يتفق الجميع على ان السوق المصرفية في دولة الإمارات العربية المتحدة تعاني من ازدحام ملحوظ وارتفاع في مستوى الكثافة المصرفية حيث لا يتناسب عدد المصارف التجارية في الدولة مع حجم الاقتصاد الوطني ولا يتناسب مع عدد السكان او مع اجمالي الناتج المحلي للدولة. فعدد المصارف الوطنية وفروعها بما فيها مكاتب الصرف تبلغ 330 مصرفاً وعدد المصارف الاجنبية وفروعها 115 مصرفاً، أي أن المجموع يبلغ 445 مصرفاً نتجت عن هذا الازدحام المصرفي في منافسة شديدة بين المصارف الوطنية والاجنبية وبين المصارف الوطنية نفسها واثر سلباً على التكلفة الانتاجية وهوامش الربحية لدى المصارف بصورة عامة خصوصاً الصغيرة والوطنية ما ادى الى انخفاض العائد على حقوق مساهمي المصارف. والمعلوم ان المصارف الاجنبية في الدولة ومعظمها فروع لمصارف عالمية قوية استفادت من المصارف الام او من مراكزها الرئيسية في تقنياتها المعاصرة وخدماتها منتجاتها المتطورة وممارستها لاساليب العمل المصرفي الحديث بالاضافة الى توفير ادارات مصرفية كفؤة ومؤهلة، بالتالي استطاعت منافسة المصارف الوطنية في عدد من المجالات واقتناص عدد من فرص الاستثمار. واذا كانت التكنولوجيا الحديثة اسهمت مساهمة كبيرة في زيادة كفاءة المصارف، فإن المصارف الكبيرة عادة ما تكون اقدر من المصارف الصغيرة على مقابلة الجهد التحديثي وادخال احدث وسائل التكنولوجيا في عملياتها المصرفية وحيث يتطلب ذلك مصاريف وكلفة عالية. كما ان المصارف الكبيرة اقدر على تحمل المخاطر وتمويل المشاريع الكبرى والمنافسة وتنويع قاعدة العملاء وزيادة اجالها وتسريع خطى النمو وتنويع الادارة وتعميقها، وعي قادرة على توفير حزمة متكاملة ومتنوعة من الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية والاستثمارية بطرق تقنية متطورة، وتكاليف عمل منخفضة وعدم اعتمادها على الصيرفة التقليدية اي توظيف مدخرات المودعين في تسليفات وقروض للمدينين وبالتالي تحقيق ارباح من فروقات الفائدة المقبوضة والفائدة المدفوعة بل اصبحت ايراداتها من العمولات والرسوم تشكل نسبة مهمة من ارباحها التشغيلية. ويتزامن المقال مع الدعوة التي وجهها عدد كبير من القيادات المصرفية في الامارات لاندماج المصارف الوطنية وتأسيس وحدات مصرفية عملاقة قادرة على مواجهة تحديات المنافسة ويتزامن مع الدعوة التي وجهها أحد مسؤولي المصارف الوطنية في امارة الشارقة من خلال الندوة الاقتصادية التي استضافها الشيخ طارق القاسمي وشاركت فيها فعاليات اقتصادية وإعلامية من الإمارة قبل أيام، ويتزامن مع قرب موعد انتهاء مدة الاستثناء من مبدأ الدولة الأولى في الرعاية التي حصلت عليها الإمارات عندما انضمت إلى منظمة التجارة الدولية، وبالتالي قرب موعد اشتداد المنافسة بين المصارف الوطنية والأجنبية، باعتبار أن الأولوية حينها ستكون للمصارف التي تتوافر فيها قواعد الملاءة والكفاءة في الوقت الذي لم تتوافر فيه حتى الآن أية معلومات عن أسباب اجهاض أول محاولة دمج كبرى بين "بنك الإمارات الدولي" و"بنك دبي الوطني" على اعتبار أن هذا الدمج سيؤسس مصرفاً إماراتياً عملاقاً بحقوق مساهمين تتجتوز 2.8 بليون درهم حسب البيانات المالية لعام 2000، واجمالي موجودات تبلغ قيمتها 48 بليون درهم وقروض وسلفيات تبلغ 18 بليون درهم، وودائع عملاء تبلغ 3.32 بليون درهم. والمصارف الوطنية في دولة الإمارات 20 مصرفاً تتوزع بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة الحجم، استناداً إلى معياري حقوق المساهمين واجمالي الموجودات. والملاحظ أن المصارف المتوسطة وصغيرة الحجم تعمل على دعم قاعدتها الرأسمالية وحقوق مساهميها من أجل تلبية متطلبات كبار عملائها وتطوير قاعدة تمويلها، بينما لا تزال خمسة مصارف كبيرة في الدولة تستحوذ على نسبة مهمة من ودائع العملاء ورصيد القروض والسلفيات في الدولة. والمصارف الوطنية في إمارة الشارقة، وعددها أربعة هي "بنك الشارقة الوطني" و"بنك الشارقة" و"البنك العربي المتحد" و"بنك الاستثمار"، تأسست بين عامي 1972 و1975، تعتبر من المصارف صغيرة الحجم استناداً إلى معياري حقوق المساهمين واجمالي الموجودات، ويبلغ مجموع رؤوس أموالها 1033 مليون درهم وحقوق مساهميها 66.1 بليون درهم، واجمالي الودائع 76.5 بليون درهم واجمالي الموجودات 86.7 بليون درهم. * خبير اقتصادي في الإمارات.