يقف محمود عند تقاطع اشارة المرور في شارع فلسطين في بغداد وينصب دولاباً خشبياً يملأه بقطع الثلج الذي تجلبه له سيارة تابعة لأحد معامل صنع الثلج التي انتشرت وتزايدت اعدادها في بغداد والمحافظات، منذ الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق بعد غزوه الكويت عام 1990 والذي كان من ابرز ما نجم عنه تذبذب الطاقة الكهربائية. ويتخذ محمود الطالب في المرحلة الاعدادية من بيع قطع الثلج مهنة في فصل الصيف، حيث تغلق المدارس أبوابها. وتدر عليه هذه المهنة الموسمية ربحاً لا بأس به قياساً إلى انعدام نفقاتها التي لا تتجاوز دولاباً قديماً وكرسياً يجلس عليه ولافتة كتب عليها"يوجد لدينا ثلج"على أرض مجانية من دون أن يطالبه أحد ببدل ايجار أو الرحيل. ومثل محمود، يستغل كثيرون من الشباب حرارة الصيف اللاهب في العراق لبيع قطع الثلج المصنعة في معامل محلية، حالهم كحال عائلات بغدادية كثيرة تعمد إلى شراء الثلج لاستخدامه في تبريد طعامها وشرابها من دون أن تشرب مائه لانعدام الثقة في صلاحيته للاستهلاك البشري في ظل غياب عين الرقيب. ولا يقتصر شراء قطع الثلج على الأهالي بل يشتريه أصحاب المحال التجارية التي تبيع اللحوم المجلدة والألبان والعصائر. وغالباً ما يعمد هؤلاء إلى استخدام حوض كبير يضعون فيه البضائع إلى جانب قطع الثلج لتبريدها. لدى مرور المرء في شارع الغدير في بغداد، يرى شاباً نحيلاً يرتدي ملابس مبللة ويحمل قالبين أحدهما على كتفه الأيسر والثاني يضمه بيده اليمنى. ولا تقتصر المهنة على الذكور، فأم ريم التي وجدت نفسها بلا معيل بعد الحرب الأخيرة، بعدما قتلت إحدى العصابات زوجها وسلبته سيارة الأجرة، تعمل في مهنتين: الأولى في حياكة الملابس الصوفية وبيعها في الموسم الشتوي، والثانية في بيع الثلج في فصل الصيف. تؤكد أم ريم التي افترشت قطعة أرض في منطقة بغداد الجديدة وإلى جانبها ابنها الذي يبيع المشروبات الغازية"زبائني من العراقيين والجنود الأميركيين الذين تقودهم نسمات الهواء الجاف التي تلفح وجوههم لشراء قطعة ثلج تبرد مياههم".