اختتم وزراء منظمة الدول المصدرة للنفط"أوبك"اجتماعهم الأخير يوم الأربعاء الماضي بقرار واقعي تم التنبؤ به من جميع المتعاملين في مجال النفط، حيث قرر الوزراء زيادة حصة الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يومياً ابتداء من الأول من الشهر المقبل ليصل إنتاج المنظمة إلى 28 مليون برميل يومياً. وفوض وزراء النفط في الوقت نفسه رئيس المنظمة للسنة الحالية وزير الطاقة الكويتي الشيخ أحمد الفهد الصباح، وبعد التشاور مع زملائه في المنظمة، بزيادة أخرى وبمقدار 500 ألف برميل يومياً في حال مواصلة أسعار النفط ارتفاعاتها. وكان متوقعاً أيضاً أن هذه الزيادة في حصص الإنتاج لن يكون لها أي تأثير في الأسواق النفطية وذلك بسبب تشبع هذه الأسواق وتحويل كل الزيادات مباشرة الى التخزين خشية زيادة الطلب العالمي على النفط في الربع الأخير من العام الحالي وعدم قدرة الدول المنتجة للنفط على مواجهة هذه الزيادة في تلك الفترة. ويبقي السؤال. لماذا لم تهدأ أسعار النفط، ولمَ تواصل ارتفاعاتها على رغم التزام دول منظمة"أوبك"زيادة إنتاجها من النفط مسجلةً أعلى معدل للإنتاج منذ 25 عاماً، حيث بلغ المعدل أكثر من 30 مليون برميل يومياً مع حصة العراق. إن السبب المباشر والحقيقي لاستمرار ارتفاع أسعار النفط يتلخص أولاً بعدم وجود طاقات تكريرية كافية وفائضة لتلبية الطلب العالمي المتزايد على المشتقات النفطية من وقود التدفئة ووقود السيارات، حيث لم تستثمر الدول المستهلكة للنفط في قطاع تكرير النفط منذ أكثر من 27 عاماً وبخاصة في الولاياتالمتحدة الأميركية، ولم تستثمر هذه الدول في الوقت نفسه في وحدات تكسير النفوط الثقيلة والحامضة العالية المحتوى من الكبريت إذ إن نسبة النفط الثقيل تشكل نحو 60 في المئة من مجموع النفوط العالمية. وهذا ما يواجهه العالم في الوقت الراهن وللسنوات المقبلة إن لم تستثمر الدول المستهلكة للنفط في بناء مصافٍ جديدة أو في وحدات لمعالجة النفوط الثقيلة وتحويلها إلى منتجات بترولية بحسب المواصفات العالمية المطلوبة والمرغوبة. والسبب في اعتبار قرار وزراء أوبك في فيينا الأربعاء الماضي"قرار الأمر الواقع"يعود إلى حقيقة أن المنظمة لم تعد قادرة على توفير النفوط المطلوبة من الأسواق العالمية، حيث ان الطاقة الإنتاجية الفائضة والمتوافرة لدى دول المنظمة هي من النوع الثقيل وليس الخفيف والخالي من الكبريت لإنتاج بنزين السيارات والمطلوب للفترة الحالية. إن عدم وجود طاقات تكريرية هو سبب الارتفاعات المستمرة في أسعار النفط. والحل، للأسف، لم يعد في يد منظمة"أوبك"، ولكن مع ذلك تحاول المنظمة عمل أي شيء ممكن في سبيل الحفاظ على معدلات مقبولة لأسعار النفط ومطالبة الدول المستهلكة بالاستثمار في قطاع التكرير. ومن غير المعقول أن تطالب الدول المستهلكة في الوقت نفسه الدول النفطية بالإستثمار في قطاع التكرير بجانب قطاع الإنتاج والتنقيب والبحث عن النفط. لكن المشكلة أن أسعار النفط ستواصل ارتفاعاتها ما لم تستثمر الدول المستهلكة في بناء مصافٍ جديدة لتلبية الطلب العالمي المتزايد علي المشتقات النفطية بكل أنواعه، وخصوصاً وقود التدفئة والطائرات وبنزين السيارات. وهذه ليست مشكلة"أوبك". فهذه المشكلة لا تحل من طريق زيادة إنتاج النفط الخام، على رغم أن بعض الدول تقوم بذلك من أجل تهدئة الأسواق. ولا يتوقع أن تنخفض أسعار النفط طالما لم تستثمر الدول المستهلكة للنفط في بناء مصافٍ جديدة، وقد ترتفع إلى معدلات أعلى في حال وقوع أي خلل في الإمدادات النفطية في أي منشأة من المنشآت النفطية، لأن الكل ينتج في أقصى طاقاته وعلى مدار الساعة ومن دون توقف ولم تعد هناك أي طاقات فائضة، إنها فعلاً حالة تدعو إلى القلق والخوف. لقد اتخذت"أوبك"القرار الواقعي السليم وعلى الدول المستهلكة أن تستثمر في قطاع التصنيع، فمن دون ذلك ستواصل أسعار النفط ارتفاعاتها. ومعدل 60 دولاراً للبرميل الواحد لن يكون بعيد المنال. * كاتب ومحلل نفطي.