قبل أن نعرض المشروع السياسي الذي نعتبره حيوياً لا بد من استعراض الحقائق الواقعية في الوضع العراقي الحالي وتتلخص بما يلي: - تنامي ظاهرة الانقسام الطائفي والقومي يعاني العراق اليوم من ظاهرة الانقسام الطائفي على نطاق واسع، وان هذه الظاهرة تتسع وتتصاعد بشكل خطير وملحوظ، فالعراق يغرق في هذا الانقسام، وربما ستكون لذلك نتائج خطيرة في الفترة القصيرة القادمة على رغم أن الجميع من سياسيين وغير سياسيين يحاولون إنكار وجود هذه الظاهرة التي تنمو في شكل يهدد استقرار البلاد. كذلك فإن مشاعر الانقسام القومي بين العرب والأكراد بدأت تتنامى على نحو سلبي غير معهود. أما الحلول والمعالجات المطروحة لمواجهة هذه الظاهرة حتى الآن فهي متخلفة وساذجة وغير واقعية وغير منهجية، تقوم على إنكار ما هو موجود في الواقع. إن مواجهة هذه المشكلة الكبيرة هو في إقامة خمس ولايات فيديرالية على أساس جغرافي على نحو سريع، لنضمن نزع الفتيل المتفجر في الفترة القادمة وفق ما سنفصله في هذا المشروع: - انهيار المؤسسة العسكرية وغياب الجيش المركزي انهارت المؤسسة العسكرية كلياً وتبخر هيكل الجيش العراقي ولم يعد له وجود منذ الأيام الأولى للحرب وقبل صدور القرار بحله. -الأكراد لا يقبلون العودة الى الوضع السياسي السابق إن الأكراد العراقيين بعد أن عانوا الاضطهاد والويلات وتعرضوا للمجازر والخراب والدمار على يد الحكومات المركزية المتعاقبة في العراق طيلة عقود فإنهم لا يوافقون على العودة إلى الوضع السابق، وهم مصرون على النظام الفيديرالي الذي يوفر لهم بصورة قانونية ودستورية الحفاظ على حقوقهم ويلبي مطالبهم ويصون معالم شخصيتهم القومية والاعتبارية كأكراد وكمواطنين عراقيين يساهمون في بناء بلادهم. - السنَّة لا يقبلون بالوضع الحالي على رغم ما تعرض له أهل السنّة في العراق من تصفيات دموية قاسية وما واجهوه من ضغوط وضربات وموجات متعاقبة من التنكيل على يد النظام الديكتاتوري، فإن القناعة السائدة في عموم أوساط الشعب العراقي سواء في أوساط الشيعة أو الأكراد أو القوميات الأخرى أو حتى بعض أتباع المذهب السنّي بأن الحكم في العراق كان يخضع لسيطرة وهيمنة وتوجيه أبناء المذهب السني، ومهما يكن من أمر فإن القناعة العامة السائدة الآن بين أبناء الطائفة السنية هي أنهم قد أزيحوا عن الحكم والسلطة في العراق بعد سقوط صدام وان السلطة لم تعد بأيديهم وان دورهم قد أصبح ثانوياً في الوضع السياسي الجديد، وأن الشيعة والأكراد هم الذين يسيطرون على الدولة والحكم، لذلك فهم غير مستعدين لقبول هذا الوضع ولا يرغبون بالخضوع له في كل الأحوال. - الشيعة يرفضون العودة الى الوضع السابق إن شيعة العراق وهم الأكثرية السكانية في المجتمع العراقي نالوا قدراً هائلاً من الظلم والاضطهاد الدموي والإقصاء السياسي والوظائفي، وحرمت مناطقهم من التطوير العمراني والحضاري والاقتصادي في ظل النظام السابق، وهم الآن، بعد تلك التجربة المرة والدموية، غير مستعدين إطلاقاً للعودة إلى الوضع السابق الذي كانوا عليه مهما كانت النتائج ومهما كان الثمن. وسوف يكون مخطئاً كل من سيبني قناعاته ومشاريعه السياسية على غير هذه الحقيقة الواقعية المرَّة. إن حل مثل هذه الإشكالية الخطيرة لا يمكن أن يتحقق إلا بتطبيق النظام الديموقراطي الفيديرالي الذي لا يسمح بممارسة الهيمنة والتسلط الطائفي والفئوي، ويلغي التنافس على الصلاحيات والمناصب والمصالح التي ستتوزع أساساً على المناطق والولايات الفيديرالية ولا تقتصر على العاصمة. - الأقليات ترفض العودة مجدداً تحت الحكم المركزي الفئوي ان اتباع الطوائف والأقليات الصغيرة الأخرى في العراق يبدون الآن متمسكين بالديموقراطية وبمبادئ الحريات العامة أكثر من أي وقت مضى، وهم يرفضون العودة إلى الوضع السابق كما يرفضون أن يكونوا رقماً هامشياً في معادلة الحياة العراقية. - عجز القوى السياسية غير الطائفية عن التأثير في الأحداث أو توجيه ثقافة المجتمع إن الأحزاب والقوى السياسية القومية أو اليسارية البعيدة من التفكير الطائفي أو الفئوي، فقدت بصورة تامة أو شبه تامة قدرتها على التأثير في الأحداث. كما فقدت السيطرة الحقيقية على التفاعلات الجارية في ثقافة المجتمع العراقي، وهي تبدو تائهة وحائرة وعاجزة في الفترة الراهنة. - شيوع الثقافة الديكتاتورية على رغم سقوط النظام السابق الذي اعتمد على تطبيق نظرية ديكتاتورية العقيدة الواحدة والتسلط والوصاية والتفرد وإلغاء الآخرين ومطاردة المعارضين واغتيالهم وتعذيبهم، إلا أن هذه الأفكار ما زالت شائعة وموجودة في عقل وسلوك الكثير من السياسيين والشخصيات وزعماء الأحزاب والحركات السياسية في العراق. وقد لا يتورعون عن إقامة النظام الذي ينفذ هذه الأفكار الديكتاتورية عند أول فرصة متاحة، وسيجدون في النظام المركزي القديم أفضل وسيلة لإعادة الديكتاتورية. - السقوط المريع للشعارات والبرامج والوعود السياسية إن شعوراً شاملاً بالفجيعة المرة والخيبة يسود بين العراقيين ويسيطر على نفوسهم بسبب الوعود والبرامج الكاذبة التي رفعتها وقدمتها أكثر الأحزاب والقوى السياسية في العراق، سواء كانت ذات طبيعة يسارية أو طبقية أو قومية أو اشتراكية، والتي قادت إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية وعجلت في ظهور النظم الديكتاتورية الدموية المتعاقبة التي سحقت الحركة الديموقراطية وألغت الحريات العامة ودمرت معالم الحياة المدنية الدستورية. لذلك فإن تطبيق النظام الفيديرالي الديموقراطي في أرجاء العراق يشكل رادعاً وضمانة شبه أكيدة ضد عودة المنهج الديكتاتوري في الحكم، لأن السيطرة على العاصمة تعني الهيمنة والسيطرة على النظام في العراق بأكمله كما هو الحال في النظام المركزي البسيط المطبق حالياً. وهذا الأمر سيوفر الاطمئنان للشعب العراقي ويساعده في استعادة توازنه الثقافي والفكري. - عودة الأمل بعد سقوط النظام عاد الأمل إلى كثير من الأشخاص العراقيين في إمكان العمل والإنتاج والتجارة في ظروف الحرية الاقتصادية التي يرجو الجميع أن تسود في البلاد وتتحول إلى تشريعات ثابتة تحمل الصفة القانونية الدائمة والملزمة، بعيداً من الفساد. إن حجم الاقتصاد العراقي الضخم والتوزع الجغرافي المتنوع لمصدر الثروة في العراق يشجع ويساعد على إقرار صيغة النظام الفيديرالي الذي يعتمد على وجود الولايات الفيديرالية القائمة على الإدارة الذاتية اللامركزية. المشروع السياسي المقترح انطلاقاً من الحقائق الآنفة الذكر وفي سبيل إيجاد حل واقعي شامل يكفل حل المشاكل المستعصية ويضمن الحفاظ على وحدة البلاد سياسياً وإدارياً وإقليمياً، نقترح تطبيق المشروع السياسي التالي: المادة أ: تعميم صيغة النظام الفيديرالي للحكم في العراق على جميع مناطق ومحافظات الجمهورية العراقية وعدم اقتصاره على منطقة دون أخرى، وذلك من خلال إقامة خمس ولايات فيديرالية على أساس جغرفي ويكون اسم البلاد جمهورية العراق الاتحادية وتنفذ على الشكل التالي: 1- ولاية كردستان: وتضم كلاً من المحافظات التالية: أربيل - السليمانية - دهوك - كركوك، على أن يكون لكركوك وضع خاص ينص عليه في إطار قانون النظام الفيديرالي المطبق. وباعتبار أن توزيع الولايات الفيديرالية يقوم على أساس جغرافي فلا توجد أي دلالة أو أهمية لانضمام كركوك إلى ولاية كردستان. 2- الولاية الوسطى: وتضم كلاً من المحافظات التالية: الموصل - الأنبار - صلاح الدين - ديالى. 3- ولاية بغداد: وتضم محافظة بغداد بحدودها الجغرافية والإدارية. 4- ولاية الفرات الأوسط: وتضم كلاً من المحافظات التالية: النجف - وكربلاء - وبابل - والديوانية - والكوت. 5- ولاية الجنوب: وتضم كلاً من المحافظات التالية: البصرة - والعمارة - والناصرية - والسماوة. ونظراً الى الوضع المتوتر داخل المجتمع العراقي في جانبه القومي والديني والطائفي بسبب السياسات التي مارستها الديكتاتوريات المتعاقبة، فقد يكون من المفيد أن نوضح بأن بغداد لا يمكن ولا يجوز أن تلحق بأي وحدة إدارية أو أي ولاية فيديرالية من الولايات المقترحة أو الملاصقة لها، والسبب أن الإلحاق سيعطي الانطباع والقناعة للعراقيين وللعالم بأن الحكم في العراق قد أخذ تلك الصبغة المذهبية التي ارتبطت بها بغداد إدارياً. لذلك فمن الأفضل أن تكون بغداد وحدها ولاية فيديرالية قائمة بذاتها خصوصاً ان عدد سكانها كبير وهم يتوزعون توزعاً مذهبياً وقومياً شبه متوازن حيث ينقسمون بين السنة والشيعة والأكراد والانتماءات العرقية والدينية الأخرى. المادة ب: بسبب التمييز الطائفي والقومي الذي مارسته الأنظمة السياسية الديكتاتورية السابقة وعدم توزيع الموارد الاقتصادية في البلاد بصورة عادلة فقد تسبب ذلك في نمو بعض المناطق من العراق مدنياً وعمرانياً على حساب مناطق أخرى لذلك لا بد أن توزع الموارد العامة والثروات القومية والمداخيل المالية بين الولايات الفيديرالية الخمس وفق أحد الأسلوبين التاليين: الأسلوب الأول: أن تحتفظ كل ولاية فيديرالية بالموارد والمدخولات الموجودة في منطقتها الجغرافية لتكون أساساً لاقتصادها وموازنتها التي يفترض أن تكرس كلها من أجل النهوض العمراني والحضاري والتقدم الاقتصادي. على أن تعطى السلطات المحلية صلاحية التوزيع المدروس والعادل لمصادر الثروة في الولاية وفق احتياجاتها الضرورية والواقعية. تجمع الموارد العامة الاقتصادية والمالية مركزياً ثم توزع مباشرة على الولايات بحسب نسبة السكان وعددهم من دون إجراء اقتطاعات تحت أي سبب كان، لأجل تحقيق العدالة والتوازن في التوزيع والحصص التي يحصل عليها المواطنون في المناطق المختلفة. المادة ج: يبقى موضوع الجيش والقوات المسلحة ضمن صلاحيات الحكومة المركزية في النظام الفيديرالي، غير أن إعادة بناء القوات المسلحة في تتطلب مراعاة الأمور التالية: الإفادة من نتائج التجربة السيئة الماضية التي نفذت منذ عام 1921 والتي حولت الجيش العراقي دائماً إلى أداة لحماية النظم الديكتاتورية بسبب سعي الحكام والأنظمة السياسية المتعاقبة للسيطرة على الجيش وإخضاعه لتنفيذ مآربها المعادية للديموقراطية والحريات العامة، وهي السياسة التي تسببت في نمو النزعة الانقلابية داخل الجيش العراقي. لذلك فإن المصلحة الوطنية تتطلب التوجه نحو تأسيس جيش عراقي صغير الحجم والعدد، والتعويض عن العدد الكبير بتطوير المستوى النوعي - التعبوي والتسليحي والمهني للجيش. كذلك ضرورة السعي لتوقيع عدد من الاتفاقات الفاعلة في الدفاع المشترك مع الدول الصديقة والإقليمية لضمان استقلال العراق وحماية نظامه الديموقراطي وسلامة حدوده. مع الاهتمام الجدي بقوات الشرطة الوطنية المحلية وقوات الأمن الداخلي وتطوير أساليبها في العمل. المادة د: يبقى موضوع الثقافة الوطنية من اختصاص وصلاحيات الحكومة المركزية الفيديرالية على أن يراعى فيه الحفاظ التام على مفاهيم الديموقراطية الحرة وعدم السماح إطلاقاً لظهور نزعات جديدة من ديكتاتورية العقيدة الواحدة أو سيطرة الرأي الواحد، وعدم السماح لأي فرد أو حزب أو قومية أو ديانة بأن تفرض رأيها أو موقفها أو عقيدتها على الشعب بالقوة، وهذا الموضوع يتطلب جهداً متواصلاً لتثقيف الشعب العراقي بالثقافة الديموقراطية واستخدام الحوار والإقناع الطوعي وإلغاء مبدأ العنف والإرغام. المادة ه: الصلاحيات في الشؤون الحياتية الأخرى: تطبق جميع القوانين الأخرى المنصوص عليها في النظام الفيديرالي، كما هو متبع في الدول الفيديرالية المتقدمة بما يخدم المصلحة العراقية الوطنية بأفضل الوجوه. مزايا المشروع وفوائده 1- سيعطي المشروع صلاحيات لا مركزية واسعة لجميع مناطق البلاد لادارة نفسها ذاتياً، ما يسهل ويسرع تنفيذ المشاريع والقرارات والقوانين ويقلص معاناة الشعب بسبب الروتين والبيروقراطية. 2- يوقف إلى الأبد الانقلابات العسكرية التي تتسبب في قيام الديكتاتوريات الدموية. 3- يوقف نهائياً الاختلاف أو الاحتكاك القومي بين العرب والأكراد. 4- يوقف هذا المشروع خطر الصراع الطائفي المتوقع حصوله في الفترة القادمة بين السنة والشيعة، لأنه يلغي الاحتكاك التنافسي أو التصادمي بين الطائفتين كما يلغي أي شكل من أشكال الهيمنة الطائفية بحكم التقسيم الجغرافي للولايات. 5- هذا المشروع سيعطي فرصاً أكبر لنمو الديموقراطية الحرة في مناطق العراق. 6- المشروع يطبق آلية عادلة وواقعية لتوزيع الثروات الوطنية والمالية بصورة متوازنة، مما يرفع مستوى معيشة الشعب بوتيرة سريعة. 7- المشروع سيتيح للشعب العراقي الفرصة لانتخاب مسؤولين محليين معروفين لدى الأهالي بنزاهتهم المسلكية وتاريخهم النظيف وقدرتهم القيادية واستقلاليتهم، وهذا الأمر سيكسر احتكار الأحزاب والقيادات السياسية والميلشيات وينهي سيطرتها على المناصب والمراكز والوظائف. 8- سيكون من السهل اختيار رئيس واحد للبلاد بغض النظر عن انتمائه. 9- هذا المشروع يعزز الوحدة الإقليمية السياسية والإدارية للعراق في إطار الحكومة الاتحادية. * كاتب وسياسي عراقي.