يوم 3 أيار (مايو) جرى إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة في الدول الأوروبية الديموقراطية، فكانت هناك تظاهرات أمام السفارة الإيرانية في باريس تطالب بالإفراج عن الصحافيين المعتقلين في السجون الإيرانية. ويوم غد يحيي لبنان ذكرى شهدائه. فشهداء الصحافة في لبنان كثر ولن ننساهم. ففي 16 أيار (مايو) 1966 نالت يد الغدر من مؤسس جريدة «الحياة» كامل مروة وسقط ضحية كتاباته وآرائه. وبعده طالت يد الغدر أيضاً صحافيين كباراً مثل سليم اللوزي ورياض طه، وأخيراً زملاءنا الأعزاء سمير قصير وجبران غسان تويني وكادت تنال من الزميلة مي شدياق بعد أن شوّهت جسدها. فالأسلوب الجبان والقاتل لإسكات القلم الحر أو الرأي الصريح هو من اساليب الأنظمة القمعية التي تتخوف من الرأي الآخر ومن حقيقة يكشفها الصحافي الشجاع لشعوب هذه الأنظمة. فالقتل والسجن هما الرادع الأفضل للرأي الآخر. ان مقاومة الصحافة الحرة وقتلها وإسكاتها تحصل في مناطق عدة من الشرق الأوسط الى روسيا الى أميركا اللاتينية، وطالما هناك أنظمة قمعية سيستمر هذا النوع من التصفيات والأساليب لإسكات الحقائق، ولكن اليوم ومع تطوّر أدوات الصحافة في العالم وانتقال الخبر بواسطة الانترنت أو الأقمار الاطصناعية وقنوات التلفزيون المختلفة يصعب على أدوات القمع أن تحد من كشف الحقائق وإسكات الرأي الآخر مهما حاولت. اليوم لن ننسى الأصدقاء الأعزاء والزملاء مثل سمير قصير وجبران تويني اللذين سقطا كسائر الصحافيين الشهداء الكبار وفي طليعتهم كامل مروة، فكشف من يقف وراء يد الغدر مفيد جداً لحماية حرية الكلمة والقلم. فالمحكمة الدولية الخاصة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري هي أيضاً بحسب تقارير جميع القضاة الدوليين الذين تعاقبوا على هذا الملف مرتبطة ببقية الجرائم التي تلت اغتياله الوحشي. فسمير وجبران سقطا ضحية ثورة الأرز غداة اغتيال الحريري. ومن يقول اليوم إن المحكمة الدولية تهدد استقرار لبنان ينبغي أن يتحمل مسؤولية استمرار أسلوب القتل لإسكات الرأي الحر وإخفاء الحقائق. فالشعوب بحاجة الى معرفة الحقيقة ومسؤولية الصحافي أن يعرف ماذا يقول وماذا يكشف. وحرية الصحافة أيضاً لا تعني أن يتجاوز الصحافي حدود احترام القوانين الأخلاقية مثلما حدث في تغطية كارثة طائرة الخطوط الإثيوبية في لبنان عندما كان بعض الصحف اللبنانية يتحدث ويصف مظاهر الكارثة كأنه لا يبالي بأهل الضحايا. فالصحافي يتحمل مسؤوليات ولكن إسكاته بالقتل أو بالسجن هو عمل جبان ينبغي إيقافه من أجل استقرار المجتمعات. فالذين قُتلوا بيد الغدر من صحافيين وشهداء وفي طليعتهم الرئيس رفيق الحريري ادى اغتيالهم الى زعزعة استقرار البلد. وإذا استمر نهج إسكات الصحافيين بواسطة القتل والتصفية فأين الاستقرار وأمن المجتمع؟ وإذا تخلينا عن المحكمة الدولية لأن احكامها يمكن، كما يقول البعض، أن تهدد أمن واستقرار البلد، فلنغلق الصحف ولنغلق الفضائيات ونمتدح ما تقوم به الحكومات ولنعد الى العصور الوسطى حيث نحاكم بعضنا بالتصفية والإرهاب. فالمطالبة بالمحكمة الدولية مطلب شرعي يندرج في إطار حقوق الشعب اللبناني الذي سقط شهداؤه من صحافيين الى سياسيين ودفنوا ودُفنت قضيتهم معهم في سبيل استقرار صنعته موازين قوى إقليمية ولعبت به كما تشاء. فالمحكمة الدولية هي من أجل أن لا تدفن قضية شهداء لبنان وكي لا يدفن القلم الحر!