كان الأجدر بسمير قصير، الذي سبق الكثير من ابناء جيله في تبوء مهنة الكتابة على صفحات كبرى الصحف الفرنسية إن لم تكن أكبرها، الLe Monde الذائعة الصيت، ألا يعود الى لبنان ليسبق الجميع هنا ايضاً الى الشهادة، ويموت غدراً في بلد لم يعد يكتفي بأن يقول المرء فيه كلمته ويمشي. فالاغتيال ينتظره في آخر الطريق قبل ان تلد الكلمة وتفعل فعلها في الناس. كان الصراع الذي خاضه سمير قصير، منذ ان وطأت قدماه أرض وطنٍ أرّخ ليوميات حربه في كتاب، يهدف الى تثبيت حق الكلام ضد قانون الصمت والكبت، وتأكيد الجهر بالحقيقة في وجه الغدر الجبان والأصمّ، والمطالبة العنيدة بالتغيير مقابل الاصرار المتعنّت بامتيازات أمن خاص. وفي هذا الصراع، لم يكن سمير قصير متهوراً، كما اعتقد البعض، يرسل كلامه ذات اليمين وذات اليسار من دون حساب، بل كان جريئاً حتى الشهادة، حتى الاغتيال. على كل حال لم يكن وضع الحكماء والعاقلين من شعبنا افضل من وضعه، اذ لم يكونوا هؤلاء، الذين يزينون كلامهم ومواقفهم بدقة، بمنأى عن نهاية مماثلة راحوا ضحيتها. ولكن أسوأ ما في اغتيال سمير قصير انه يطول الفئة المثقفة من الشعب، فئة الذين يكدحون بأعصابهم وشرايينهم لاستخراج الفكرة وتجسيدها في شكل كلمة. يذكّرنا هذا الاغتيال باغتيالات اخرى راح ضحيتها مثقفون احرار امثال مهدي عامل وحسين مروة، وصحافيون كبار امثال سليم اللوزي ورياض طه وغيرهما. ولا غرابة في ان يلتحم في سمير قصير نموذجان من الأحرار: المثقفون والصحافيون. صباح يوم الخميس استفاق سمير قصير وكله حيوية وانفعال لكتابة مقالته الاسبوعية. كان بالتأكيد يجوجل الافكار والمفردات لكي تأتي المقالة صائبة مثل كل مرة، مثل كل يوم جمعة. الا ان العبوة سبقت هذه المرة القلم - او الحاسوب ? فتطايرت الكلمات ذات اليمين وذات اليسار في أزقة بيروت وحيطان أبنيتها. أما نحن، فسنبقى دائماً في انتظار ما كان سيقوله سمير قصير يوم الجمعة في 3 حزيران يونيو2005 !