في بداية العصر الاسلامي نُهي المسلمون عن القتال لسنوات بنص القرآن، لأنهم كانوا ضعفاء، وكان ميزان القوى بينهم وبين أعدائهم مختلاً اختلالاً كبيراً. كذلك الحكم إذا هاجمهم عدوهم وكانوا ضعفاء ايضاً سُمح لهم بالفرار. فقد حددت سورة الأنفال الآيتان 65-66 الميزان ب1: 10 في حال القوة، وب1: 2 في حال الضعف. ولكن ميزان القوة بيننا وبين أعدائنا في الوقت الحاضر اضعاف اضعاف هذا الفارق، حتى لو اجتمعنا له جميعاً. فقد نمنا طويلاً لنستيقظ على قوة العدو وتراثه، ولم نكن نحاول ان نتقارب معه في الثروة والقوة. ان مواجهة العدو المدجج بأسلحة الدمار الشامل وهو يزعم انه يبحث عنها في بلادنا، وبالألاعيب الاستراتيجية والاستخباراتية في حال الضعف هي عملية انتحارية، وليست عملية بطولية ولا استشهادية. ويجب اتخاذ قرار الموقف من العدو على وجه الاستقلال تماماً، وفي غاية الدقة، والحذر حتى من الحلفاء والخطباء والمتحمسين والخبثاء ان يورطونا. ان كل دولة وكل جماعة تضارب على تأجيل دورها في كارثة الحرب، ولو لمدة قصيرة، لعل الله يحدث بعد ذلك امراً. وقد تتغير التحالفات بعد الدخول في الحرب ومواجهة العدو ودمار البلاد والعباد. ولا يمكن لأي دولة عربية ان تعتمد على دولة اخرى عربية. كما لا يمكن الاعتماد على البلدان الاجنبية الكبرى، لأن اميركا تتزعم هذه البلدان وتقودها في مجلس الامن وسائر المنظمات الدولية بنسبة مئة في المئة بالإجماع، في حين ان زعماء العالم الثالث لم يحصلوا من رعيتهم على اكثر من نسبة 99 في المئة! وهذه الدول الكبرى تفضل الوقوف مع القوي ولا تبالي ان تعرض عن صاحب الحق، وتقاتله، بغية الحصول على حصة من كعكة الغنائم. وشعوب هذه الدول الديموقراطية ليست ديموقراطية، فلا تخطر على بالها وعلى بال مفكريها وجماعاتها إلا بعد فوات الاوان، عندما يخطر في بال المعارضة مثلاً ان يلعبوا بنا كورقة انتخابية لكي يهزموا الحكومة عندهم في انتخابات الرئاسة الاميركية، وليس من اجل المبادئ والاخلاق والدين والحياء وإحقاق الحق وإقامة العدل. فكل هذا تمت تنحيته في الغرب عن العلم والعمل والسلوك. إن القول بأن الموت بالمواجهة والمقاومة خير من الموت من دونهما، هذا صحيح في حال التقارب في ميزان القوى، وليس صحيحاً على اطلاقه. وعمليات المقاومة اختلط فيها الحابل بالنابل، بعضها يلبس لباس المقاومة وهو متواطئ مع العدو كي يقدم له ذرائع الحرب، والعدو لا يعدم الذرائع على كل حال، اذ يعمل على خلقها ان لم يجدها. وبعض المقاومة قد يكون حسن النية، لكنه يعمل لمصلحة العدو وهو لا يدري، بل يظن انه سيدخل الجنة! إن هذه المقاومة مقاومة مخترقة من العدو، والعدو يقف فيها من خلف الستار. ولا ندري هل على سورية ان تحمي العراق منها أم ان تحمي نفسها من العراق؟ على سورية ان تنزع كل فتيل للحرب، حتى لو اقتضى الامر اجراء تغييرات جذرية في القيادة، وإعادة توزيع السلطة والمسؤولية، وإشراك جميع القوى. وسيذكر التاريخ لهؤلاء تضحيتهم بالكراسي والمناصب من اجل المصالح العليا للأمة السورية والعربية، حتى ولو لم يكن أي منهم مخطئاً. ان العدو يعرفنا اكثر مما نعرف انفسنا، ويعرف ديننا اكثر منا، فلا يجدي الكلام معه عن آداب التحقيق والقضاء في الاسلام، من حيث الاستقلالية والنزاهة والإنصاف، للتعريض بلجنة ميليس وغيرها من اللجان الدولية، كما لا يمكن مخاطبته بالعدل والإحسان والمنطق والحجة، فالعلاقة بيننا وبينه ليست علاقة حق، بل هي علاقة قوة. وهو يعتقد بأنه لولا الحق لما وصل الى القوة. ليست المسألة مسألة الحريري وميليس وصدام، هذه تفاصيل يشغلنا بها عدونا استكمالاً لحربه ولإيقاع الفتن والحروب الاهلية بيننا. والعدو الاميركي يستأسد على الضعفاء، لينتقل بعد ذلك الى الاقوياء. د. رفيق يونس المصري