيا    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد قاعدة الملك فهد الجوية المعين حديثًا    الأمير سعود بن مشعل يطّلع على وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    الرقابي يرفع شكره للقيادة لإقامة مسابقة حفظ القرآن في موريتانيا    الخيانة بئست البطانة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيم فندرز يفشل في استعادة مجده القديم في فيلم كان يحمل آمالاً كبيرة . "لا تأت قارعاً بابي" وهم الانعتاق وقيود التأمين
نشر في الحياة يوم 08 - 07 - 2005

كان واضحاً انه يريد من فيلمه الجديد ان يكون"خبطة"العودة الى اضواء السينما الطليعية، بعد غياب عن هذه الأضواء، إنما ليس عن السينما نفسها، دام اكثر من عقدين من السنين. ففيم فندرز الذي كان، خلال سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، احد ابرز وجوه السينما الجديدة في العالم، ووصل الى نيل جوائز عن بعض ابرز افلامه لتلك المرحلة، صار بالتدريج مخرجاً لا يثير اهتماماً حقيقياً بعد ذلك. وراح كثر يسألون عما اذا كان صاحب"باريس/ تكساس"سعفة"كان"الذهبية 1984 و"أجنحة الرغبة"جائزة الإخراج في"كان"ايضاً، 1987 قد انتهى ونفد ما لديه من ابداع سينمائي. صحيح انه عرض افلاماً عدة، في"كان"وغيره منذ ذلك الحين، وفاز ببعض الجوائز "بعيداً... قريباً"- جائزة لجنة التحكيم الكبرى في"كان"1993،"حكاية لشبونة"- 1995 -، و"نهاية العنف"- 1997، لكنه لم يتمكن من العودة ابداً الى مستواه القديم، إلا نسبياً وفي فيلم تسجيلي، لا روائي، هو"بوينا فيستا"عن الموسيقى الكوبية. من هنا، كان على فيلم فندرز ان يعود ليثبت مكانته قبل ان يُنسى تماماً، او قبل ان يحوّل الى"المتحف". وكان من المشروع له ان يعتقد ان فيلمه الجديد"لا تأتي قارعاً بابي"سيؤمن له ما يريد. فهذا الفيلم كانت احتشدت له كل العناصر الكفيلة بإنجاحه: تصوير في فساحة اميركا ومدنها الغامضة، سيناريو كتب مع سام شيبرد، احد اعمدة الأدب والفن الطليعيين في اميركا، والذي كان كتب معه"باريس/ تكساس"، ثم خاصة موضوع من ذهب، يدخل في صلب الأساطير التي دائماً ما كونت هوجس فندرز اميركا وبراريها، السينما، الشيخوخة، الابن، العلاقات المستعادة، واللقاءات العابرة وكل هذا على خلفية"سينما الطريق"التي كان فندرز احد روادها منذ اول فيلم اطلقه عالمياً"على مر الزمن"1976.
ومع هذا كله عجز"لا تأت قارعاً بابي"عن اعادة فندرز الى الواجهة من الباب العريض. عجز عن ان يعيد له تألق"باريس/ تكساس"، مع انه - أي الفيلم - يمت الى هذا الأخير بالعديد من الصلات. هناك اذاً، شيء غامض حول الفيلم الجديد، جعل استقباله فاتراً، وأبعده حتى عن ترجيحات الجوائز حين عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان"كان". هل هو الإحساس بأن كل ما في الفيلم قد شوهد من قبل؟ هل هو الضجر العام من نظرة فندرز الى اميركا وهي نظرة تُتهم بالسطحية؟ هل هي الحبكة التي لفرط ما هي واقعية - أي بديهية - بدت مفبركة؟ ام هو تاريخ فندرز الذي بات يقف عقبة في وجه حاضره ومستقبله؟ ربما يكون الجواب واحداً من هذا كله, او كله مجتمعاً. المهم في الأمر ان فندرز عاد من"كان"خائب المسعى. والسؤال الآن: هل سيكون حظ"لا تأت قارعاً بابي"مع المتفرجين في الصالات التجارية، افضل من حظه مع نقاد"كان"وجمهوره؟
لا احد يدري منذ الآن. ومع هذا لا بد من القول ان في"لا تأت قارعاً بابي"لحظات كثيرة رائعة، كما ان صورته - التي تبلغ في بعض المشاهد روعة لوحات ادوارد هوبر، في احالة لم تأت صدفة على اي حال - اتت جديدة في احيان كثيرة. كما ان الفيلم انطلق في بدايته انطلاقة متميزة اعطت المتفرجين انطباعاً بأنهم يشاهدون عملاً استثنائياً... ولقد تعزز هذا الانطباع عند منتصف الفيلم ليختفي بعد ذلك تماماً، حين اكتشف بطل الفيلم ان له، بدل الولد الواحد، ولدين صبي وبنت، وحين في النهاية وبعد سلسلة مشاهد مملة وغير مقنعة، وجد نفسه يعود صاغراً الى ما كان هرب منه اول الأمر. ولنوضح: ان ما يهرب منه هوارد سبنس سام شيبرد منذ المشاهد الأولى للفيلم هو واقعه كممثل افلام رعاة بقر في براري الغرب الأميركي... فالأفلام ثانوية الأهمية، وأدواره متشابهة بحيث احس ذات لحظة، وقد أغرقه سأمه في ادمان المخدرات والمشروب والنساء ان عليه ان يوقف هذا كله. فيفعل ويهرب، مبدلاً ثيابه وأساليب ركوبه على الطريق وسط مشاهد قلما صورتها كاميرا سينمائية على ذلك الشكل الرائع من قبل. اما وجهته فهي امه التي لم يرها منذ ثلاثين عاماً، في نوع من العودة الى الرحم ومحو كل تلك السنوات. لكن الأم لا تبدو مستعدة لاحتضان طفلها وقد اربى على الستين، خصوصاً انه من دون ان يعرف، أب الآن لفتى في العشرين انجبته له زوجة سابقة كان هجرها منذ ذلك الحين. وإذ تخبر الأم ابنها العجوز بهذه الحقيقة، يتحول صاحبنا من البحث عن ماضيه كملجأ، الى البحث عن ابنه كذريعة لمواصلة الحياة. ويلتقي الابن بالفعل، في وقت كانت ثمة فتاة تحمل اناء فيه رماد امها وتتجول، باحثة عنه هي الأخرى، لأن امها اخبرتها انه ابوها المبتعد منذ زمن.
اذاً، منذ تلك اللحظة يفقد"لا تأت قارعاً بابي"سياقه، حتى وإن كانت موسيقاه وصوره وحتى اداء الممثلين فيه، بقيت كلها في تميزها وتذكيرنا بلغة فندرز السينمائية. ما يهوي هنا هو السيناريو، هو تتابع الأحداث الذي يقترب من حدود الكليشيه: الكليشيه العام، بمعنى ان كل شيء من الآن وصاعداً، يبدو متوقعاً: رفض الابن الاعتراف بأبيه مع شيء من الاحتقار"اللقاءات الفاشلة بين سبنس وزوجته السابقة جيسيكا لانج حين يحاول استعادة العلاقة معها، سطحية شخصية الفتاة صديقة الابن"ردود الفعل التي يبديها سبنس نفسه ازاء كل ما يحدث له"وصولاً الى الجزء من الفيلم المتعلق بمطاردة عميل شركة التأمين للبطل، لكي يعيده بالقوة لاستكمال الفيلم"والكليشيه الخاص المشهد التهريجي الذي يهاجم فيه لصوص سبنس ويشتبكون معه، وهو مشهد يذكر الى حد بعيد بمشهد الاشتباك بين المخرج والمنتج في فيلم - رائع - سابق لفيم فاندرز هو"حال الأمور".
في النهاية، اذاً، لا يكون امام هوارد سبنس إلا ان ينصاع لقدره، ويعود مكبلاً في رفقة عميل شركة التأمين تيم روث، في اسوأ ظهور له على الشاشة منذ سنوات بعيدة، لكي يواصل تمثيل الفيلم. والحال ان البعد الإخراجي المسطح لهذا القسم كله، حال بينه وبين ان يحمل أي دلالاة حقيقية، كان يمكن له ان يحملها مفسراً، مثلاً جزءاً من علاقة النجم أي نجم بالفيلم، او حتى جزءاً من علاقة فيم فندرز نفسه بالسينما في شكل عام.
هنا، قد يدهش المرء حقاً، ما يقوله فيم فندرز من انه اشتغل على سيناريو الفيلم، مع سام شيبرد نفسه طوال عامين كاملين، كانا يكتبان فيهما معاً وفي شكل يومي، مضيفاً انه كان يحلم بالعودة الى العمل مع شيبرد منذ تعاونا في كتابة"باريس/ تكساس"قبل عشرين عاماً، لكنه كان دائماً يؤجل املاً في عودة كبرى! طبعاً، القسم الأول من الفيلم يبرر ويفسر مثل هذا القول، وبخاصة الافتتاحية التي تحيلنا مباشرة، وربما ايضاً بشكل اجمل، الى افتتاحية"باريس/ تكساس"حيث لدينا شخص يطلع من اللامكان، ليجد نفسه في لب احداث الفيلم المرتبطة مباشرة بماضيه، وبعجزه عن استعادة ذلك الماضي بعد كل الانقطاع. غير ان ما كان جديداً قبل عشرين سنة، يكاد يبدو عادياً اليوم.
فندرز: من مدينة الأشباح الى وديان جون فورد
كالعادة، يلعب المكان في"لا تأت قارعاً بابي"دوراً أساسياً... ففيم فندرز، الذي بدأ حياته السينمائية قطباً من أقطاب التجديد السينمائي في ألمانيا السبعينات الى جانب فاسبندر وهرتزوغ... كاد ينفرد بتلك المكانة التي يضفيها على الجغرافيا، خصوصاً انه كان من رواد ما يسمى بپ"سينما الطريق". ولقد تعزز وجود المكان لديه، بخاصة في أفلامه الأميركية "الصديق الأميركي"،"هاميت"و"باريس تكساس". ومن هنا لم يكن غريباً أن يبدو فيلمه الجديد وكأنه بني كله من حول المكان... المكان الذي يبدو هنا كالحلم.
تحدث فندرز عن هذا الأمر قائلاً:"لقد صورت هذا الفيلم في مدن بوت، ايلكو ومواب. وكنت أعرف بوت منذ العام 1978، قبل سنوات من بدء اشتغالنا شيبرد وأنا على كتابة السيناريو. وباكراً اقترحت ان نجعل من هذه المدينة مكاناً للتصوير... إذ كنت أرغب دائماً في أن أحكي قصة تدور في المدينة وكنت قرأت في مقابلة قديمة أن دانيال هاميت الكاتب البوليسي الذي حقق فندرز فيلماً عن حياته، انه استوحى هذه المدينة لوصف مدينة بويزونفيل الاسطورية في أول رواياته"الحصاد الأحمر". وهكذا توجهت بالسيارة يومها لزيارة بوت وصعقت: أبداً في حياتي لم أكن رأيت مكاناً مثل هذا يمتلئ بأبنية بنية شاهقة، ولكن لا يسكنها أحد... بدت كمدينة أشباح مهجورة. وعلمت ان المدينة كان لها ماض غني جداً. وهكذا كبرت مكانة المدينة في خاطري. أما سام شيبرد فاقترح أيضاً مدينة الكو، كمكان للقاء البطل بأمه. وكنت أعرف الكو أيضاً. وهكذا أقمت في داخلي مباراة بين المدينتين كان الفوز فيها لألكو وذلك لسبب بسيط: ثمة روح رعاة بقر حقيقية تهيمن عليها. أما البراري والسهوب فكانت في ماونتن فالي، التي أعرف انها المكان الذي صور فيه جون فورد أضخم مشاهد أفلام رعاة البقر...".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.