مع ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف ودخول شهر رمضان المبارك، يعاني مسنون يقطنون في «هجرة القنعة» يسار طريق الهجرة بالقرب من قرية العشيرة التي تبعد 70 كم جنوبالمدينةالمنورة. حيث لا يعرفون الكهرباء ولم تمر على أجسادهم النسمات الباردة التي تبثها أجهزة التكييف، حتى إنهم ابتكروا تقنيتهم الخاصة لمجابهة قسوة القيظ وحرارة الصيف التي تصل في هذه الهجرة الصحراوية إلى 50 درجة مئوية، وفي أحسن الأحوال إن قلت لا تنزل تحت 45 درجة، ولكي يتقي هؤلاء المسنون شيئا من هذه الحرارة فإنهم يبللون الشراشف بالماء ومن ثم يضعونها على باطن أرجلهم والساقين لعلها تخفف من وقع الحرارة على أجسادهم ولو قليلا. حميد حميدان الحسيني من سكان القنعة، يقول: نحن في هذه الهجرة نواجه الحرارة المرتفعة ولفحات السموم لوجوهنا، بتبليل الشراشف بالماء والتلحف بها في نهار رمضان، حيث نرش «الشراشف» ومن ثم نضعها على أجسادنا أثناء القيظ الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وخصوصا في رمضان لأنه ليس هناك مكيفات تقينا حرارة الصيف ولا زمهرير الشتاء؛ وذلك لانعدام الكهرباء، مما جعل سكان الهجرة يستغنون عن الثلاجات التي ينعم بها كل بيت به كهرباء، والتي هي عصب الحياة اليوم، مضيفا: نواجه حرارة الماء بوضعه في أوان خاصة ونحاول وضعها في الظل حتى موعد أذان المغرب، وعندها تكون قريبة من البرودة، ونتاول الماء مع الإفطار، وهو شبه حار في هذه الأيام الشديدة الحرارة، موضحا أنهم في هذه الهجرة محرومون من الكهرباء على الرغم من تقديم معاملات لهم منذ 4 سنوات، ولكن شركة الكهرباء بمنطقة المدينةالمنورة حسب الحسيني تعدهم كل شهر بإيصال التيار لهجرتهم ولكن لم يتم شيء حتى الآن. وعن قضاء رمضان بدون كهرباء، يتحدث الحسيني بحسرة: حالنا يا بني بدون كهرباء يرثى له، فالأطفال والنساء لا يتحملون الحرارة الشديدة ونحاول قدر المستطاع أن نوفر فوانيس تضاء في فترات محددة من الليل، وفي رمضان، وأثناء صلاة والفجر، وينام بعضنا تحت ظلال الأشجار اتقاء للحرارة التي تعاني منها المنطقة، مضيفا: هذا كله رغم أن هجرة القنعة تقع بالقرب من قرية العشيرة التي تنعم بكافة الخدمات التي يأملها كل مواطن في هذه البلاد، ويأمل الحسيني أن يتم النظر في وضعهم سريعا وقبل انقضاء هذا الشهر الفضيل. العين الزرقاء وتحت عشة مصنوعة من الخشب والقش، يعيش أبو سمار مشعل الحربي (78 سنة)، من سكان هجرة القنعة، ويقول: أحاول أن أواجه الحرارة الشديدة بأن ألتحف شرشفا مبلولا، وأحيانا أضعه على أسفل قدمي وبعد فترة من جفافه من الهواء الحار أضعه على بعض من جسمي، لعل وعسى أن يخفف من وهج الصيف الذي نعانيه في شهر رمضان المبارك، مضيفا: نحن كبار وربما نحتمل الحرارة ونتقيها بشيء بسيط، ولكن هناك نساء طاعنات في السن لا يستطعن مقاومة الحرارة التي تمر بها الهجرة هذه الأيام، وكذلك الأطفال الرضع، فالوضع مزر في الهجرة من ناحية المياه الصالحة للشرب على الرغم من أننا قريبون جدا من خزانات العين الزرقاء بالمدينةالمنورة، ولكننا نرى الماء بعيدا ولا نستطيع الوصول إليه لقلة وسائل النقل لدينا، ونتكبد المصاعب من أجل الحصول على الماء البارد في شهر رمضان المبارك، ونأتي ببعضه من الآبار التي تبعد مسافة عنا ليست بالقصيرة، ولكننا نصل إليها بشق الأنفس، ونحن بحاجة ماسة إلى وضع خزان مياه كبير في القرية كي يستعين به السكان على قضاء حوائجهم وخصوصا النساء والأطفال. التكييف بالغترة وأثناء جولتنا صادفنا العم حمدان الحربي وهو يرش غترته كي يضعها على رأسه ليتقي الحرارة التي يواجهها مع سموم القيظ اللاهب، وتحدثنا معه، يقول العم حمدان: أقوم في شهر رمضان المبارك برش غترتي ومن ثم وضعها على رأسي لعلها تبرد شيئا من الحرارة التي نواجهها هذه الأيام والتي جاءت متصادفة مع صوم شهر رمضان، لكننا نحاول تجنب هذه الحرارة بعدة طرق لكنها بدائية للغاية؛ لعدم توفر الكهرباء بالهجرة، ومن تلك الطرق تبليل الشراشف ووضعها على أجسادنا والبعض منا يضع الشرشف المبلول على جسد طفله الصغير الذي لا يحتمل الحرارة الشديدة، خصوصا هذه الأيام، مضيفا: نعاني من ضيق ذات اليد التي لا تمكننا من شراء مواتير الكهرباء الباهظة الثمن، حيث يزيد سعر الموتور الواحد على 20 ألف ريال، وهذه المولدات بحاجة إلى وقود أيضا وأهل الهجرة ليس لديهم إمكانية توفير قيمة الماتور والوقود كي يتقوا الحرارة ولفح السموم. وأوضح حمدان أن لديهم ماشية يقومون بتربيتها والبيع منها في أوقات الأعياد، ولكنهم ومع قدوم الحرارة انشغلوا عن الماشية وإطعامها؛ لأن وقت الإطعام أصبح متعبا لهم ومع تقدمهم في السن الذي جاوز ال70 سنة، وهم الآن يقومون ببيعها سريعا والاستفادة من ثمنها. أم مسفر ومن جهته، يؤكد زراق المهدوي أن المسنين في هذه الهجرة يعانون في شهر رمضان، وخاصة عندما يأتي في فصل الصيف، والحرارة الشديدة لا يخففها إلا الشراشف المبللة وظلال الأشجار التي نستظل تحتها وصب الماء شبه الحار على غترنا، ومن ثم لفها على الرأس والتي سرعان ما تجف لتعرضها للهواء الحار الذي يهب من الساعة التاسعة وحتى قبيل الافطار، مضيفا: كما يعاني كبار السن والنساء من ندرة الماء في الهجرة وما يحصلون عليه من ماء قليل لا يكفي ليوم واحد للأسرة الصغيرة فما بالك بالكبيرة، علما أن الآبار التي تقع بالقرب من القرية نضبت جميعها، وأصبح لزاما على رب الأسرة الذهاب للبحث عن قطرة ماء بعيدا، وهو ما لا يستطيعه كثير من السكان لقلة ذات اليد لديهم. أما «أم مسفر العوفي» مسنة لمحناها وهي تتستر بغطاء قد بلل بالماء، ووضعت الغطاء على كامل جسمها، تجنبا للحرارة والقيظ الشديد، اتجهنا نحوها وهي تهم بالدخول إلى حظيرة أغنامها لتقدم لها العلف، تحدثت لنا، وقالت: أحرص على إطعام أغنامي في رمضان قبيل اشتداد الحرارة علينا في هذه الهجرة، التي لا يوجد بها كهرباء، من خلال ما أبيعه من الأقط والسمن وبعض الغنم، وأتكبد كثيرا من المصاعب في شهر رمضان المبارك من حيث إطعام الأغنام، وهي مصدر الرزق الوحيد لي، مضيفة أن أهل الخير كما تقول لا يقصرون في جلب الماء لي في رمضان لبعد المسافة وضعف نظري، مبينة أن أهل الخير يوفرون لها فطور رمضان وكسوة العيد، ولكنها في ذات الوقت بحاجة إلى أن تقوم هي بخدمة نفسها.