السعودية وقطر تعقدان الاجتماع الثاني للجنة التنسيق الأمنية والعسكرية    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل في المنطقة    الإسعاف الجوي بنجران ينقل مصابا في حادث انقلاب    مقتل 21 مسلحا ..وأردوغان يهدد أكراد سورية    تدشين مسار «لامة مدر» التاريخي بحائل بالشراكة بين البنك العربي الوطني و«درب»    الأمير عبد العزيز بن سعود يكرم مجموعة stc الممكن الرقمي لمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي ومهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    مساعد وزير التعليم يدشن في الأحساء المعرض التوعوي بالأمن السيبراني    استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته في قصف إسرائيلي شمال الضفة الغربية    تركي آل الشيخ يتصدر قائمة "سبورتس إليستريتد" لأكثر الشخصيات تأثيرًا في الملاكمة    بسبب سرب من الطيور..تحطم طائرة ركاب أذربيجانية يودي بحياة العشرات    ميدان الفروسية بحائل يقيم حفل سباقه الخامس للموسم الحالي    تدشين أول مدرسة حكومية متخصصة في التقنية بالسعودية    "التخصصي" يتوج بجائزة التميز العالمي في إدارة المشاريع في مجال التقنية    "سعود الطبية" تعقد ورشة عمل تدريبية عن التدريب الواعي    عائلة عنايت تحتفل بزفاف نجلها عبدالله    الشر الممنهج في السجون السورية    الإحصاء: ارتفاع مساحة المحميات البرية والبحرية في المملكة لعام 2023    الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد اتفاقية تاريخية لمكافحة الجرائم الإلكترونية    الشكر للقيادة للموافقة على تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    انخفاض معدلات الجريمة بالمملكة.. والثقة في الأمن 99.77 %    رغم ارتفاع الاحتياطي.. الجنيه المصري يتراجع لمستويات غير مسبوقة    إيداع مليار ريال في حسابات مستفيدي "سكني" لشهر ديسمبر    السعودية واليمن.. «الفوز ولا غيره»    إعلان استضافة السعودية «خليجي 27».. غداً    أخضر رفع الأثقال يواصل تألقه في البطولة الآسيوية    القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي    أهلا بالعالم في السعودية (3-2)    العمل الحر.. يعزِّز الاقتصاد الوطني ويحفّز نمو سوق العمل    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    أمير الرياض ونائبه يعزيان في وفاة الحماد    أمير الرياض يستقبل سفير فرنسا    رئيس بلدية خميس مشيط: نقوم بصيانة ومعالجة أي ملاحظات على «جسر النعمان» بشكل فوري    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير تعليم الطائف ويدشن المتطوع الصغير    وافق على الإستراتيجية التحولية لمعهد الإدارة.. مجلس الوزراء: تعديل تنظيم هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائنًا مهددًا بالانقراض    تهديد بالقنابل لتأجيل الامتحانات في الهند    تقنية الواقع الافتراضي تجذب زوار جناح الإمارة في معرض وزارة الداخلية    لغتنا الجميلة وتحديات المستقبل    أترك مسافة كافية بينك وبين البشر    مع الشاعر الأديب د. عبدالله باشراحيل في أعماله الكاملة    تزامناً مع دخول فصل الشتاء.. «عكاظ» ترصد صناعة الخيام    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    زوجان من البوسنة يُبشَّران بزيارة الحرمين    إطلاق ChatGPT في تطبيق واتساب    هل هز «سناب شات» عرش شعبية «X» ؟    القهوة والشاي يقللان خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق    القراءة للجنين    5 علامات تشير إلى «ارتباط قلق» لدى طفلك    أخطاء ألمانيا في مواجهة الإرهاب اليميني    الدوري قاهرهم    «عزوة» الحي !    استعراض خطط رفع الجاهزية والخطط التشغيلية لحج 1446    عبد المطلب    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    سيكلوجية السماح    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قذائف اليورانيوم المستنفد أفرزت تلوثاً اشعاعياً دائماً يتجلى في الولادات الميتة والتشوهات واصابات السرطان التلوث الاشعاعي ينتشر في العراق ... والضحايا في إنتظار المعالجات الجدية
نشر في الحياة يوم 07 - 03 - 2005

ينفرد العراق بمحنة لا نظير لها في دول العالم، ألا وهي استمرار تعرض أبنائه للاشعاع منذ 14 عاماً، وكأنما لا يكفي ما عانته الغالبية الساحقة من العراقيين وهي تعيش، منذ نحو ثلاثة عقود، في بيئة موبوءة بسموم أخطر الملوثات.
نتج عن حرب الخليج الثانية عام 1991 تلوث إشعاعي خطير يعادل نحو سبع قنابل ذرية من النوع الذي استخدم في هيروشيما وناغازاكي، نتيجة استخدام القوات الأميركية وحلفائها ذخائر اليورانيوم مما سبب كارثة بيئية وصحية وخيمة، من نتائجها انتشار أمراض السرطان في العراق، خصوصاً في جنوبه، على نحو"وبائي". هذا ما أكده العديد من الدراسات الأجنبية والمحلية، ومنها دراسات الدكتور جواد العلي، رئيس قسم السرطان في المستشفى التعليمي ومدير مركز السرطان والأورام في البصرة حول سرطان الدم والتشوهات الولادية الناجمة عن اليورانيوم المستنفد.
وبينت دراسة للباحث أحمد عبد اللطيف، من كلية العلوم في جامعة بابل، أن استخدام اليورانيوم المستنفد ضد العراق تسبب في ارتفاع حالات الاجهاض لدى الحوامل العراقيات ثلاثة اضعاف عما كانت عليه عام 1989، وازدياد حالات الاصابة بأمراض السرطان نحو سبعة أضعاف، والاصابة بسرطان الرئة أربع مرات. وتضاعفت الوفيات بسرطان الرئة خمس مرات.
ولم تقتصر الأضرار على الإنسان. تقول الدكتورة منى تركي الموسوي، مديرة مركز بحوث السوق وحماية المستهلك ورئيسة فريق بحثي أجرى دراسة علمية ميدانية في البصرة، ان الفحوص التي أجريت عام 1996 من قبل منظمات دولية، مثل منظمة الاغذية والزراعة FAO وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، أظهرت وجود تلوث اشعاعي في التربة وفي بعض النباتات بتراكيز متباينة من نظيري الثوريوم 234 والراديوم 226 والبزموث 214 يفوق ما هو موجود في المناطق الطبيعية. وهذا أفرز ظهور حالات مرضية غامضة، منها التشوهات الخلقية والاعتلال العصبي والعضلي والاجهاضات والامراض السرطانية، مثل سرطان الدم والغدد اللمفاوية والثدي، فضلاً عن التلوث البيئي الواسع الانتشار في المنطقة. وأشارت الى ضرورة اجراء دراسة لمستوى النشاط الاشعاعي من النباتات الطبيعية في منطقة البصرة، التي منها الصمعة والرفث والعرفج، بعد أن اثبتت الدراسات السابقة تلوثها اشعاعياً واحتمال انتقالها الى الانسان عبر السلة الغذائية.
الحرب الأخيرة على العراق في آذار مارس 2003، التي استخدمت فيها أسلحة اليورانيوم المشعة من جديد وبكميات فاقت ما استخدم عام 1991 بإبعة الى ستة أضعاف، فاقمت انتشار الولادات الميتة والتشوهات الولادية والأمراض السرطانية وغيرها. ولكثرة انتشار السرطان بين العراقيين، بات يعرف اليوم ب"الانفلونزا الجديدة". فما إن تدخل عيادة أي طبيب متخصص بأمراض السرطان حتى تدرك حجم الخطر الذي يهدد آلاف العراقيين.
وليس في ذلك مبالغة، إذ أعلن مصدر في وزارة الصحة العراقية عن وجود أكثر من 140 ألف عراقي مصاب بالسرطان حالياً، تضاف اليهم 7500 حالة جديدة كل سنة. ويستقبل مستشفى الطب الذري والإشعاع في بغداد كل يوم نحو 150 حالة من كافة المحافظات. وتوقع خبراء أن يرتفع عدد الاصابات في العراق الى أكثر من 25 ألف اصابة سنوياً.
وفي حين تؤكد التقارير الطبية موت عشرات الآلاف من العراقيين والعراقيات المصابين بالسرطان لأسباب عدة، لمس القاصي والداني مدى تجاهل سلطة الإحتلال لتفاقم التلوث الإشعاعي الخطير، الذي سببته ذخائرها الحربية المشعة، وعدم قيامها بأي إجراء لدرء المخاطر، ناهيكم عن معالجة المشاكل البيئية الوخيمة، وانكار وجود التلوث الاشعاعي في العراق ومخاطره التي ظلت تنفيها.
إنتشار التلوث الإشعاعي
أكدت الفرق البحثية لوزارتي الصحة والبيئة العراقية نتائج الدراسة العلمية الميدانية التي قام بها المركز الطبي لأبحاث اليورانيوم UMRC، وهو مركز أبحاث دولي مستقل يرأسه العالم الأميركي الكرواتي الأصل أساف دوراكوفيتش المتخصص بالذرة والطب النووي، وكان عقيداً في الجيش الأميركي. وقد شملت الدراسة مدن وسط وجنوب العراق، وأثبتت انتشار التلوث الإشعاعي في أرجاء البلاد وبنسب خطيرة. وفي ما يأتي نماذج من المواقع الملوثة التي كشفتها فرق مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة البيئة العراقية:
تم العثور على حاويات ذات علامات تشير الى النشاط الإشعاعي، وعدد من المصادر المشعة، في مزارع وقرى وأحياء ومنازل المناطق المحيطة بموقع التويثة جنوب بغداد، مثل الوردية والمنسية والغراوية الرياض والزهور. وقد تبين استخدام الحاويات الملوثة للأغراض اليومية من قبل السكان. أعلنت ذلك وزيرة البيئة الدكتورة مشكاة المؤمن. وقالت:"تم استطلاع الموقع بشكل كامل وبمرافقة فريق من منظمة الطاقة الذرية العراقية السابقة وفريق علمي أميركي لجمع الحاويات. وأضافت أنه تم جمع أكثر من 100 حاوية وعدد من المصادر المشعة،"بحيث قمنا بجهود عالية لجمع أغلب الحاويات الخاصة باليورانيوم".
في محافظة المثنى، على بعد 300 كيلومتر جنوب العاصمة، وجد 30 موقعاً تعرضت لنسب عالية من الاشعاع، خصوصاً موقع"المجزرة"، حيث توجد كميات كبيرة من الأسلحة المدمرة، ومعظمها ملوث بالاشعاعات. وأكد فريق بيئي متخصص بالوقاية من الإشعاع، قام بكشف ميداني، تلوث مجزرة المثنى القديمة باليورانيوم المستنفد. وقال مصدر في وزارة البيئة ان أسباب التلوث تعود الى ترك مخلفات عدد من الأسلحة المضروبة العائدة للجيش العراقي المنحل.
في محافظة البصرة منطقة ملوثة بالإشعاع كلياً، وتم العثور على ثمانية مواقع ملوثة باليورانيوم المستنفد في منطقة زراعية، حيث بقايا الدبابات والناقلات الملوثة. صرح بذلك مصدر في وزارة البيئة، وأوضح أن دائرة الوقاية من الاشعاع في الوزارة أجرت مسحاً اشعاعياً في المحافظة، وتم قياس الاشعاع في جذع احدى اشجار النخيل، وأثبت القياس تلوثها باليورانيوم المستنفد. وفي الاطار نفسه تم فحص قطع من الخردة المقطعة وعثر على ثلاث قطع ملوثة باليورانيوم. وأعدّ القسم مجموعة توصيات لتقليل تعرض سكان المنطقة الملوثة بالاشعاع.
في محافظة ذي قار، جنوب العراق، بلغت القراءات الجديدة التي حصل عليها فريق مركز الوقاية من الإشعاع رقماً يزيد 60 مرة على القراءة السابقة التي سجلت. واستنتج أن هذه نسبة قد تؤدي الى مشاكل خطيرة لكونها تسبب أمراضاً سرطانية، بحسب المهندسة انعام محمد حساني مديرة بيئة ذي قار، التي أكدت أن الفريق أخذ عينات من التربة لأكثر من منطقة سكنية في المحافظة لفحصها مختبرياً في بغداد.
في مدينة السماوة، حذرت وزارة البيئة المواطنين من استخدام المجزرة القديمة في المدينة، وذلك لوجود مدافع دمرت بفعل قصف جوي بقذائف اليورانيوم المستنفد. وقال فريق العمل المكلف من دائرة الوقاية من الاشعاع ان الوزارة اتخذت الاجراءات اللازمة للمناطق الملوثة، حيث تم تحديدها وتسويرها ومنع الاقتراب منها، وسحب نماذج ترابية لاجراء الفحوصات عليها، وإبعاد المواد المسببة للتلوث الى منطقة الطمر الصحي خارج المدينة.
في محافظة نينوى، شمال العراق، أثبتت نتائج القياسات العلمية، التي تمت خلال الكشف الموقعي الذي أجرته وزارتا البيئة والعلوم والتكنولوجيا لمنطقتي"العداية"ومصنع"الرماح"، وجود تلوث اشعاعي ناجم عن الحفر العشوائي لموقع ردم النفايات المشعة. وتم اعداد تقرير عمل مفصل شامل يتضمن القياسات الميدانية والفحوص المختبرية لنماذج التربة في مختبرات مركز الوقاية من الاشعاع، والايعاز الى مديرية بيئة نينوى لاتخاذ الاجراءات اللازمة بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية في المحافظة، لوقف العمل في الموقع تماماً وعدم السماح للمتعهد بإخلاء أي معدات، وتحديد المنطقة بأسلاك شائكة وعلامات تحذيرية تمنع دخول الاشخاص اليها تمهيداً لتنفيذ خطة العمل الكفيلة بمعالجة الحالة. وقال مصدر في وزارة البيئة ان نتائج المسح الميداني بينت أن هذه المواقع تتسم بالسرية التامة التي كانت تتميز بها المواقع العائدة الى البرنامج النووي للنظام السابق، وقد تعرضت لعمليات السلب والنهب، مما يتطلب تنفيذ برنامج متكامل في شكل علمي من خلال فرق فنية مشتركة بين وزارتي البيئة والعلوم.
لم تكن التحديات التي واجهتها وزارة البيئة العراقية هينة أو عادية، وهي فتية ولا يزيد عدد موظفيها في كل العراق على 650، ولا تتجاوز مخصصاتها سبعة ملايين دولار، مقارنة بمئات الألوف من الموظفين في بقية الوزارات. وكان على الوزارة أن تواجه عقوداً من الاهمال للقضايا البيئية. وأكدت المؤمن أن الوزارة تفتقر الى الموازنة الكافية لتنفيذ المشاريع، مع ان المشاكل البيئية لا تقل خطورة عن المشاكل الامنية. ومن بين القضايا الخطيرة التي طرحتها عدم وجود موقع طمر للنفايات النووية، اضافة الى عدم وجود نظام معالجة لهذه النفايات. وأكدت أن خطر الملوثات التي تواجه العراق يعود الى عدم امتلاكه نظاماً للتعامل مع النفايات المتعددة ومنها مخلفات النشاط النفطي.
خطوات وإجراءات مطلوبة
خطت وزارة البيئة العراقية خطوات إيجابية مهمة على طريق تحديد مصادرالتلوث الإشعاعي الراهن وتقويم حجمه والسعي لمعالجته. أولى هذه الخطوات تشكيل دائرة، تطورت في ما بعد الى مركز للوقاية من الإشعاع تابع للوزارة. وقام المركز بكشوفات موقعية ومسوحات إشعاعية للمواقع التي تعرضت للقصف الجوي لبيان حالات التلوث الإشعاعي ومتابعة تجمعات الخردة.
ومن الخطوات الإيجابية مبادرة لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة بغداد الى تنظيم ندوة علمية، في تموز يوليو 2004، شارك فيها ممثلو وزارات الصحة والبيئة والصناعة والعلوم والتكنولوجيا العراقية، أكدت الندوة وجود تلوث اشعاعي في العراق، وقالت إن أعراضه بدأت تظهر كتشوهات ولادية وحالات سرطانية. فأعلن الدكتور سلام حسين، ممثل وزارة الصحة، أن لجان وزارته اكتشفت وجود تلوث إشعاعي في عدد من المناطق. وأشار الدكتور رياض العضاض، رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة بغداد، الى ان سبب التلوث الإشعاعي في العراق هو اليورانيوم المستنفد الذي استخدم في الحروب، وعمليات السلب التي طالت مركز التويثة ومراكز أبحاث أخرى. وتوصل المشاركون في الندوة الى أن تلوث البيئة العراقية بالإشعاع سبب تشوهات في الولادات الحديثة بنسبة خمسة في المئة وإصابة 12 في المئة من سكان البصرة بأمراض السرطان. وكانت تلك المرة الأولى، منذ غزو العراق واحتلاله، تنظم فيها ندوة علمية مكرسة للتلوث الإشعاعي في العراق، وتشارك فيها مؤسسات حكومية معنية.
وبعد شهرين، ناقش مختصون يمثلون وزارات البيئة والعلوم والتكنولوجيا والخارجية، في لجنة مشتركة، أهم الأخطار البيئية التي حدثت نتيجة لفقدان الكثير من المواد المشعة في موقع التويثة والأسلحة التي استخدمت في الحرب على العراق ومخاطر تلوثها بالمواد المشعة. وأكدوا زيادة أمراض السرطان، خصوصاً في المناطق الجنوبية.
وفي منتصف كانون الأول ديسمبر 2004، نظم مركز الوقاية من الإشعاع في وزارة البيئة أول ندوة علمية متخصصة حول الوقاية من الإشعاع، تحت شعار"يداً بيد من أجل سلامة بيئتنا من الإشعاع". وقد أشارت خلالها مديرة المركز المهندسة بشرى أحمد الى انتشار مصادر التلوث الاشعاعي وضعف الرقابة ووسائل الوقاية، وأكدت أن مركزها أعد دراسات لمواقع الخردة ومراقبة المياه من الناحية الإشعاعية في المحافظات.
وحذر خبراء البيئة من المخاطر الصحية على حياة المواطنين لخمسة مواقع من أصل 300 تعد الاكثر تلوثاً في العراق. وطالبوا باعداد استراتيجية لمواجهتها. وقال الدكتور عباس ناجي بلاسم، رئيس الهيئة التحضيرية للندوة، أن الدول المانحة لمشروع المواقع الخمسة هي اليابان وبريطانيا وألمانيا، وأن المشروع يتم بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة للبيئة، وينفذ فنياً وادارياً من قبل الملاكات العراقية. وأضاف أن تقويم الاثر البيئي يتضمن جمع المعلومات والصور واجراء التحاليل لكل موقع وتدريب العاملين والبدء باعداد خطة لازالة الملوثات وطمرها. وأوضح أن برنامج الامم المتحدة للبيئة سيستخلص الدروس من تجاربه العالمية في ادارة مشاريع تعاملت مع مواقع ملوثة، في كوسوفو وصربيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وألبانيا وأفغانستان وليبيريا والاراضي الفلسطينية، في تنفيذ مشروع المواقع الخمسة.
وأكدت وزارة البيئة وجود أكثر من 300 موقع ملوث في العراق يحتمل وصول اضرارها الى 5,22 مليون نسمة في عموم المحافظات. وأضافت أنه تم اختيار خمسة من المواقع الاكثر تلوثاً، وهي: مخازن الصويرة لتلوثها بالمبيدات الزئبقية، وموقع عويريج لتلوثه بالعناصر الثقيلة ومركبات الفينول المتعدد الكلور واليورانيوم المستنفد، وموقع القادسية الملوث بكبريتات الكروم والسيانيد، وموقع المشراق الملوث بالكبريت ومركباته، وموقع خان ضاري الملوث بمادة رابع اثيلات الرصاص. وتم عرض المواقع الملوثة على برنامج الأمم المتحدة للبيئة لغرض معالجتها وازالة التلوث منها مستقبلاً، فيما سيكون على عاتق وزارة البيئة العراقية تنظيف بقية المواقع الملوثة. وأقر مركز الوقاية من الاشعاع خططه للسنة الحالية 2005، وقالت مديرته العامة بشرى أحمد ان الخطة شملت تعزيز المسح البيئي الاشعاعي، ورسم وتحديث الخريطة البيئية الاشعاعية، ومراقبة المنافذ الحدودية، ووضع المحددات البيئية الاشعاعية وتحديثها، وتقويم مواقع التلوث لعموم العراق، فضلاً عن قياس نسبة غاز الرادون في بغداد ومحافظات الموصل والبصرة والأنبار والنجف. وأضافت أن من ضمن محاور الخطة تعزيز المختبرات البيئية الاشعاعية واعداد الدراسات والبحوث، وتقويم ضمان الجودة لاجهزة X-RAY في المؤسسات المالكة لها، ودراسة التأثير البيولوجي للاشعاع لدى العاملين وعموم المواطنين في مواقع منتخبة. وركزت على استهداف الخطة رفع الوعي البيئي الاشعاعي لدى العاملين، موضحة أن معظم مشاكل التلوث سببها ضعف أو انعدام الوعي بماهية الاشعاع ومخاطره وسبل الوقاية منه.
التحرك على المؤسسات الدولية المعنية
كان رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس مدينة بغداد الدكتور رياض العضاض شدد على أن عمليات البحث عن التلوث الاشعاعي ودراسته تحتاج الى ملايين الدولارات. وأشار الى أن تلك العمليات ستبدأ عبر تشكيل غرفتين اداريتين في المدن، تتخصص احداهما بالبيئة والاخرى بالصحة. ونبّه الى ضرورة التركيز على التوعية الإعلامية للمواطن، خصوصاً في غياب المؤسسات الرسمية المتخصصة.
وأعلنت وزيرة البيئة أن وزارتها اتفقت مع برنامج الامم المتحدة للبيئة على تقديم دعم بقيمة 11 مليون دولار لتدريب وتجهيز الوزارة ومركز الوقاية من الاشعاع، وتقديم المعدات الضرورية للوقاية من الاشعاع. واضافت أن الوزارة وقعت عدداً من العقود مع بعض المنظمات الدولية، وعقدت اتفاقات لمعالجة اليورانيوم المستنفد في عموم العراق. وأكدت أن هناك مشاريع تم الاتفاق بشأنها مع منظمات دولية متخصصة، من بينها اعادة احياء الاهوار، ومشروع معالجة الآثار البيئية الناجمة عن اليورانيوم المستنفد، ومشروع تلوث الهواء، ومعالجة مياه الصرف الصحي، ومشروع التلوث في شط العرب.
شهدت الأشهر والأسابيع الأخيرة تصريحات ووعوداً كثيرة من وزراء ومسؤولين كبار في الحكومة العراقية. ترافقت مع الحملة الانتخابية لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية. وكان من المرشحين في الانتخابات العديد منهم، وفي مقدمهم رئيس الوزراء والعديد من الوزراء وبينهم وزيرا البيئة والصحة.
الأمل هو في ألا تكون الوعود مجرد دعاية انتخابية، فالوعود وأنصاف الحلول لن تعالج المشاكل البيئية الوخيمة، والمطلوب من وزارة البيئة العراقية، أياً يكن وزيرها أو وزيرتها، ومن مركز الوقاية من الإشعاع التابع لها، وبالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة العلوم والتكنولوجيا والمؤسسات العراقية المعنية الأخرى، وبدعم من المؤسسات الدولية وفي مقدمتها برنامج الأمم المتحدة للبيئة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية، استكمال الجهود التي بذلت لتقييم حجم التلوث البيئي المنتشر في أرجاء العراق، خصوصاً الاشعاعي، والسعي الجاد والعاجل لمعالجته، فمن شأن المزيد من التأخير أن يحصد المزيد من الضحايا الأبرياء.
ينشر في وقت واحد مع مجلة"البيئة والتنمية"عدد آذار مارس 2005.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.