في العام 1997، شارك فندرز في مهرجان "كان" كما كان اعتاد ان يفعل منذ بداياته السينمائية تقريباً. كان فيلمه المشارك في ذلك العام يحمل عنواناً واضحاً - ومتفائلاً -هو "نهاية العنف" وكان يشارك في المسابقة الرسمية من دون ان يفوز بأية جائزة في نهاية الأمر. واليوم فقط يروي فندرز انه بعد التقديم الرسمي للفيلم حدث له وللطاقم العامل معه، ان هوجموا من مسلحين ملثمين سرقوا ما يحملون ومارسوا عليهم عنفاً. يومها ترك الملثمون ضحاياهم وفي عيونهم نظرات تحمل سؤالاً واضحاً: هل حقاً تعتقدون ان العنف انتهى؟ يروي فندرز هذه الحكاية اليوم ويضحك مؤكداً ان غيابه عن "كان" منذ ذلك الحين لم يكن، طبعاً، بسبب تلك الحادثة... بل لأنه بات مقلاً بعض الشيء. المهم ان فيم فندرز ضرب رقماً قياسياً في عدد مشاركاته في "كان". فهو، منذ العام 1976 حين عرض "على مر الزمن"، فنال عنه جائزة النقد العالمي وانطلقت بفضله شهرته في العالم اجمع، وحتى اليوم اذ يشارك بفيلمه الجديد "لا تأت طارقاً الباب" مشاركاً مجدداً في المسابقة الرسمية، شارك في المهرجان 12 مرة، وغالباً في هذه المسابقة نفسها. وهو فاز مرات عدة، منها مرة ب"السعفة الذهبية" عن فيلمه "باريس/ تكساس" 1984 ومرات بجوائز اقل شأناً بعض الشيء جائزة النقاد الكبرى ل"بعيداً... قريباً" - 1993، "جائزة الإخراج" ل"عاصفة توت برلين" - 1997. كما ان فندرز ترأس لجنة التحكيم في العام 1989. وانطلاقاً من هذا كله، يعتبر فندرز من مخضرمي "كان" الكبار ومن ابناء هذا المهرجان الذي لم يتوقف منذ عقود عن اطلاق كبار محدّثي الفن السينمائي. حتى كتابة هذه السطور لم يعرض فيلم فيم فندرز المشارك في المسابقة الرسمية بعد. ولكن يقال منذ الآن، انه فيلم يستعيد فندرز فيه انفاسه القديمة، وبخاصة اسلوب وأجواء "باريس/ تكساس" الذي يعتبر عادة واحداً من اجمل افلامه وفيلماً مجدداً في فن السينما ككل. بخاصة انه هنا يستعيد علاقة مع الممثل والكاتب الأميركي سام شيبرد، الذي شاركه العمل في "باريس/ تكساس". في الفيلم الجديد، الذي يبدو لنا قابلاً لأن يضمّ الى افلام "عودة الماضي" - لا "العودة الى الماضي"... للتوضيح - التي تحدثنا عنها في هذه الصفحة. ذلك ان الموضوع يدور حول ممثل، في اميركا اليوم، يقرر فجأة التخلي عن تصوير بقية مشاهد فيلمه الجديد. ويتوجه الى بلدته الصغيرة مسقط رأسه، لكي يعيش الى جانب امه... قبل ان يعرف ان له ابناً في مكان ما. بحسب الذين عرفوا شيئاً عن هذا الفيلم فإن "لا تأت قارعاً الباب" - وهو عنوان مقتبس من اغنية "كاونتري" الشهيرة - يعيد فيم فندرز بعد غياب الى اجواء اميركا وبراريها، الى السينما، الى مفهوم العائلة، وإلى عوالم مرور الزمن. وهذه كلها امور اشتغلت عليها سينما فيم فندرز. اما هو فإنه يقول عن مشاركته في "كان"... إن هذا المهرجان قد رافق كل مسيرته السينمائية، مضيفاً: "حين اتيت الى هنا للمرة الأولى، كنت لا ازال مخرجاً شاباً مجهولاً". اما ما تغير بالنسبة إليه، بين زمن بداياته والزمن الذي يعيش فيه فهو، في رأيه "ظهور الثورة الرقمية، فهذه الثورة هي الآن في طريقها الى اعادة تحديد وموضعة نظرتنا وممارستنا السينمائية بالنسبة الى الإنتاج والتوزيع، ولكن ايضاً بالنسبة الى تصورنا نفسه لفن السينما".