ينسى الحكام وأصحاب السلطة المتسلطة في دول العالم"ما دون الثالث"ان للشعب قدرة عقلية تحليلية كامنة وغير معلنة عندما يريدون كشفها ساعة يشاؤون، بل ان هذه القدرة تتفجر رفضاً سلمياً في بادئ الأمر ثم ثورة هوجاء في غالب الأحيان بسبب فقدان الشعوب لتنظيمات ديموقراطية بصدق. فيغلب التهور الجماعي على العقلانية الفردية، ويفضي هذا الرفض وهذه الثورة الى نقطة الصفر، وبالتالي استغلال الحكام وأصحاب السلطات المتسلطة لهذه الفورات العفوية وتوطيد وصون مناصبهم ومنافعهم وتسلطهم. وحيث ان المتسلطين يدورون في فلك السلطة الأحادية المتسلطة والوحيدة في عالمنا الحاضر، عنيت أميركا، فلا بد من ان يتظللوا بعيداً عن بطشهم تحت خيمة الديموقراطية والحريات والشفافية وما الى ذلك، وتخرق الشعوب ويزداد قنطها وتتفرق أزلاماً ورعاعاً. هذا ما يحصل اليوم في لبنان بعد الغياب السوري عن المنصة السياسية اللبنانية وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد موجة التدويل التي تلف الوطن بقرارات صادرة عن مجلس الأمن الأميركي - الصهيوني وزيارات دورية للسفيرين الأميركي والفرنسي الى زعامات الاقطاع والتسلط المالي والعشائري والقبلي وقدوم مراقبين دوليين بحجة مراقبة"نزاهة"الانتخابات النيابية الحالية على رغم الصناديق الفارغة التي أفرغت ثم حضنت نواباً بالتزكية قبل حصول الانتخابات الصورية، والحبل على الجرّار... ويقول المثل"دوام الحال من المُحال"، فكيف به اذا كان هذا الحال هو حال مالي ومادي، فهل ستدوم النعم على أصحابها! الأموال لا تبني الاوطان في غياب الرجال الرجال. أين لبنان الذي نحن فيه اليوم، أو بالأحرى نسير نحوه بعد اتفاق الطائف! انه اليوم وكرٌ وموقعٌ لتحالفات الطوائف على الطوائف، ومكسر عصا الأميركيين بعد هزيمتهم غير المعلنة رسمياً في العراق البطل، وكهف لتبييض الأموال في مجالات الرياضة والفن الرخيص وبناء المجمعات الوهمية، ومصدر أساسي لعناصر البغاء والاسترضاء الغريزي في فنادق الخمسة نجوم حمراء. أي مجلس نواب نحن قادمون اليه لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن شارع المتنبي الأغر، وحكومة دمية تجاوره لتعاهره خلف اصداء المتظاهرين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح. انه لبنان زائف، لن تمضي عليه سوى ليالٍ بهيمة وجيزة حتى يعيد اليه شعبه البطل ومقاومته الوطنية عرين الحرية لكل الشعوب العربية الحرة. لبنان - سعد نسيب عطاالله أستاذ جامعي