لا يختلف مصطلح"الديموقراطية المؤمنة"الذي تحدث به خاتمي عن مصطلح"الشوراقراطية"الذي صكه توفيق الشاوي في نهايات القرن الماضي، ويقصد به الجمع بين الشورى والديموقراطية، أو ما تحدث به البعض عن"الديموقراطية الاسلامية". إن ذلك يعود الى نقطتين جوهريتين: الاولى تتعلق بمفهوم الهوية او التأصيل بحسب المصطلح الدارج لدى الاسلاميين والمقصود منه البحث عن معنى مشابه تاريخياً لمصطلح حديث او معاصر. اما النقطة الاخرى فهي تحمل جانباً براغماتياً عبر تبيئة المفهوم وجعله قريباً من الناس من خلال ثقافتهم ولغتهم الخاصة من دون الاقرار بمدى الخلاف التاريخي والسياسي الكبير بين المفهومين. ان منطق المقاربة التاريخية بين الاسلام والديموقراطية يعود بشكل رئيسي الى منطق الثنائية المركب منها، اذ تفترض الثنائية عند تركيبها نوعاً من التناقض أو درجة ما من التوفيق يقتضيها الجمع بين متعارضين، وفض الثنائية وتفكيكها يغدو صعباً بعد تكونها كثنائيات الاسلام والحداثة والاسلام والغرب وغيرها، فهي فضلاً عن انها تحوي لبساً يغدو ظاهراً من طرفيها، فمثلاً هي تجمع بين طرفين ليسا متماثلين، فالاسلام دين إلهي والحداثة اشبه ما تكون بالزمن التاريخي الذي تكوّن غربياً، والغرب مجال جغرافي تحدد تاريخياً، فما الذي يجمع بين الدين والتاريخ أو بين الدين والجغرافيا، اقول فضلاً عن ذلك كله فالثنائية تحوي تركيباً ليس متجانساً بالضرورة ويصعب بعدها اعادة صياغة الثنائية وفق منطقها الطبيعي، اذ تكون عندها قد صكت وانجزت وبدأ الكلام يدور في اشكاليتها. ليست ثنائية الاسلام والديموقراطية ببعيدة عن ذلك كله. فالاسلام كدين بدأ تاريخياً منذ اربعة عشر قرناً من الزمان وانطلق من ارض جزيرة العرب، والديموقراطية نظام سياسي تعود اصوله الى اليونان البعيد وترسخت جذوره مع الغرب الحديث على ضوء صيرورته التاريخية الزمنية في القرنين التاسع عشر والعشرين، فما الذي يجمع بين طرفي الثنائية حتى يتم تشكيلها او تركيبها، لكن غالباً ما يكون القصد من وراء ذلك، هو السؤال المضمر في طياتها ويتعلق بمدى قدرة الاسلام كدين على الانسجام مع الديموقراطية كنظام سياسي. لا شك في ان نظرية الانسجام هذه قد نشأت مع بداية احتكاك الاسلام كرقعة جغرافية مع الغرب الحديث، فأعادت النخبة العربية والاسلامية التفكير في تراثها القديم وفق المنطق الحديث، عندها نشأت ما يسمى نظرية القدرة على الانسجام او التوافق، اذ هي مجملاً تدخل في خانة رد الفعل المطلوب احتواؤه والاجابة على سؤاله التاريخي الملح. واذا كان سؤال الاسلام والديموقراطية عربياً قد تأخر ظهوره بعض الشيء بحكم كون سؤال الديموقراطية نفسه كان مغيباً، فان الاجابة عنه تكفل بها الكثيرون ومن مختلف الاتجاهات، بدءاً بالمستشرقين والغربيين الذين داروا في فلك نفي الديموقراطية عن الاسلام ذلك انه دين تيوقراطي وليس زمنياً وهذا ما يتنافى قطعاً مع الديموقراطية التي لا تنمو إلا في مناخ علماني كما تحدث بذلك مكسيم رودنسون، ومروراً بالمثقفين العرب من ذوي الاتجاهات المتغايرة. فمنهم من عزف على الوتر السابق نفسه كصادق جلال العظم الذي يرى تحقق القطيعة الكاملة بين الاسلام والديموقراطية، وآخرين اسلموا الديموقراطية اذ هي شقيقة الشورى وتنبع الاثنتان من مشكلة واحدة، والقليل من حاول ان يقرأ السياق التاريخي والاجتماعي للديموقراطية ليرى تحققاتها الممكنة مع الاسلام واختراقاتها الممتنعة عنه، لكن اعتقد ان من فض هذه الاشكالية او ساعد على حلها عملياً وليس نظرياً هو الحركات الاسلامية او بعضها على الاقل وذلك عند التزامها بمبدأ الديموقراطية كأسلوب لا محيد عنه لتحقيق الاهداف السياسية القريبة والبعيدة. ولذلك فكما يرى جون اسبوزيتو أحد أهم دارسي هذه الحركات ان الحركات الاسلامية تتميز بكونها عناصر فاعلة تبادر الى الفعل بدلاً من ان تستجيب بردود افعالها الى مبادرات الآخرين، وهي تمثل ظهور بديل اجتماعي سياسي جدير بالثقة. كما انها تعكس الطموحات المزدوجة للكوادر الحائزة على التعليم الحديث في المجتمعات الاسلامية، فهي من جهة تطمح الى المشاركة في العملية السياسية، ونريد من جهة اخرى ان تتوضح السمة الاسلامية المميزة لمجتمعاتها. وبناءً على ذلك فهو يعتبر انه لا يكفي النظر الى الحركات الاسلامية ببساطة باعتبارها حركات رفصية او حركات معارضة ثورية، بل من المهم ايضاً ان نرى كيف تعمل كأجزاء من نظام متنافر داخلياً، وما هي النتائج التي تتبع وصولها الى السلطة. لكنني اجد ان الخلل الرئيسي في فهم الاسلاميين للديموقراطية انما يعود لتمثلهم اياها على اساس انها"حكم قيمة"وعدم الاخذ بجانبها الاجرائي الذي يكاد يكون يمثل عمق محتواها النظري والعملي، تحل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والصحية وانما تمثل الطريقة الافضل او الامثل لحل هذه المشاكل، وهنا يجب فهمها على اساس انها خبرة في ادارة الازمات اكثر منها كعقيدة سياسية تتبناها الدولة او يعتنقها افراد الحكم. ان هذا الفهم من شأنه ان يوفر جهداً وطاقة كبيرتين صرفتا من اجل التأصيل التاريخي او البحث عن المقابل الشرعي او استحضار مفهوم موازي له تجربة تاريخية مغايرة ومختلفة تماماً، وعندها يضيع هدف الديموقراطية القائم على توسيع حجم المشاركة الشعبية في صنع القرار وتحقيق الغاية من ذلك وهو تأمين افضل الطرق واسلمها من اجل التداول على السلطة. اذ يتحول النقاش الى ادلة تاريخية وشرعية وفقهية تحمل من التأويل اكثر مما تحمل من الحقيقة.