لم يتوجه امس الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة فؤاد السنيورة الى القصر الجمهوري للقاء رئيس الجمهورية اميل لحود حاملاً اليه تشكيلة وزارية من 24 وزيراً مطعمة من البرلمان وخارجه وفي نيته الاشتباك معه، أو الدخول في تجاذب، بمقدار ما حرص على الانفتاح عليه في محاولة اخيرة للتوصل الى مخرج يقود البلد من حال الفراغ السياسي الى مرحلة جديدة من التعايش. فالسنيورة - بحسب معلومات ل"الحياة"- يحاول مراعاة موقف لحود الى اقصى الحدود في التشكيلة الوزارية التي تتمثل فيها جميع الكتل البرلمانية باستثناء تكتل الاصلاح والتغيير برئاسة النائب العماد ميشال عون العازف عن الاشتراك فيها لأسباب غير مرئية من وجهة نظر الغالبية في البرلمان. وترجم السنيورة رغبته في التفاهم مع لحود بتوزير نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة الياس المر ووزير الاعلام شارل رزق، اضافة الى ابقائه الباب مفتوحاً امام اختيار وزير ثالث هو الآن طابوريان بديلاً من الوزير المقترح في التشكيلة النائب جان اوغسبيان. كما ان السنيورة، تحصّن امام لحود بموقف الثنائية الشيعية اي"حزب الله"وحركة"أمل"الداعم للاشتراك في الوزارة استناداً الى ان التفاهم معهما سيدفع رئيس الجمهورية الى التدقيق في الموقف الذي سيبلغه لاحقاً الى الرئيس المكلف. وشكلت الموافقة الشيعية على الدخول في الحكومة، مفاجأة للحود قد تضطره الى اعادة النظر في حساباته، خصوصاً انه كان صارح زواره وقبل ساعات من اجتماعه مع الرئيس المكلف بأنه سيرفض سلفاً أي تشكيلة وزارية تعترض عليها القوى الاساسية. وقصد لحود من كلامه - وكما نقل عنه الزوار - التيار الوطني الحر المتحالف مع ميشال المر وحزب الطاشناق والكتلة الشعبية في زحلة برئاسة ايلي سكاف وحركة"أمل"و"حزب الله". وعزا لحود سبب رفضه، انطلاقاً من المعلومات التي كانت في حوزته وتحديداً في شأن موقف"أمل"و"حزب الله"، الى انه لا يستطيع الموافقة على تشكيلة تفتقر الى غطاء سياسي وشعبي تمثله هذه القوى المعترضة على الاشتراك في الحكومة. وبرر رفضه المسبق لتشكيلة السنيورة، بموقف عون، مشيراً الى ان للاخير حضوراً شعبياً يفوق بكثير حجم تمثيله في البرلمان وان الانتخابات النيابية اثبتت ان 75 في المئة من الشارع المسيحي يتعاطف معه. وفهم الزوار من كلام لحود انه يتمتع بغطاء شعبي في حال رفضه التشكيلة طالما انه يعكس وجهة نظر الشارع المسيحي وتطلعاته من خلال تبنيه لموقف عون. أما وان لحود فوجئ بموقف الثنائية الشيعية، فإنه ستكون لجوابه على عرض السنيورة تداعيات اذا ما كرر رفضه للمرة الرابعة التشكيلة الوزارية، علماً ان الرئيس المكلف لم يوصد الباب كلياً في وجه المحاولات الهادفة الى اقناع عون بالعدول عن موقفه الرافض. لذلك، فإن رفض لحود يترتب على الاكثرية النيابية الساحقة المؤيدة للتركيبة التي اعدها السنيورة، العودة الى التشاور لاتخاذ الموقف المناسب على رغم ان مصادر في المعارضة لا تستبعد مبادرة السنيورة الى الاعتذار مفسحاً في المجال امام لحود لاجراء دورة جديدة من الاستشارات النيابية الملزمة التي قد تنتهي كما آلت اليه في السابق الى تسمية السنيورة مجدداً. كما ان المصادر ذاتها وإن كانت تجمع على اعادة تسمية السنيورة رئيساً للحكومة، فإنها لا تستبعد اطلاق آخر خرطوشة سياسية في معركة التأليف باحتمال تسمية رئيس كتلة"المستقبل"النائب سعد الحريري لتشكيل الوزارة بعد ان تكون نجحت من خلال تسمية السنيورة في المرة الاولى في جر لحود الى الكشف عن جميع اوراقه. لكن المصادر تعتقد ان من السابق لأوانه تسليط الاضواء على خيار الحريري من دون ان تسقط من حسابها اللجوء الى خطوة من هذا النوع بعد التشاور مع الغالبية النيابية و"حزب الله"و"أمل"نظراً الى انهم جميعاً يشكلون اكثر من مئة ونائبين من اصل 128. واعترفت المصادر بأن المعارضة تتريث في الانتقال من التهدئة مع لحود الى شن هجوم مضاد بذريعة انه يرفض الامتثال للاكثرية الساحقة في البرلمان، ما لم تفقد الامل في امكان التفاهم معه، لا سيما ان حقه في ممارسة صلاحياته الدستورية لا يجيز له تعطيل الحياة السياسية تحت عنوان عدم اشتراك عون في الحكومة، خصوصاً ان لا شيء يمنع الاخير من ان يكون على رأس المعارضة في المجلس وخارجه. واوضحت المصادر ان رفضها حكومة تكنوقراط لان مجرد الموافقة عليها ولو بالشكل يعني ان المعارضة قررت ان تلغي نفسها، وان تبطل المفاعيل السياسية الناجمة عن الانتخابات، لا سيما ان لحود شخصياً كان يكرر في السابق ان الانتخابات وحدها تقرر الأحجام السياسية. على صعيد آخر، نجحت الاتصالات التي أُجريت في اليومين الاخيرين في تسوية الاشكالات التي سيطرت لبعض الوقت على علاقة السنيورة بالثنائية الشيعية والتي برزت على هامش تقديم السنيورة تشكيلة وزارية من ثلاثين وزيراً من دون التفاهم مع الحركة والحزب، على رغم انها لقيت رفضاً من لحود. وفي هذا السياق عقد ليل اول من امس لقاء بين الحريري وبين النائب في"أمل"علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لپ"حزب الله"حسين الخليل وشارك فيه عضو اللقاء النيابي الديموقراطي غازي العريضي الذي لعب دوراً بتكليف من رئيس اللقاء وليد جنبلاط في التغلب على سوء التفاهم. وواكبت هذا الاجتماع اتصالات بين السنيورة وممثلي الحزب والحركة، وكان للحريري دور في اقرار الجميع بأن ما حصل بات من الماضي. وعلمت"الحياة"ان الحضور قوّم الوضع السائد في البلد، وتوقف ملياً امام شريط الاتصالات والمفاوضات التي جرت بين السنيورة والحريري من ناحية والعماد عون من ناحية ثانية. كما توافق على وحدة الموقف من القرار 1559، اضافة الى وضع تصور يصار من خلاله الى مقاربة ملف العلاقات اللبنانية ? السورية في ضوء استمرار الازمة الحدودية بين البلدين. وقالت المصادر ان الحديث عن العلاقات بين لبنان وسورية اتسم بالايجابية وان لدى السنيورة فور نيل حكومته الثقة، رغبة في التوجه الى دمشق على رأس وفد وزاري من اجل فتح حوار يتناول المشكلات العالقة بين البلدين ويمهد الطريق امام تصحيح العلاقة على قاعدة عدم تكرار التجربة الماضية وضرورة التخلص من الشوائب التي اصابتها، لا سيما ان الجميع يعترف بالاخطاء والتجاوزات التي كانت وراء تدهور هذه العلاقات.