من المرات القليلة التي يهب فيها أحدهم في الغرب مدافعاً عن التنميط"الإسرائيلي"للإعلام العربي، نموذج قدمته الورقة البحثية التي كتبها الصحافي البريطاني محرر شؤون الشرق الأوسط في جريدة"غارديان"البريطانية بريان ويتاكر ونشرها كتاب صادر عن الجامعة الاميركية في القاهرة بعنوان"حروب الثقافة". منظمة"ممري"وهي اختصار لپ"معهد أبحاث إعلام الشرق الأوسط"، وذات الجذور الإسرائيلية، كانت قد أرسلت رسائل بريد الكتروني إلى أكاديميين ومهنيين مهتمين بالإعلام في الشرق الأوسط تعرض عليهم خدمتها التلفزيونية الجديدة المتمثلة في مراقبة نحو 20 محطة فضائية عربية، وترجمة محتواها وإرسالها فوراً إلى المحطات الإخبارية الغربية. الرسالة ذيلت بعبارة الغرض منها التأكيد على"مصداقية"و حيادية"ميمري"، وهي"قناة الجزيرة الفضائية تستشيرنا بصفة دائمة في حين تصفنا"نيويورك تايمز"بأننا لا نُقدّر بمال". وعلى سبيل التوضيح، كتب ويتاكر في بحثه أن أحد مؤسسي"ميمري"، وهو يغال كارمون، كان قد أدلى بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الاميركي في عام 2002 من منصبه كرئيس المنظمة، لكنه لم يذكر أنه ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وأحد أكثر المناهضين لاتفاقات أوسلو. وكان من بين ما قاله الشاهد"الحيادي"إن الإعلام العربي"أيَّد على نطاق واسع اعتداءات 11 أيلول سبتمبر على الولاياتالمتحدة الاميركية وكان هناك ميل واضح لتأييد أسامة بن لادن في هذا الإعلام. ويشير ويتاكر إلى أن ضلوع"ميمري"في مجال رصد محطات التلفزيون العربية فكرة جيدة جداً، وذلك نظراً الى كون التلفزيون أكثر اهمية من الصحف في العالم العربي. ويقول ويتاكر:"بالاضافة الى القدرة على فهم الكلمات المترجمة، اصبح في امكان المهتمين بالإعلام العربي في الغرب مشاهدة رجال ملتحين، يرتدون ملابس بالمقاييس الغربية، ويدلون بتصريحات عدائية"، وهي الصورة النمطية التي تبث الرعب في قلوب الغرب. هذه الصورة النمطية، بقدر ما ترعب الغرب، إلا أنها أضحت كما يشير ويتاكر، ذات شعبية لا تقل عن شعبية انتشار مشاهدة افلام العرب. ويلفت كذلك الى انه استناداً الى"ميمري"فإن اكثر المقاطع مشاهدة على موقعها هي تلك التي تحمل تعليقات وملاحظات تتسم بالعداء والتحيز، وبالطبع فإن هذه المقاطع تقصها المنظمة من البرامج، وتحملها على الموقع الالكتروني في خارج السياق العام لها، وذلك على وتيرة"ولا تقربوا الصلاة". ويشير ويتاكر تحديداً الى المقطع التلفزيوني رقم 596، وهو مأخوذ من برنامج تلفزيوني بثته قناة"العربية"الفضائية، ويتضمن حواراً بين المذيع وصبية عرب، يلعبون لعبة كومبيوتر انتجها"حزب الله". فكرة اللعبة هي قتل الجنود الاسرائيليين وإخراجهم من الارض التي يحتلونها، وفي حال الفوز يكافأ اللاعب بالحصول على مرتبة الشهداء مع رفاق الجهاد. وبالطبع لا يحوي المقطع أي إشارة الى مدى انتشار اللعبة، أو طريقة حصول الاطفال عليها، وخلفياتهم، أو حتى نوعية البرنامج نفسه الذي يحوي المقطع. نموذج آخر اختاره ويتاكر، في رأي العرب حول"تسونامي"، نجد على الموقع 14 فيديو كليب، ثمانية منها لقاءات وحوارات مع رجال دين يؤكدون أن الكارثة هي عقاب من الله على أمور مثل السياحة من أجل الجنس، والشذوذ، وشرب الخمر وغيرها. أما الكليبات الاخرى فتضمن حوارات لأشخاص يتهمون الصهاينة بخطف الاطفال من منطقة الكارثة، ويوجهون كذلك اتهاماً لاميركا لأنها لم تنبه الدول الآسيوية الى الخطر المقبل على رغم علمها به مسبقاً. ونظراً الى قلة الترجمات المتاحة لمحتوى الإعلام العربي، فإن خدمات"ميمري"انتشرت انتشاراً واسعاً في إعلام الولاياتالمتحدة، والمعلق السياسي الشهير في"نيويورك تايمز"توماس فريدمان كثيراً ما يشير إليها، أما مسؤولو محطة"الجزيرة"فقد أبدوا اندهاشهم من ادعاء"ميمري"الخاص بنقل"الجزيرة"عنهم، وذلك"لأن القناة"قادرة على اللجوء إلى المصادر العربية مباشرة".