كما كان متوقعاً، اقترب"الحزب الوطني"الحاكم في مصر من مرحلة الصدام مع المعارضة، وبدأ الطرفان سباقاً لكسب تأييد فئات الشعب. إذ أعلنت أحزاب"الوفد"و"الناصري"و"التجمع"وقف المشاركة في حوار كانت دخلت فيه مع"الحزب الوطني". كما أعلنت الأحزاب الثلاثة ومعها جماعة"الإخوان المسلمين"مقاطعة الاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور التي تنص على اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر بين أكثر من مرشح بدل نظام الاستفتاء الذي كان معمولاً به من قبل. وأصدر الرئيس حسني مبارك، قبل يومين، قراراً جمهورياً دعا فيه المواطنين إلى المشاركة في الاستفتاء الأربعاء المقبل. وعقد رؤساء أحزاب المعارضة الرئيسية نعمان جمعة الوفد وضياء الدين داوود الناصري والدكتور رفعت السعيد التجمع اجتماعاً أمس أصدروا في نهايته بياناً أعلنوا فيه مقاطعتهم الاستفتاء على التعديل الدستوري، وعهدوا الى كل حزب على حدة تحديد موقفه من الاستحقاق الرئاسي. واستبقت جماعة"الإخوان المسلمين"الأحزاب الثلاثة في الصباح بإصدار بيان حمل توقيع المرشد محمد مهدي عاكف، أعلن مقاطعة الجماعة الاستفتاء على التعديل الدستوري، ودعا المواطنين إلى عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع، معتبراً أن الصياغة التي اعتُمدت للمادة 76"أفرغت"التعديل الدستوري من مضمونه و"حالت دون وجود مرشح حقيقي على منصب الرئاسة غير مرشح الحزب الحاكم بل وقدمت لنا صورة أسوأ مما كانت عليه قبل التعديل". وطالب عاكف الحكم المصري ب"النزول عند إرادة الشعب وتلبية مطالبه في الاصلاح السياسي الشامل بإنهاء حال الطوارئ وإطلاق الحريات العامة من حيث حرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف والإفراج عن المعتقلين والمسجونين السياسيين وإلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية الموصوفة بأنها سيئة السمعة، وضرورة تشكيل لجنة قضائية مستقلة تشرف على الانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة بدءاً من تنقية جداول الناخبين وانتهاء بالفرز وإعلان النتائج". وحذر من"خطورة استمرار الأوضاع الراهنة التي تضر بالمصلحة العامة ولا يستفيد منها إلا خصوم الوطن". أما أحزاب"الوفد"و"التجمع"و"الناصري"فرأت أن الحزب الحاكم أقر نصاً للتعديل الدستوري"لا يحقق أي أمل في أي إصلاح جدي، ولا يلبي أي مطلب من مطالبنا التي ألحت على وضع معايير موضوعية وعادلة للترشيح في انتخابات رئاسة الجمهورية، وإنما فرض نصاً مانعاً يكرس احتكار الحزب الحاكم وبشكل دائم لمنصب رئيس الجمهورية". واعتبرت أن النص المقترح على رغم أنه يتيح للأحزاب القائمة فرصة الترشح في انتخابات عام 2005"إلا أنها فرصة شكلية تحيط بها عراقيل وانعدام في التكافؤ واحتكار لأدوات الإعلام وممكنات مخاطبة الجمهور، بحيث يكون مطلوباً منا أن نصبح ديكوراً في مسرحية غير جادة وفي انتخابات غير جدية". وانتقد بيان الأحزاب"إصرار الحكم على المضي في السبيل ذاته الذي يتجاهل فيه إرادة الآخرين بل ويتجاهل إرادة الشعب في إصلاح دستوري وسياسي جاد يحقق إمكان تداول فعلي للسلطة"، وكذلك"إصراره على احتكار كل أدوات الإعلام من إذاعة وتلفزيون وصحافة قومية وحرمان المعارضين له وغير المنتمين إلى حزبه من أي فرصة للإعراب عن رأيهم وبرامجهم وانتقاداتهم لمسلك الحكم ونهجه وما يرتكبه من أخطاء في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية". وأعلنت الأحزاب الثلاثة إنهاء حضورها جلسات الحوار مع"الحزب الوطني""لأنه استنفد أغراضه"ولأن الحزب الحاكم"أثبت بتمسكه بكل ما أراد عند صياغة المادة 76 من الدستور وتجاهله لكل اقتراحات واعتراضات أحزاب المعارضة، أنه غير قابل لحوار جدي". وأعلن بيان الأحزاب"مقاطعة الاستفتاء بخصوص تعديل المادة 76 من الدستور"، ودعا الشعب المصري"إلى مقاطعة الاستفتاء والتزام المنازل في هذا اليوم". وقرر زعماء الأحزاب الثلاثة إرجاء التشاور في الترشيح لرئاسة الجمهورية"لحين بحث الموضوع داخل كل حزب ولحين توافر كل عناصر التقدير". وكان"الحزب الوطني"استبق اجتماع أحزاب المعارضة وموقف الإخوان بمؤتمر موسع شارك فيه عدد من رموزه، من بينهم الأمين العام صفوت الشريف وأمين لجنة السياسات جمال مبارك، وأكد فيه الشريف"تمسك جماهير الحزب بترشيح الرئيس حسني مبارك لفترة رئاسة جديدة"، فيما اعتبر جمال مبارك أن العام الجاري هو"عام الحسم في الحياة السياسية في مصر ويبدأ بالاستفتاء على تعديل المادة 76 من الدستور ويستمر في مواجهة تحديات العمل السياسي مع انتخابات رئاسة الجمهورية وينتهي بالتحدي الخاص بانتخابات مجلس الشعب"، مؤكداً أن الحزب"يدخل المعركة الانتخابية هذا العام بشكل ورؤى جديدة تختلف تنظيمياً وفكرياً على أرض الواقع عن عام الفين سواء كانت تشريعية أو تنفيذية". ونفى الشريف أن يكون الوطني طرح"مادة معلبة ومعدة سلفاً لتعديل نص المادة 76 من الدستور"، وأشار إلى أن أمانة السياسات في الحزب برئاسة جمال مبارك"قامت بجهد كبير في إعداد الدراسات المقارنة للنظم الانتخابية للرئاسة في العالم لطرحها أمام مجموعة العمل وخرج نص المادة من رحم الحوار الذي تم في مجلسي الشعب والشورى وما أبدته الأحزاب من آراء إلى أن تم التوصل إلى النص الذي وافق عليه مجلس الشعب موافقة نهائية للطرح على الاستفتاء". ورداً على بعض الأصوات التي طالبت بمقاطعة الاستفتاء، واسمته ب"يوم الحداد الوطني"، أكد الشريف أن هذا اليوم"سيكون يوم الفخار الوطني وسيكون اليوم الذي تخرج فيه جماهير مصر وفي طليعتها ابناء الحزب الوطني ليثبتوا أن الشعب صاحب إرادة لأن من ينادي بالمقاطعة للتصويت إنما يتسم بالسلبية". وأضاف:"اننا نأمل بأن يقول المواطنون نعم لمصلحة الوطن والمستقبل ومسيرة طويلة بدأها الرئيس حسني مبارك بالفعل وليس بالشعارات"، مشيراً إلى أنه قد"انتهى عصر الصامتين والمتفرجين والحزبيين بالانتساب ونحن أمام تحدٍ وإثبات الذات"، موضحاً أن"الغالبية تقول نحن مع الخط الوطني لمصر ومع مبادرة الرئيس حسني مبارك التي خرجت مع نضج الحزب الوطني". وأكد جمال مبارك أن عملية الإصلاح"لن تنتهي بانتخابات مجلس الشعب ولكنها ستستمر وسيكون للحزب الوطني لقاء مع المواطنين في هذه الانتخابات ليعرض انجازاته ورؤيته لمستقبل كل المشاكل الملحة التي لا تزال تحتاج إلى مواجهة". وقال:"لا بد للأحزاب أن تكون على استعداد دائم للتقدم بمرشحيها للانتخابات خصوصاً مع فتح الباب لهم من دون شروط". وحول موقف"الحزب الوطني"من المستقلين، قال جمال إن"الحزب الوطني ليس ضد المستقلين ولكنه مع وضع الضوابط المتوازنة لحفظ هذا المنصب الرفيع". وقال:"إننا في المجتمع السياسي نواجه الرأي بالرأي الآخر وأن هذا هو سبيلنا للنجاح في 25 آيار مايو وفي حملتنا الرئاسية وفي انتخابات مجلس الشعب".