أثارت الفقرات المدونة في مشروع الدستور العراقي حول ملكية وإدارة الثروة النفطية استغراب الكثير من المراقبين لما تعكسه من إبهام، سببه بعثرة القرار النفطي بين مراكز عديدة في البلد، مما سيؤثر سلباً على تطوير القطاع ورسم سياسة واضحة وشاملة لأهم مصدر اقتصادي في الدولة. وتشمل أهم البنود المتعلقة بالسياسة النفطية الفقرات الآتية: "المادة 109: النفط والغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات". "المادة 110: أولاً: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها في شكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منه بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون. ثانياً: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار". وعلى رغم أن أوساطاً مختلفة وواسعة في العراق اعتبرت مسودة الدستور المقدمة إلى الجمعية الوطنية خطوة متقدمة في اتجاه طريق العملية السياسية والديموقراطية، إلا أن المحامي نزار فاضل حسون، الناشط في الحقلين السياسي والاقتصادي، كان له وجهة نظر مزجت بين الترقب لما سيؤول إليه التطبيق الفعلي لبنود الدستور، وبين الإحباط فيما احتوته هذه البنود من إشارات، على حد رأيه،"قد لا تكون ملبية لطموح الكثيرين خصوصاً في الحقل الاقتصادي الذي يعتبر مفتاحاً للحلول التي يترقبها المواطن للمشاكل التي يعاني منها حالياً". إلا أن ذلك لم يمنعه من التفاؤل في مستقبل الجهود التي يبذلها الكثيرون لأجل إنجاز العملية الدستورية والديموقراطية على أسس صحيحة. ويقول المحامي نزار فاضل حسون أن ما قرأه في مسودة الدستور المقترحة وفي الباب الثاني المتعلق بالحقوق الاقتصادية"وجدته خطوطاً عامة لا ترتقي إلى مستوى حاجة العراق إلى برنامج نهوض اقتصادي شامل ينطلق من الحاجة المركبة لمعالجة التردي الاقتصادي الذي يعاني منه أصلاً خصوصاً بالنسبة لبناه التحتية المخربة". وأشار إلى انه كان يتطلع إلى معالجات تفتح الباب أمام الاقتصاد العراقي نحو استشراف آفاق رحبة ولكنه"صدم بما قرأه في المسودة من مواد تعالج أموراً شكلية تمكن قراءتها في القوانين والقرارات التي يمكن لها أن تصدر عبر مجلس الوزراء أو أية جهات تنفيذية". المادة 110 وذكر حسون انه وجد في المادة 110 المتعلقة بالسياسة النفطية أفكاراً"لا تصلح للفترة الراهنة التي يعيشها العراق، لأن رسم السياسات النفطية في شكل متكافيء بين الحكومة المركزية وبين حكومات الأقاليم والمحافظات سينزع استقلالية القرار من يد الحكومة المركزية، ويجعل من سياسات الانتاج والتسويق والاسعار عرضة للتقلب بما لا ينسجم مع مصالح العراق العليا والتزاماته مع منظمة أوبك"، ملمحاً إلى"أن حرباً في الأسعار يمكن أن تنشب نتيجة لسياسة الانتاج هذه في شكل يؤدي إلى إغراق السوق النفطية بكميات كبيرة، بخلاف ما ترسمه سياسة منظمة أوبك التي تحرص على ضمان مصالحها في شكل متوازن مع مصالح الدول المستهلكة وضمان عدالة التوزيع لهذه الثروة الناضبة". ويلخص المحامي حسون فكرته هذه بقوله أن الدستور المقترح"ترك مساحة لتحديد سياسة إنتاج النفط، على سبيل المثال، بين بغداد وحكومة محافظة البصرة أو محافظة العمارة، ستجعل من إمكان رسم سياسة عراقية واحدة أمراً مستبعداً جداً - هذا من جانب، ومن جانب آخر فان إعطاء امتيازات لهذه المحافظة وتلك يجب أن يتم على أساس استيعاب الموارد في مشاريع إنمائية، وخصوصاً في مجال الصناعة والزراعة ومشاريع الخدمات. ولا يجوز توزيع الثروات على أسس في غير هذا التسلسل مهما كانت الظروف. فالعراق كله يعاني من تدهور وتخلف في مستويات الأداء الاقتصادي ولا يجوز اجتزاء مقطع واحد منه واعتباره هو التعميم على كامل الصورة". صندوق الأجيال القادمة ولفت الباحث الاقتصادي نزار فاضل حسون إلى الحديث حول صندوق الأجيال المقبلة والذي هو مشروع طموح لا شك"حيث أن هناك شروطاً صارمة يجب اعتمادها في إنشاء مثل هذا الصندوق"، فالعراق"ليس الكويت التي سبق لها وأقامت صندوقاً كهذا لأن الكويت بلد صغير المساحة والسكان والموارد، لذلك فانه غير قادر على استيعاب العوائد المالية الهائلة التي تأتي من النفط ولهذا كانت الكويت تدخرها في صندوق الأجيال القادمة". ويرى حسون أن المرحلة الراهنة بالنسبة للعراق"تقتضي أولاً وقبل كل شيء إحياء المشاريع الصناعية وتطوير قدراتها الإنتاجية وحماية الإنتاج الزراعي وتوسيع الرقعة الزراعية وإقامة مشاريع لاستصلاح التربة ومشاريع الري والبزل"، ثم أن العراق بحاجة"إلى طرق مواصلات حديثة وخدمات في الطاقة الكهربائية ومياه الشرب ومشاريع للصرف الصحي، إضافة إلى معالجة مشكلة الإسكان.وكلها تقتضي منا توجيه موارد العراق نحو معالجة الثغرات في هذه الحقول المشار إليها.وليس في مصلحة العراق حالياً ادخار أموال في مصارف عالمية وتشغيلها في اقتصادات دول أخرى أو حتى شراء أسهم وسندات في مصارف عالمية لأننا في ذلك نبدو كمن يطور اقتصاد غيره ويغفل واقعه الذي يحتاج إلى تغيير". وعلى هذا الأساس، يقترح حسون أن يتم إرجاء النظر في صندوق الأجيال إلى ما بعد 15 عاماً على أقل تقدير. الأنهار الدولية ويوضح حسون ما جاء في المادة 108 - ثامناً، حول الأنهار الدولية والتي لها وضع قانوني دولي يغطي حقوق الدول المتشاطئة عليها، وقال:"أن كثيراً من حقوق العراق تم هضمها بإقامة سدود على حوضي دجلة والفرات والروافد من دون مراعاة للالتزامات التي يمليها القانون الدولي. إلا أن الدستور الجديد بما أعطى لحكومات المحافظات والأقاليم من سلطات، يمكن أن ينشئ وضعاً قانونياً خطيراً يؤدي إلى نزاعات حول حقوق الري بين المحافظات الواقعة على أعالي الأنهر والمحافظات الواقعة في جنوبها خصوصاً. وان وجود سدود في المحافظات الشمالية أو الوسطى يعطي سلطة بموجب الدستور لهذه المحافظات لتأمين حاجاتها من مياه الري بالدرجة الأولى وحاجاتها في حال توسيع الرقعة الزراعية مستقبلاً. ويكون ذلك على حساب الأقاليم والمحافظات الواقعة أسفل تلك السدود، وهذا ما يؤدي إلى نشوب خلافات كالتي نسمع حالياً عنها في شأن تجهيز مدينة بغداد بالطاقة الكهربائية من مراكز إنتاجها في المحافظات الأخرى التي ترى أن حقها يجب أن يوفر في المرتبة الأولى. وإذا ما فاض عن حاجتها يمكن أن يصدر إلى بغدادوالمحافظات الأخرى". الجمارك ويظن المحامي نزار فاضل حسون أن الفقرة"أولاً"والفقرة"رابعاً"من المادة 112 من الدستور"ستحدث تقاطعاً في مستويات الجمارك من منفذ إلى آخر. فقد تكون الاحتياجات المالية في محافظة دهوك على سبيل المثال تختلف عن الاحتياجات المالية في محافظة ديالى، وهذا سيؤدي إلى تضارب في النسب الجمركية على السلعة الواحدة مما سيفضي إلى تذبذب في أسعار السلع الواردة إلى العراق نتيجة عدم توحد الرسم الجمركي على السلع من كل منافذ العراق". ويقول حسون: "أما موضوع سياسات التنمية والتخطيط العام، يجب أن يبقى من صلاحيات السلطة المركزية ويرفد من طريق المقترحات والدراسات الجهوية التي تأتي من الأقاليم". ويضيف:"أما أن يتم رسم هذه السياسات في صورة مشتركة، كما هو منصوص عليه في الدستور، فإن كل طرف من هذه الأطراف سيحرص على أن يجلب لنفسه معظم المشاريع والخطط الانمائية على حساب ما تقتضيه احتياجات المحافظات الأخرى إذا ما علمنا ان العراق يعيش وضعاً متماثلاً في التخلف الاقتصادي". ويشدد حسون على أن نظرة عامة على مشروع الدستور وما ورد فيه من مواد وثغرات"يمكن لنا أن نعده بداية لحوار ارادات أو صراعها، وقد يوضع له حد في الخامس عشر من تشرين الأول اكتوبر المقبل عند الاستفتاء عليه، أو يفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات تقبل كل مفاجأة. وقد تجد السلاسة طريقاً لها على الأرض إذا ما كان الدستور ملبياً لطموحات العراقيين"، ويضيف"في الحقيقة أن الدستور مهما كان مثالياً في صياغاته فان التطبيق هو المعيار الحقيقي لنضج إدارة دفة الأمور".