نشطت طوال نهار امس الاتصالات بين رؤساء الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري والحكومة المكلف عمر كرامي في محاولة لإنقاذ التشكيلة الوزارية، في ضوء بروز عقبات كثيرة كان ابرزها رفض الوزير سليمان فرنجية العودة الى وزارة الداخلية وإصرار وزراء على إسناد حقائب خدماتية تساعدهم على ترتيب اوضاعهم الانتخابية. وتوّجت الاتصالات بلقاء عقد بعد ظهر امس في القصر الجمهوري في بعبدا بين لحود وكرامي وانضم إليهما لاحقاً بري واستمر الاجتماع لثلاث ساعات، وتخلله بحسب المعلومات المتوافرة ل"الحياة"محاولات جديدة لثني فرنجية الذي اصر على موقفه. وتم التفاهم في الاجتماع على تشكيل الحكومة من ثلاثين وزيراً بينهم وزراء دولة، بعدما كان اتفق في الصباح على ان تضم 24 وزيراً من وزراء بلا حقائب. وفسّرت مصادر رسمية العودة لإحياء الحكومة الثلاثينية الى وجود رغبة في استقطاب اكبر عدد ممكن من النواب في الموالاة ليكون في مقدورها لدى مثولها امام المجلس النيابي الحصول على ثقة نيابية مقبولة، بدلاً من ان تكون هزيلة، مما ينعكس ايجاباً على تعاونها مع المجلس، اذ قد تجد صعوبة في تمرير ما تريد وخصوصاً قانون الانتخاب ما لم تضمن تأييد الأكثرية النيابية المطلوبة. وتردد ان بعض كبار المسؤولين حاول الاتصال بدمشق طلباً للمساعدة من اجل تذليل العقبات التي ما زالت تعترض تأليف الحكومة التي ستكون حتماً متحالفة معها، لكن المسؤولين فيها رفضوا الاستجابة وأبلغوا من يعنيهم الأمر بأنهم ليسوا في وارد التدخل وأن الرئيس بشار الأسد كان ابلغ هذا الموقف الى لحود عندما التقاه على هامش مشاركتهما في مراسم تشييع البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان. وكانت الاتصالات نشطت منذ ليل اول من امس، واستمرت حتى الدقائق الأخيرة من توجه كرامي الى القصر الجمهوري في بعبدا للقاء الرئيس لحود. وشارك فيها الرؤساء الثلاثة اضافة الى الأمين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصر الله، وتردد ان الأخير تشاور مراراً مع فرنجية عبر احد المسؤولين في الحزب. وعلمت"الحياة"ان لحود اتصل صباحاً بفرنجية الذي كان تحدث مراراً من منزله في بنشعي مع كرامي الذي استقبل النائب علي حسن خليل موفداً من بري. وحاول الجميع اقناع فرنجية العدول عن موقفه الرافض العودة الى وزارة الداخلية وإصراره على ان يتسلم حقيبة الصحة الى جانب توزير العضو في كتلته النيابية النائب سايد عقل. واضطرت مصادر فرنجية الى نفي ما تردد من انه تجاوب مع المساعي ووافق على العودة الى الداخلية، وجاءت هذه"المعلومة"بمثابة رد مباشر على الذين اشاعوا ظهراً انه لم تعد هناك مشكلة وأن فرنجية ابدى مرونة تسهيلاً لولادة الحكومة. وقالت هذه المصادر ل"الحياة"ان هناك مجموعة من الأسباب التي يتسلح بها فرنجية لعدم العودة الى الداخلية وأن في مقدمها: 1- اصراره على عدم التوقيع على طلب الحكومة بصفته الوزير المختص، استرداد مشروع قانون الانتخاب الذي ارسلته الحكومة السابقة الى المجلس النيابي والرامي الى اعتماد القضاء دائرة انتخابية وذلك لمصلحة المحافظة مع النسبية، خصوصاً انه كان وقع على المشروع وبالتالي يحرص على الانسجام اولاً مع نفسه وقناعاته بعدما كان التزم به امام البطريرك الماروني نصر الله صفير. 2- فرنجية يقترح عدم استرداد القانون وترك امر تعديله للمجلس النيابي الذي هو سيد نفسه اعتقاداً منه بأنه بذلك لا يتسبب بإحراج نفسه، اضافة الى ان ترك الأمر للمجلس من شأنه ان يساعد على كسب الوقت بدلاً من تضييعه بطلب استرداد المشروع. 3- يحرص فرنجية على اجراء الانتخابات وأن يكون لدى الحكومة العتيدة قرار سياسي واضح على هذا الصعيد، باعتبار ان أي تردد في حسم الموقف من هذا الاستحقاق الدستوري، سيضعه في مواجهة المعارضة التي تحاول ان تستغل تأخيره لتقود حملة ضد الوزير شخصياً. 4- ان مجرد تحديد موعد لإجراء الانتخابات يعني ان هناك صعوبة في الإبقاء على الأزمة السياسية مفتوحة الى امد طويل، بينما سيؤدي أي تأجيل الى تحميل وزير الداخلية شخصياً وزر التداعيات السياسية والأمنية المترتبة عليه. 5- ان تأليف الحكومة الجديدة سيتزامن هذه المرة مع اقتراب الموعد لمجيء لجنة التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى بيروت، وهذا يستدعي ان يتوافق اركان الدولة على تحديد السقف السياسي الذي سيتم من خلاله التعاطي مع اللجنة، بغية قطع الطريق على حصول"اشتباك سياسي"بين اعضاء الحكومة على غرار ما حصل عندما تقرر ارسال الفريق الدولي للتقصي عن الحقائق في الجريمة اذ ان الوزراء المعنيين وقعوا ضحية الاختلاف في الرأي، قبل ان تحسم الدولة موقفها وتوافق على استقبال فريق التحقيق. هذا على صعيد الوزير فرنجية. اما بالنسبة الى ما تردد من وجود اختلاف في الموقف بين لحود الذي يعترض على استرداد مشروع قانون الانتخاب من المجلس النيابي، وكرامي الذي يتمسك بقرار لقاء الموالاة في"عين التينة"باعتماد المحافظة مع النسبية، فعلمت"الحياة"ان كرامي نفى امام اوساطه وجود تباين في الرأي مع لحود، متهماً بعض الجهات في المعارضة بأنها وراء تسريب معلومات في هذا الخصوص بهدف الإيقاع بين الرئيسين. وإذ اكد كرامي، بحسب اوساطه، انه تفاهم مع لحود وهما في الطائرة في طريقهما من الفاتيكان الى بيروت، على استرداد مشروع القانون، قالت مصادر مقربة من الأخير انه كان التزم في اجتماعه مع البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير قبل فترة طويلة اعتماد القضاء دائرة انتخابية، وأن مجلس الوزراء اقر المشروع بموافقة غالبية اعضاء الحكومة السابقة. وبالتالي يرى من الأفضل ان يترك الأمر للمجلس النيابي الذي يعود له القرار الحاسم في نهاية المطاف. ونُقل عن لحود قوله ايضاً انه يفضل ألا تتقدم الحكومة بطلب استرداد المشروع وذلك ليس منعاً للإحراج فحسب، وإنما من اجل كسب الوقت لئلا يقال ان السلطة ما زالت تماطل ولا تريد تحديد موعد لإجراء الانتخابات. ويقول لحود، بحسب مصادره، ان في إمكان النواب التقدم وبدعم من الحكومة، وإذا ما تم التوافق على المحافظة مع النسبية، باقتراح قانون جديد كبديل للمشروع المحال على المجلس النيابي. لكن مصادر في الحكومة المستقيلة، وعن لسان وزراء يعتبرون من الثوابت في الوزارة الجديدة، تعتبر ان مجرد عدم استرداد القانون سيؤدي الى اضعاف الموقف الداعم للمحافظة مع النسبية بخلاف استرداده الذي سيوحي للنواب بأن هناك"قوة ضاربة"مؤيدة له. إلا ان المصادر ذاتها بدأت تتصرف على ان هناك صعوبة في تسويق المحافظة مع النسبية، لافتة الى وجود مشكلة في إقناع الأكثرية النيابية المطلوبة لإقراره وبالتالي لا تنزع عن هذا المشروع الرغبة في المناورة السياسية لتمرير صفقة على الأقل مع بعض قوى المعارضة لمصلحة قانون انتخاب جديد يعتمد على المحافظة بعد تقسيم لبنان الى تسع محافظات على اساس النظام الأكثري.