وعد القاضي الاماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الستبق رفبق الحريري بالبقاء في منصبه لفترة انتقالية تمكن من ايجاد خليفة له بصورة"هادئة"، بحسب الناطق باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، فيما افادت مصادر مطلعة ان ميليس مستاء من الضغوط والتدخلات في عمل اللجنة. وفي الوقت الذي تبذل جهات دولية جهودا لاقناع ميليس بالبقاء على رأس اللجنة بعد انتهاء تعاقده في مطلع كانون الثاني يناير المقبل، بعث السفير الأميركي جون بولتون، في خطوة غير عادية، برسالة الى الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان يؤكد فيها ان عليه أن يضمن ألا تكون هناك"فجوة"في قيادة لجنة التحقيق وعملياتها، وأن استمرار ميليس على رأسها من شأنه أن يشكل ذات مساهمة مميزة. وعبر بولتون عن قلقه من"استغلال الحكومة السورية لتغيير بالجملة في قيادة اللجنة للمماطلة في التعاون الكامل والتام الذي طالب به قرار مجلس الأمن 1636". وقال:"أكتب اليك لأطلب اجراءات فورية تضمن عدم وقوع فجوة في عمليات أو في قيادة اللجنة... ان ميليس مستمر في القيام بخدمة خارقة للعادة كرئيس للجنة وأنه، كما أخذ المجلس علماً، قام بتحقيق مهني مميز وخارق، وتفضيلنا القوي هو أن يستمر السيد ميليس في قيادة اللجنة". واضاف ان"استمرار قيادته من شأنها ان تعزز جهود الأسرة الدولية لدعم تحقيق الحكومة اللبنانية والمحاكمة على هذا العمل الارهابي بالذات في ضوء جهود الحكومة السورية المستمرة لضرب صدقية أعمال اللجنة". وأنهى السفير الأميركي رسالته الى انان قائلاً:"سأقدر لك بذل الجهود الطارئة للتأكد مما اذا كان السيد ميليس قادراً على الاستمرار في قيادة اللجنة بما يتعدى 15 كانون الأول ديسمبر. فاذا كان غير قادر على ذلك انه لمن الأهمية الحاسمة ان تبدأ فوراً عملية تعريف رئيس اللجنة المقبل لضمان استمرارية جهود اللجنة". وقرأت المصادر الرسالة الأميركية بانها تعني أمرين: اولاً، ان هناك استياء من الأمانة العامة لعدم اتخاذها الاجراءات اللازمة لايجاد خلفاً لميليس على رغم انه أوضح انه لن يوافق على تمديد آخر، من جهة. وثانياً، ان على انان ان يقدم كل ما في استطاعته ان يقدمه ليقنع ميليس بالتمديد ولو لفترة قصيرة. وبحسب مصادر أخرى، ان ميليس نفسه ليس راضياً على تدخل انان بعملية التحقيق ومكان استجواب المسؤولين الأمنيين السوريين وقيامه بفتح قناة موازية مع دمشق، اذ ان ذلك التدخل ساهم ايضاً في اضاعة الوقت وقضم من أعمال اللجنة التي كان في الامكان اتمامها في الفترة الزمنية"الضائعة"في المفاوضات على المكان و"المفيدة للمماطلة السورية". كما ان ميليس غير راض على الأمانة العامة من الناحية المهنية اذ تركت الأمور عائمة حتى آخر لحظة على رغم ما أوضحه لها أنه لن يبقى في المنصب بعدما تنتهي ولايته في الأول من كانون الثاني يناير السنة المقبلة. ووافق ميليس على مساعدة الأمانة العامة لتكون المرحلة الانتقالية هادئة وكي لا تقع فجوة في التحقيق، وذلك حرصاً على التحقيق نفسهل، وعلى قدرة فريقه الحالي من الاستمرار في عمله تحت قيادة جديدة. لكن من غير المعروف الفترة الزمنية لعملية ايجاد خلف لميليس على رغم ان لدى الأمانة العامة اسماء عدة، والأرجح أن لدى ميليس ايضاً أفكارا في هذا الصدد. لكن الشعور العام في الأممالمتحدة أمس كان ان ميليس لن يغادر بصورة تقوّض التحقيق. وحذر السفير الأميركي في تصريحاته الى الصحافة بأن مغادرة ميليس للمنصب"يجب ألا تؤخذ من جهة أي طرف كمؤشر له بتخفيض التعاون مع اللجنة". وكان ميليس وصل امس الى باريس من بيروت. وتحدثت مصادر، في العاصمة الفرنسية، عن ان الزيارة تأتي في اطار مهمته، علما ان غالبية مسؤولي الخارجية الفرنسية، بمن فيهم الوزير فيليب دوست - بلازي يرافقون الرئيس جاك شيراك الى القمة الفرنسية - الافريقية التي تبدأ اليوم في باماكو. وقالت المصادر ان ميليس الذي كان تفرغ لرئاسة لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري لمدة ستة شهور، قد يكون يرغب في عدم تجديد عقده لاسباب شخصية. لكنها اضافت انه اختلف مرارا مع الامين العام للامم المتحدة، خصوصا في شأن مكان استجواب المسؤولين السوريين الخمسة. فهو كان يتمسك باجراء الاستجوابات في بيروت فيما اصر انان على ان تجري في فيينا. كما ان ميليس لم يكن مرتاحا الى الضمانات الروسية بعدم صدور مذكرة الى الانتربول لاعتقال اي من المسؤولين السوريين في حال توجيه اتهام لهم في فيينا. وبحسب المصادر، ان من اسباب استياء ميليس الضغوط التي مورست لازالة اسماء لمسؤولين سوريين من القائمة التي وضعها. ورأت ان المطروح حاليا هو ان يقبل مجلس الامن انهاء خدمات ميليس ويختار شخصية قضائية اخرى تتمتع بالمواصفات التي يتحلى بها، او ان تعمد جهات دولية معنية بالملف الى اقناعه بالاستمرار في مهمته، وهي مسألة قد تلعب فيها ضمانات عدم التدخل دورا اساسيا في حسمها. وفي بيروت، سيطر التأزم على العلاقة بين"حزب الله"وحركة"امل"وسائر اطراف الحكومة اللبنانية بعد رفض فريقي الثنائية الشيعية مجرد البحث في اقتراح طلب لبنان قيام محكمة دولية لمحاكمة المتهمين المحتملين في اغتيال الحريري، في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت اول من امس والتي انتهت الى تأجيل مناقشة الموضوع إثر تهديد"حزب الله"بالانسحاب من الحكومة مع وزراء حركة"امل". وقالت مصادر قريبة الى السنيورة انه بادر، في ضوء الدراسات التي يجري اعدادها حول المحكمة الدولية وعقب المناقشات التي شهدها مجلس الوزراء، الى اجراء اتصالات موسعة مع القوى السياسية حول الطلب الى مجلس الامن انشاء محكمة ذات طابع دولي يمكن ان تكون لبنانية خارج لبنان اومختلطة دوليا ولبنانيا تمهيدا لعرض الامر على مجلس الوزراء. واضافت المصادر ان السنيورة بدأ اول من امس اتصالات مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ويلتقي النائب العماد ميشال عون الاثنين ثم كتلة المستقبل والبطريرك الماروني نصرالله صفير، وانه سيوسع اتصالاته لتشمل بقية القوى السياسية، وانه سيأخذ وقته لبلورة تصور للمحكمة لكنه لن يتأخر كثيرا. وكان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم كرر امس اننا"لا نزال نعتبر ان المحكمة الدولية مشروع وصاية على لبنان... ولا نستطيع ان نكون شهوداً على قرار يسلب لبنان حريته وإرادته". وسألت اوساط سياسية عما اذا كان التأزم الذي نجم عن جلسة مجلس الوزراء اول من امس سيضع التحالف الرباعي بين"حزب الله"وحركة"امل"من جهة و"تيار المستقبل"برئاسة النائب سعد الحريري و"اللقاء النيابي الديموقراطي"برئاسة النائب وليد جنبلاط، في مهب الريح، اذ ان الأخيرين كانا طرحا فكرة مناقشة الطلب من الأممالمتحدة اتخاذ قرار بإنشاء المحكمة الدولية. وأكد وزير الإعلام غازي العريضي امس التمسك بالمحكمة الدولية، وخفف من حجم الأزمة مع الحزب والحركة بالقول:"اننا نتفهم الخلفيات الاعتراض على المحكمة لكن في النهاية لا بد من محكمة دولية لحماية لبنان والعلاقات اللبنانية - السورية. كلما طلب استجواب شخص دارت الاتصالات بين عواصم العالم لاختيار المكان، وزير الخارجية السوري فاروق الشرع رفض مثول احد من السوريين في لبنان وتحدث عن تظاهرات وتظاهرات مضادة، والسوريون قالوا بالأمس عن الفنان السوري الجديد هسام هسام انهم لا يقبلون تسليمه الى لبنان لأسباب امنية، لكل هذه الأسباب لا بد من صيغة تجعل المحاكمة خارج لبنان". وتعليقاً على الأنباء عن رفض وزراء"حزب الله"و"أمل"مجرد طرح الفكرة على مجلس الوزراء خلال الجلسة قال العريضي:"من صلاحيات رئيس الحكومة ان يطرح ما يشاء على جدول الأعمال ومن حق مجلس الوزراء ان يتخذ القرار المناسب". وأكد العريضي ان ترك ميليس لمهمته بعد انتهاء المهلة الأولى للجنة التحقيق"لن يسبب مشكلة وهو سبق ان ابلغ وزير العدل شارل رزق بنيته هذه وان عمل اللجنة سيستمر بتعيين قاض آخر، وأن الأمر ليس مرتبطاً بأي شيء له علاقة بالتحقيق او بالتجاذبات حوله". وكانت"كتلة اللقاء الديموقراطي"عقدت اجتماعاً برئاسة جنبلاط امس لتقويم الموقف، من دون ان يصدر بيان عنها، وذكر مصدر في"اللقاء"ان نوابه اخذوا على وزراء الثنائية الشيعية رد فعلها الفوري برفض مناقشة فكرة المحكمة الدولية الى حد الحؤول دون ان يقول رئيس الحكومة رأيه، ودون الإعلان عنه للرأي العام على رغم انه طرح الأمر من زاوية ضرورة اجراء مشاورات مع الأطراف السياسية حول الفكرة. وذكر المصدر ان فريق الغالبية النيابية"لم يتصرف على اساس ان لديه قدرة على حسم الموضوع بالأكثرية في مجلس الوزراء بل على اساس ان"حزب الله"و"امل"حليفان وشريكان، لكن العتب على حؤول وزرائهما دون مجرد مناقشة اقتراح المحكمة الدولية، وهذا لا يجوز لأن هذا الأسلوب يؤدي الى تعطيل البلد". وأوضح ان اتصالات تجرى لمعالجة الموقف خصوصاً ان ما حصل"يأتي في ظل استخدام النظام السوري كل الوسائل الهجومية على لجنة التحقيق الدولية والغالبية النيابية". وكان الشيخ قاسم اكد في حديث ل"وكالة الأنباء المركزية"المحلية"اننا رفضنا فكرة المحكمة الدولية لأننا ضد المزيد من إدخال الواقع الدولي الى بلدنا والتحكم الدولي بمسارنا السياسي". واعتبر ان المحكمة"لا تنشأ إلا بعد الانتهاء من التحقيق وإذا كان التحقيق سيمدد له ستة اشهر وربما اكثر من ذلك كما قال ميليس، فما معنى العجلة في صيغة المحكمة... ومن حيث المبدأ، المحكمة الدولية مرفوضة لأنها تجعل لبنان في مهب الريح والقرار خارج سلطة القضاء اللبناني والجو اللبناني... ولا ثقة لدينا بالإدارة الأميركية التي تتحكم بمجلس الأمن". وتحدث عن طرح نقاط"كأنها مفروضة على مجلس الوزراء". وأوضح ان الحكومة ائتلافية و"يقتضي التفاهم بين اطرافها المختلفة على طرح القضايا الكبرى والحساسة ولا يمكن التصرف داخلها على قاعدة الأكثرية والأقلية او الغلبة والاستضعاف".