من يعرف نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام وتابع إرثه السياسي، يتوقع ان يقدم على"مفاجأة"من نوع تلك التي اتخذها بتقديم استقالته من جميع المناصب السياسية والحزبية في بداية الجلسة المغلقة الاولى للمؤتمرالقطري لحزب"البعث"الحاكم لمناقشة التقرير السياسي الذي أعد مسودته وزير الخارجية فاروق الشرع. سربت في الأيام الاخيرة انباء عن نية خدام تقديم استقالته في اليوم الاول لمؤتمر حزب"البعث"العاشر. وكانت مصادر مقربة منه قالت ل"الحياة"ان خدام ينوي"القاء خطاب شديد اللهجة في شأن التقرير السياسي". كما أن مصادر أخرى أوضحت ان الجلسة الاولى لمناقشة التقرير السياسي قبل اسابيع شهدت نقاشاً حاداً بينه وبين الشرع، الى حين اعتماد المسودة والبناء عليها. الناطقة باسم مؤتمر"البعث"الدكتورة بثينة شعبان نفت ظهر أول من أمس، نية خدام تقديم الاستقالة، لكن سرعان ما تغير ذلك في الجلسة المسائية، اذ قال قبل تقديم مداخلته انه يريد اعفاءه من كل المواقع، قبل ان يتحدث لمدة ساعة وربع ساعة. وقالت شعبان أمس ان"الرفيق خدام تحدث لأكثر من ساعة"وانه عندما قيل له لماذا تحدث كل هذه المدة بينما لم يسمح للباقين بالتحدث أكثر من خمس دقائق، أشار الى انه"عضو قيادي"، قبل ان توضح الناطقة باسم المؤتمر ان"القيادة القطرية بحكم المحلولة"منذ بداية المؤتمر، على ان تتضح تشكيلة الاعضاء الآخرين في ختام المؤتمر. ويحمل خدام 73 سنة ثلاثة مناصب: عضوية القيادة القطرية ل"البعث"منذ تسلم"صديقه"حافظ الاسد الرئاسة في"الحركة التصحيحية"العام 1970، وعضوية القيادة القومية للحزب منذاك، ونيابة رئيس الجمهورية منذ العام 1984. وبالتالي، فان اعلان نيته التقاعد لا يتجاوز"البعد الرمزي"، لانه فقد عضويته في القيادة القطرية بمجرد بدء المؤتمر، مثله مثل باقي الاعضاء ال21. كما ان استقالته من القيادة القومية ليست من صلاحيات المؤتمر القطري، بل المؤتمر القومي المقرر عقده قريباً. اما بالنسبة الى منصبه كنائب للرئيس فهو بيد رئيس الجمهورية. وعرف عن خدام حنكته السياسية في تعامله مع"الملف اللبناني"، حين أصبح"مبعوثاً خاصاً"للاسد في بيروت العام 1975، أي قبل دخول القوات السورية الى لبنان في العام 1976، حيث بنى علاقات تفصيلية مع كل القوى والمسؤولين اللبنانيين، واستطاع بناء"علاقة صداقة حميمة"مع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. وقال خدام ل"الحياة"يوم اغتيال الحريري انه شعر ب"فقدان الصديق والرجل والوطني"، وان الحريري"سيبقى صديقي الى حين مماتي". وقال الخبير سامي مبيض ل"الحياة"ان"ملف لبنان بقي مع خدام الى العام 1998 عندما انتقل الى الدكتور الاسد". وبحكم قربه من الرئيس الراحل، كان خدام أشرف على ملفات أساسية بينها العلاقات مع الفلسطينيين، خصوصاً الرئيس الراحل ياسر عرفات او الموضوع العراقي ضد"العدو اللدود"صدام حسين، سواء عندما كان وزيراً للخارجية بين عامي 1970 و1984، او نائباً للرئيس من العام 1984 حتى الآن، وتجسد ذلك بفتح علاقات واسعة مع قادة المعارضة العراقية، بينهم زعيم"الاتحاد الوطني الكردستاني"جلال طالباني وزعيم"الحزب الديموقراطي الكردستاني"مسعود بارزاني. ولدى رحيل الاسد، تسلم خدام الرئاسة التنفيذية لمدة 37 يوماً باعتباره النائب للاول لرئيس الجمهورية. ووقع وقتذاك مراسيم أساسية تتعلق بتعيين بشار الاسد قائداً عاماً للجيش وترقيته الى رتبة فريق، وتعديل الدستور السوري بموجب تغيير تشريعي لخفض سن الرئيس من 40 الى 36 سنة. وبعد انتخاب الدكتور بشار رئيساً، احتفظ الاسد بخدام نائباً له، لكن الرئيس الشاب سعى الى"مأسسة"العلاقة مع لبنان ما أدى الى تراجع دور خدام في هذا الملف، مع استمراره في القيام بدور فعال في العلاقات مع المعارضة العراقية الجديدة وقادة المعارضة السابقة التي تسلمت الحكم في بغداد. وكان خدام، وهو من مواليد بانياس العام 1932، درس الحقوق في جامعة دمشق في بداية الخمسينات حيث انضم الى حزب"البعث"الذي أسسه ميشال عفلق وصلاح الدين بيطار، قبل ان يتعرف على الضابط الطيار حافظ الاسد، ليمارس المحاماة في اللاذقية ويتسلم أمانة شعبة الحزب في بانياس على الساحل السوري. وعندما تسلم"البعث"الحكم العام 1963، أصبح خدام محافظاً لحماة في وسط البلاد، وهي المدينة الاشكالية في التاريخ السوري التي ستشهد بعد سنة مساعي من"الاخوان المسلمين"لتهديد نظام الرئيس امين الحافظ. وبحسب مبيض، فان خدام حاول حل المشكلة بالطرق"الديبلوماسية"، لكن عندما أمر الاسد بشن غارات على حماة، اضطر الى استخدام الطائرة للخروج، ليعين محافظاً للقنيطرة بعد ذلك. في العام 1968، عين الرئيس نور الدين الاتاسي المحامي خدام محافظاً لريف دمشق، لفترة قصيرة، ثم اصبح وزيراً للاقتصاد في ايار مايو 1968. وعندما جاء الاسد الى الحكم عينه نائباً لرئيس الوزراء عبدالرحمن خليفاوي ووزيراً للخارجية. وكان خدام سعى الى معارضة"اتفاق فك الاشتباك"بين سورية واسرائيل العام 1974 بعد حرب تشرين الاول اكتوبر. كما عارض اتفاق الرئيس المصري انور السادات مع اسرائيل، في مقابل لعب دور مهم في تحسين العلاقات مع ايران بعد"الثورة الاسلامية"العام 1979.