يثير الخلاف القائم حالياً بين الطرفين الرئيسين في الانتخابات العراقية، الائتلاف الشيعي والأكراد، حول تسلّم حقيبة وزارة النفط ومبدأ توزيع الريع النفطي بين العاصمة بغداد والمحافظات في ظل الاعداد للدستور المقترح اهتماماً كبيراً لدى الأوساط الاقتصادية ورجال الأعمال والمال الذين يساورهم القلق بعدما وجدوا انه لا يوجد في الأفق اهتمام لما يجب أن يتضمنه الدستور ويتناوله من قضايا اقتصادية ذات صلة وثيقة بمستقبل العراق. ويشاطر أستاذ الاقتصاد والمال في جامعة بغداد د. همام الشماع هؤلاء جميعاً قلقهم حيث يرى ان الاقتصاد أصبح اليوم هو المحرك الأساس للسياسة وبموجبه تتحرك دول العالم لضمان مصالحها. ويقول ان العولمة هي نتاج اقتصادي والوحدة الأوروبية هي نتاج اجراءات اقتصادية متدرجة صعوداً إلى الوحدة النقدية التي ستعقبها خلال العقود المقبلة حتماً وحدة سياسية كاملة تذوب فيها جدران الدول لتصبح دولة أوروبية واحدة. ويشير د. الشماع إلى"ان الاقتصاد مثلما يوحد الدول فانه قد يكون بقصد أو بغير قصد أداة لتجزئة دولة قائمة تأريخياً مثل العراق". ويقول انه والجميع يشكون في ان هناك من يضمر الانفصال عن العراق وتجزئته وقد تنصب معظم مطالباته الآنية في الجانب الاقتصادي وعلى تهيئة مقومات الانفصال السياسي عندما يسمح الظرف الدولي بذلك. الدستور المقترح وتوزيع الثروات ويلفت د. الشماع إلى انه لا بد من ملاحظة موضوع توزيع الموارد المالية عند اعداد الدستور خلال الأشهر المقبلة. وقد يبدو هذا الموضوع للوهلة الأولى أنه مطلب مالي مشروع وقد تتساهل فيه النخب السياسية وتتحقق للأطراف المطالبة بهذا التوزيع رغباتها، ويقول انه لا يدعو إلى تركيز الثروات بيد السلطة المركزية كما انه يؤمن وينطلق من مبدأ أن العراق اقتصاد واحد، إلا انه يحذر من انه لا يجوز التعامل اقتصادياً على أساس الأطراف اللامركزية ومتطلباتها المكسبية لأن ذلك قد يؤدي إلى تقسيم اقتصاد العراق وتهيئة المناخ للتقسيم السياسي. ويشدد د. الشماع على ان دعوته تتمثل في مركزية استحصال وجباية الموارد ولا مركزية انفاقها. ويؤكد ان الموازنات التشغيلية الجارية للأطراف غير المركزية يجب ان تكون مبنية على أساس البرامج والأهداف التنفيذية وتكلفة البرامج التنفيذية وليس على أساس التعداد السكاني للطرف غير المركزي. أما ما يتعلق بالتخصيصات المركزية فيدعو د. الشماع أيضاً"إلى ان تكون على أساس الموارد الكامنة وامكان استغلالها مع مراعاة ضرورة أن يكون التوازن التنموي متساوياً للأطراف اللامركزية، خصوصاً ان عدم التساوي في درجة النمو والتطور في هذه الأطراف قد يخلق الكثير من المشكلات السياسية والاجتماعية، فالطرف الأكثر تطوراً سيستقطب رؤوس الأموال والأيدي العاملة والكفايات ويترك الأطراف الأخرى في حالة من التخلف الذي يهيئ العراق للتقسيم السياسي". جباية الجمارك والضرائب وفي ما يتعلق بموضوع آخر غير توزيع الموارد وهو موضوع استحصال وجباية هذه الموارد يقول د. الشماع ان الثروات الطبيعية ملك للعراق كله والمتمثل بالحكومة المركزية التي لها الحق وحدها في استثمار هذه الموارد، واستحصال عوائدها. ويرى"ان الضرائب الجمركية موضوع سيادي لأن توزيعها على الأطراف اللامركزية سيؤدي إلى بناء أسيجة جمركية لهذه المناطق كل بحسب رغبته ونحن نعلم ان السياج الجمركي الموحد هو أساس وحدة أي اقتصاد وان العولمة تقوم على أساس دمج اقتصادات العالم من خلال سياج جمركي واحد يسمى تحرير التجارة العالمية، فكيف يجوز داخل بلد واحد ان تبنى أسيجة جمركية متعددة تجبي حصيلتها الأطراف اللامركزية؟" ويؤكد د. الشماع: إذا كان قانون ادارة الدولة اقر لمنطقة كردستان أن تبقى على وضعها الذي كانت عليه قبل الحرب،"فلا يجوز للدستور الدائم أن يبقى على هذه الحال ومن الضرورة أن ينتقل إلى مرحلة جديدة تجعل العراق منطقة جمركية واحدة وما ينطبق على الضريبة الجمركية ينطبق على ضريبة الدخل". إلا ان هناك ضريبة واحدة غير مطبقة في العراق هي ضريبة المبيعات أو ضريبة القيمة المضافة"حيث يمكن أن تكون جبايتها من صلاحية الأطراف اللامركزية باعتبار ان القيمة المضافة قد تولدت داخل حدود هذا الطرف اللامركزي وكذلك بالنسبة الى ضريبة العقار التي على رغم انها ضريبة موحدة في كل أنحاء العراق فإن جبايتها من صلاحية الأطراف اللامركزية. عدا ذلك فان التحصيل والجباية يجب أن يكونا مسألة مركزية والانفاق غير مركزي على أن تبقى للحكومة المركزية نسبة لا تقل عن 50 في المئة من مجموع الإيرادات السيادية لتوزع ال50 في المئة المتبقية على الأطراف اللامركزية بحسب القواعد المنوه عنها".