توصلت دمشق بعد اسابيع من النقاش، الى قناعة مفادها ان رئيس فريق التحقيق الدولي ديتليف ميليس هو"قاض حرفي ومهني"وان عدم التعاون معه يعطي"شبهة سياسية"، مما يعني ضرورة استقباله في دمشق لاجراء لقاءات مع مسؤولين سوريين بصفتهم"شهوداً وليس مشتبهاً بهم"مع استعداد دمشق لپ"أي مفاجأة"ممكنة. وعلى هذا الاساس، أرسلت وزارة الخارجية السورية يوم الاربعاء الماضي مذكرة الى القاضي ميليس عبر البعثة السورية في نيويورك، تقترح عليه ان يقوم بزيارة دمشق يومي 5 و6 الشهر الجاري، حيث يلتقي المستشار القانوني لوزارة الخارجية الدكتور رياض الداودي لعقد"اتفاق جنتلمان"يتضمن"الاجراءات"التي ستقوم عليها لقاءات ميليس مع"الشهود السوريين". وقال مسؤول سوري رفيع المستوى لپ"الحياة"امس ان دمشق"لا تزال تنتظر جواباً"مع العلم ان خبراء سوريين يرون ان"لا داعي لمذكرة تفاهم بين دمشق والأمم المتحدة كما حصل في بيروت لتحديد اسلوب الاستدعاء والجلب والاحالة الى القضاء". وأعرب المسؤول رفيع المستوى عن"الارتياح"لنتائج المؤتمر الصحافي الذي عقده القاضي الالماني يوم الخميس الماضي بما اظهره من"موضوعية وحرفية بعيدة عن التسييس"خصوصاً لدى تأكيده"عدم وجود سوريين مشتبه بهم". وظهرت أخيراً وجهتا نظر في دمشق إزاء كيفية التعاطي مع ميليس: تقوم الاولى على، اثارة"شكوك إزاء ادائه واتجاهه تحت الضغط نحو تسييس التحقيق"في اغتيال الحريري. واستند اصحاب هذا الرأي الى تقرير بيتر فيتزجيرالد والاتهامات السياسية الى دمشق بالتزامن مع ضغوط اميركية - فرنسية. وعليه، جرى اقتراح ان يقوم"التعاون"السوري على اساس المراسلة بين دمشق وميليس عبر نيويورك استناداً الى مبدأ السيادة وعدم مثول ضباط سوريين امام محقق أجنبي. و"تعززت الشكوك"لدى تأخر ميليس في اعطاء موعد لتسلم الاجوبة الخطية التي بعثها الوزير فاروق الشرع مع الداودي الى جنيف. وقالت مصادر مطلعة لپ"الحياة"امس ان"الاجوبة السورية كانت جاهزة منذ 17 الشهر الماضي، وان الخارجية طلبت من ميليس تحديد موعد، وانه اقترح 25 او 26 أو 27 آب أغسطس موعداً للقائه الداودي. ولإدراك دمشق ضرورة ان يضمّن تقريره اشارة الى التعاون السوري، طلبت ان يحصل اللقاء في صباح 25 آب، للافادة من فارق التوقيت مع نيويورك". وهنا، ظهر اعتقاد بأن ميليس"ضلل"الجانب السوري كي يتضمن تقريره اشارة الى"عدم تعاون"دمشق، وانه"اما تأخر عمداً او ان اطرافاً اخرته كي لا يحصل اللقاء". ومن"عناصر الحذر"الاخرى لدى اصحاب هذا الرأي، ان"مسار التحقيق يسير بالضبط مثلما رسم من بعض اقطاب المعارضة اللبنانية"وانه"عادة تبدأ التحقيقات والاتهامات من الاسفل الى اعلى ومن المنفذ الى المدبر الى المخطط. بينما هنا صار العكس باعتقال مسؤولين كبار قيل انهم المخططون". في مقابل هذا"الحذر"الذي يفسر"التباطؤ"في التعاون السوري مع ميليس، برزت وجهة نظر اخرى، تنطلق اساساً مما قاله الرئيس بشار الاسد الى"دير شبيغل"في 24 من الشهر الماضي من تأكيد على"تعاون غير محدود"مع التحقيق الدولي. وبحسب المعلومات المتوافرة ل"الحياة"امس يمكن الحديث عن الاسباب الاتية التي اقنعت بالتعاون: - ان دمشق معنية في كشف حقيقة اغتيال الحريري لأنها المتضرر الاكبر من الاغتيال، ولأن السوريين يشعرون بأنهم مستهدفون. بالتالي"اننا وأهله أكثر المعنيين في جلاء الحقيقة". - ان القرار الرقم 1559 يدعو جميع الدول الى التعاون بصيغ وأشكال متنوعة. بالتالي، فإن الواقعية السورية والحرص على الشرعية الدولية يلزمان دمشق التعاون بما لا يتعارض مع السيادة. - عدم التعاون يعطي شبهة سياسية وليس قانونية ضد دمشق. بالتالي لا بد من سد الذرائع من جميع المنافذ القانونية التي تتسرب منها الضغوط. كما ان مسؤولين سوريين وفي مقدمهم الرئيس الاسد، قالوا بضرورة"كشف الحقيقة". - ان ميليس قدم تأكيدات الى الداودي انه سيكون"حرفياً وموضوعياً ومهنياً"في لقاءاته وانه لن يكون رجل سياسة. وان القصة بالنسبة اليه، ان لديه"بعض المعلومات ويريد ان يقاطعها مع المعلومات المتوافرة لدى السوريين ثم يعود الى الانكباب على التحقيق". - ان دمشق ترى خطوة تسليمه الأجوبة الخطية برسالة من الشرع"مؤشراً ايجابياً، ذلك ان في امكان ميليس اجراء دراسة عميقة للاجوبة المتعلقة بأربعة مسؤولين ثم ان يأتي للاستفادة بها اذا لم تكن كافية". - لا تغيب عن الذهن السوري تجربة رئيس فريق التفتيش الدولي على اسلحة الدمار الشامل في العراق هانس بليكس، الذي قام بمهمته في شكل حيادي وحرفي الى آخر الطريق. وعندما استخدم التفتيش لأسباب سياسية من قبل أميركا، قال بليكس كلاماً مذهلاً. وبعدما قالت المصادر المطلعة ان"الانطباع"في دمشق هو ان ميليس لم يصل الى"حقائق مطلقة"الى الآن، على رغم انه أوصى بتوقيف الضباط الامنيين اللبنانيين الاربعة وان التنسيق الاميركي - الفرنسي بين وزيرة الخارجية كوندواليزا رايس ومستشار الامن القومي ستيف هادلي مع مستشار الامن الفرنسي والمبعوث الدولي لتنفيذ القرار 1559 لپ"الضغط على دمشق"يدل الى احتمال ان التحقيق الدولي"لم يحصل على ادلة دامغة"، اشارت الى ان دمشق تبحث في كل الاحتمالات بما فيها حصول"مفاجأة"من قبل ميليس، مع التأكيد بضرورة ان تشهد المرحلة المقبلة"استجابة سورية اسرع"مع المتطلبات الدولية لپ"سد الذرائع".