عودة الى المحافظين الجدد - 3 أقارن أحياناً بين المحافظين الجدد وأسأل: أيهم أسوأ؟ ولا جواب فأحدهم أسوأ من الآخر، وكلهم دخل الادارة لخدمة اسرائيل على حساب مصالح الولاياتالمتحدة نفسها. غير انني كنت أعود الى السؤال وأجد دوغلاس فايث في كل مرة قرب رأس القائمة، فاسمه لم يهبط عندي يوماً عن المرتبة الثالثة سوءاً وتطرفاً واسرائيلية ليكودية ضد السلام. فايث استقال من عمله وكيلاً لوزارة الدفاع في الصيف، وكتبت في هذه الزاوية محتجاً ان لا يجوز لمسؤول لفق معلومات الاستخبارات وزاد وأنقص تبريراً لحرب على العراق ان يترك العمل من دون تحقيق رسمي، أو محاكمة، فأنا اعتبره بين المسؤولين عن قتل مئة ألف عراقي وأكثر من ألفي أميركي حتى الآن في حرب اسبابها كاذبة بالمطلق، فالعراق لم يكن يملك اسلحة دمار شامل، او على علاقة مع القاعدة، ولم ينفذ برنامجاً نووياً من أي نوع. أجهزة الاستخبارات الاميركية التقليدية عجزت عن توفير المعلومات المطلوبة لشن حرب فكان ان نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز وفايث أسسا مكتب الخطط الخاصة تحت اشراف فايث لتقديم المعلومات المطلوبة كما وفرها، بحسب الطلب، أحمد الجلبي وغيره من العملاء العراقيين، فقد بقي الجلبي يقبض 340 ألف دولار في الشهر من الاستخبارات الأميركية الى ما بعد احتلال العراق. وهكذا كان وقدم رجال المؤتمر الوطني العراقي معلومات كاذبة عن أسلحة كيماوية وبيولوجية، وعن برنامج نووي، كما جرى التركيز على علاقة مزعومة مع القاعدة، وعلى جهد مشترك بينهما للحصول على أسلحة دمار شامل. قلت محتجاً بعد استقالة فايث انه لا يجوز ان ينجو من دون محاكمة، وقد أسعدني جداً ان أسمع اخيراً ان المفتش العام للبنتاغون وافق على طلب من الكونغرس للتحقيق في معلومات الاستخبارات التي قدمها فايث الى الادارة عشية الحرب. وقرأت ان مكتب المفتش العام بلّغ مجلس الشيوخ في 19 من الشهر الماضي انه قرر التحقيق في معلومات فايث بعد ان تلقى طلباً من الاعضاء الجمهوريين في لجنة الاستخبارات، وطلباً آخر من الاعضاء الديموقراطيين. وفي حين وعد مكتب المفتش العام بتسريع التحقيق، فإن مصادر المكتب قالت ان المهمة في حاجة الى ستة أشهر على الاقل. وشخصياً لا أتوقع لمسؤول في وزارة الدفاع ان يدين فايث، لأن هذا لم يتصرف وحده، والتهمة ستطاول حتماً بول وولفوفيتز والوزير دونالد رامسفيلد الذي اصر دائماً على ان المعلومات عن اسلحة العراق وعلاقته مع القاعدة اكيدة ولا تحتمل أي شك. فايث محام، وكان قبل العمل الحكومي نصف شركة المحاماة"فايث وزيل"، وهي شركة صغيرة لها مكتب دولي واحد. أين؟ في اسرائيل طبعاً. وكان اكثر عمل الشركة تمثيل مصالح اسرائيلية، وأشار موقعها على الانترنت في البداية بصراحة الى هذه العلاقة وقال ان فايث"يمثل شركات انتاج الاسلحة الاسرائيلية"، الا انه بعد ان عين وكيلاً لوزارة الدفاع اخفى صفاته القديمة، بل ان الشركة كلها تغير اسمها لتصبح زيل وغولدبرغ. وقرأت ان الشركة هذه روجت لعمل مجموعة القانون الدولي العراقية التي وصفت نفسها بأنها تريد مساعدة رجال الاعمال المهتمين بدخول السوق العراقية. وتشرح مجلة"تايم"دور فايث في منح العقود، فهي في عدد لها السنة الماضية نشرت مقالاً تحت العنوان"اتباع اثر الاوراق: هل أقر تشيني الصفقة؟"ونسبت فيه الى ستيفن براوننغ من سلاح الهندسة في الجيش ان فايث اقر عقداً لبناء خط أنابيب. وقال براوننغ انه والجنرال جاي غارنر، ممثل الاحتلال قبل بول بريمر، قابلا فايث الذي بلّغهما انه منح العقد لشركة هالبرتون، شركة تشيني القديمة، من دون أي طلب عطاءات. سالم شلبي كان مسؤولاً عن مجموعة القانون الدولي للعراق، وعمّه أحمد يسهّل الامور في مجلس الحكم الذي عمل سالم مستشاراً قانونياً له ايضاً. وقالت المجموعة في الدعاية لنفسها عبر موقعها على الانترنت انها تمثل بعض كبريات الشركات والمؤسسات في العالم، وان هناك شركات تدعي تقديم النصح، الا ان المجموعة موجودة في العراق وتعمل عن كثب مع ادارة التحالف الموقتة ومجلس الحكم والوزارات الجديدة من نفط وعمل وشؤون اجتماعية. وهكذا فبعد ان كان دوغلاس فايث يملك شركات السلاح الاسرائيلية ودخل الحكم ليسعى في خراب العراق، خرج وبراءة الاطفال في عينيه ليعود الى العمل في شركة المحاماة، وليستفيد مادياً على حساب ارواح العراقيين وبلدهم المدمر. وأسأل نفسي هذه المرة ايهم أوقح، دوغلاس فايث او أحمد الجلبي؟ عندما أسست المجموعة العراقية لم تسجل باسم سالم شلبي، وانما باسم مارك زيل، وعنوانها هو عنوان زيل وغولدبرغ نفسه، ونسبت"ناشونال جورنال"الى سالم قوله ان المجموعة هي بمثابة"مستشاري تسويق"اتصلت بشركات محاماة في واشنطن ونيويورك وسألتها ان كان زبائنها مهتمين بالعمل في العراق. وهذا الكلام يتفق مع قول شركة زيل وغولدبرغ انها أسست"قوة عمل"تتابع الفرص التي برزت بعد نهاية الحرب في العراق. أحمد الجلبي يستحق محاكمة بدوره، فهو كان لاعباً رئيساً في الكذب والتلفيق الذي ادى الى تدمير العراق. ومثل هذه التهمة اهم كثيراً من النصب والاحتيال، او محاولة الاستفادة على حساب ارواح العراقيين. وبصراحة، لا أتوقع نتائج سريعة، فالادارة الاميركية تدافع عن كل مسؤول متهم، لأن اصبع الاتهام سيظل ينتقل صعوداً. غير انني واثق من ان النظام الاميركي بعدله وديموقراطيته ومؤسساته العريقة لن يترك الجريمة تمر من دون عقاب، فلعل علينا ان ننتظر ادارة جديدة لتنتصر العدالة. وللحديث بقية.