باتت أوساط سياسية في الكويت تشعر بأن"الحسم"الذي وعد به الامير الشيخ جابر الاحمد الصباح لانهاء الخلاف القديم المتجدد بين اقطاب أسرة آل الصباح الحاكمة، لن يتحقق قريباً. وترى هذه الاوساط ان التسوية التي يجب ان تسبق هذا الحسم ما زالت صعبة الانجاز بين جناحين في الأسرة، يسعى كل منهما الى حصة اكبر من السلطة بينما ظروف الواقع لا تسمح بها. وفي انتظار ذلك فان"العوامل الطبيعية"تظل هي الاقدر على الحسم. وكان الوعد بالحسم جاء على لسان الامير خلال اجتماع عقده في العاشر من تشرين الاول اكتوبر الماضي مع رئيس الوزراء الشيخ صباح الاحمد ورئيس مجلس الامة البرلمان جاسم الخرافي، وهو الاجتماع الذي كُلِف الخرافي خلاله بنقل رسالة من الامير الى النواب، يضع فيها ثقته الكاملة بالشيخ صباح ويعد بحسم الخلاف الذي ظهر الى السطح بعد تصريحات لافتة لرئيس الحرس الوطني الشيخ سالم العلي، انتقد فيها الحكومة متهماً رئيس الديوان الاميري الشيخ ناصر محمد الاحمد بتجاوز الدستور في ما يختص بصدور المراسيم الاميرية. وفيما يُظهر فرع آل جابر الآن قدرة اكبر على ملء المساحات السياسية وفي الاتصال بالقوى الشعبية والتفاعل معها، فان هذا لم يكن الحال دائماً. اذ تقاسم هذا الفرع مع فرع"آل سالم"المسؤوليات السياسية والمناصب منذ خمسينات حتى آخر تسعينات القرن العشرين مع مشاركة محدودة للفروع الاخرى. لكن ظروف المرض التي اصابت قطبين مهمين في آل سالم هما ولي العهد الشيخ سعد العبدالله ووزير الدفاع السابق الشيخ سالم الصباح، قلصت كثيراً حضور هذا الفرع داخل السلطة التنفيذية، فصار له الآن حقيبة وزارية واحدة في مقابل اربع حقائب لآل جابر. وشجع هذا الوضع عدداً من الشيوخ من الفروع الاخرى للأسرة على الالتفاف حول الشيخ سالم العلي، وهو القطب الاكبر سناً في آل الصباح، ودفعه الى ممارسة دور سياسي أكبر لاعادة التوازن في توزيع الحصص والنفوذ داخل الحكومة. واجرى الشيخ سالم اتصالات وعقد اجتماعات لم تثمر ضمن نطاق الاسرة لتحقيق هذا التوازن، فلجأ الى الصحافة المحلية موجهاً من خلالها انتقادات لاقطاب آخرين في السلطة اعتبرت سابقة. الخلاف... الى العلن هذه التطورات جعلت خلافات الاسرة الحاكمة شأناً عمومياً لدى الجمهور، ودخلت دهاليز البرلمان خبات نواب يتناولونها خلال الجلسات البرلمانية، وهذا أمر لم يكن متخيلاً حدوثه قبل شهور قليلة فقط. ففي الجلسة الاخيرة لمجلس الأمة وقف اكثر من نائب ليتناول هذا الموضوع، وتحدث رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب محمد الصقر عن ترتيب بيت الحكم، قائلاً:"انا سعيد لأن سمو الأمير شعر معنا بهذه القضية، وقرر حسم الموضوع، وكثيرون من الكويتيين سعداء بأن هذا الموضوع سيحسم لكننا نريده ان يحسم بالطريقة الصحيحة". وانتقد الصقر ظهور الخلاف الأسري في وسائل الاعلام، وقال:"ربما تكون أسرة آل الصباح من اكثر العائلات الحاكمة في المنطقة شرعية لأنها لم تأت الا بالطريق الدستوري الذي نصت عليه المادة 4 من دستور عام 1962، والكثير من المشكلات التي تحدث في هذا البلد هي بسبب هذا الخلاف، ولا نريد ان ننتصر لطرف ضد آخر في هذا الموضوع، بل نريد ان يحل الموضوع بالطريقة الصحيحة، داخل الاسرة وبالتوافق". وحذر من ان ما يحدث ليس في مصلحة الكويت و"كلما صار هناك انتقادات وبلبلة ففي ذلك اضعاف للحكم، بالتالي اضعاف للبلد، يدخلنا في دهاليز مظلمة". واعترضت الحكومة على تناول النواب هذه القضية، وقال وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء محمد شرار ان"الاسرة الحاكمة متماسكة ونلتف حول محبتها، وان وجدت خلافات فهذه توجد في كل أسرة ولا يجوز طرحها للنقاش العام لأن لكل أسرة خصوصيتها". وبينما تبارت الصحف الكويتية اخيراً في تناول الخلافات في أسرة الصباح بشيء من المجاملة والمراعاة، فان صفحات الانترنت تناولت الموضوع من غير تحفظ. وكان من ابرز المعلقين في الشبكة المحامي محمد عبدالقادر الجاسم رئيس تحرير صحيفة"الوطن"الكويتية سابقاً، والذي اجتذبت مقالاته في موقعه الالكتروني جمهوراً واسعاً من الكويتيين، خصوصاً انتقاداته اللاذعة للحكومة الحالية ولمجموعة الشيوخ والمستشارين التي تحيط برئيس الوزراء، ويعتبرها هو جزءاً رئيساً من المشكلة. وفي مقاله المنشور في 23 آب اغسطس الماضي، كتب الجاسم عن الخلاف الطافح بين الشيخ صباح الاحمد وبين الشيخ سالم العلي، معتبراً ان"مصلحة الكويت تحتّم ان يتواجه الشيخ سالم العلي والشيخ صباح بدلاً من تبادل الرسائل عبر الصحافة، وان يناقش وضع الاسرة والاحتمالات التي قد تواجهها في ما يتصل بترتيبات الحكم، وان يصلا الى حل منطقي يخدم مصلحة الكويت بعيداً من أي تسريبات قديمة أو مواقف سابقة". ورأى الجاسم ان على الشيخين ان ينتبها الى الصفة الموقتة للوضع الحالي، ولأي صفقة لتسوية الخلاف، وكتب الآتي:"أود ان اذهب بعيداً في القول ان على الشيخين ان يتعاملا مع الامر تحت مظلة ان أي ترتيبات تتعلق بهما شخصياً هي ترتيبات موقتة، فسواء اتفق على ان تكون الامارة للشيخ سالم العلي وولاية العهد للشيخ صباح، أو قرر الشيخ سالم العلي الابتعاد عن أي منصب، فالمهم ان يدركا ان الترتيبات التي تخصهما في شكل مباشر هي ترتيبات موقتة، ونحن نحتاج الى ترتيبات ذات مدى أبعد". "الظروف الطبيعية" وبينما فهم بعض الاوساط ان احتجاجات فرع آل سالم وبقية الفروع على الادارة الحالية للحكومة تمكن مواجهتها بتسوية تمنح هذه الفروع بعض المكاسب والحقائب الوزارية، قال ل"الحياة"مصدر قريب من الاسرة ان مثل هذه التسوية لم يناقش"لأن الحوار بين الطرفين ما زال بعيداً من تناول التفاصيل، والقائمين على السلطة التنفيذية حالياً يرون ان ليست هناك حاجة لحل أي خلاف، وطالما هناك أمير وهناك ولي عهد يملآن هذه المواقع الدستورية لا حاجة لتحريك أي موضوع، وانه يجب ترك الامر للظروف الطبيعية لتحل هذه القضية كما حلتها في دول اخرى عربية". ولفت هذا المصدر الى ان القيادة الحالية للسلطة غير مهتمة بأي تعديل وانها دفعت الى ادخال مجلس الامة في القضية لأن الشيخ سالم العلي ادخل الصحافة فيها، ومع غياب أي مؤشر الى الحسم الموعود لا يمكن استبعاد المفاجآت خصوصاً اذا كانت عودة الهدوء الى الساحة أحد متطلبات اعلان التغيير، والهدوء عاد أو كاد. وكما العادة في الكويت، استمرت التسريبات عبر الصحافة حول سيناريوات التغيير، ومنها ما افترضه بعض الجهات من ان الحكومة ستلجأ الى حل مجلس الامة متذرعة بالمطالب غير الموضوعية لبعض النواب اخيراً، في شأن توزيع فائض مبيعات النفط هذه السنة على المواطنين، وان فترة الحل وغياب الديموقراطية ستستغل لتمرير التغييرات في بيت الحكم، ولاعادة توزيع الدوائر الانتخابية لاستبعاد النواب"المشاكسين". لكن مثل هذا السيناريو يُطرح كلما اثيرت مشكلة سياسية في الكويت، والحسابات المنطقية تستبعده. فالحكومة لديها سيطرة على غالبية نواب المجلس الحالي، ولا يوجد من الناحية الدستورية عائق داخل البرلمان يحول دون معالجة الاسرة الحاكمة خلافاتها، باستثناء ما يتعلق بالتصديق على اختيار ولي عهد جديد، وهذا يمكن تحقيقه في التشكيلة الحالية للمجلس، اكثر من أي مجلس في رحم الغيب. ملف الدوائر الانتخابية اما ملف الدوائر الانتخابية فتلفه تعقيدات كثيرة، والحكومة كانت تعهدت تغيير الدوائر على نحو يكفل محاربة القبلية والطائفية وجرائم شراء الاصوات، لكن نواب المعارضة يشككون في صدقيتها. وعقدت اللجنة الوزارية المكلفة النظر في هذه القضية اول اجتماعاتها الاربعاء الماضي، برئاسة وزير الداخلية الشيخ نواف الاحمد الذي انتقد في كلمة افتتح بها الاجتماع التوزيع الحالي للدوائر، الذي كانت الحكومة استحدثته عام 1981 وقال الوزير ان هذا التوزيع"تسبب في خلق مظاهر غير مألوفة بدأت تطفو على السطح، بملامحها القبلية والعشائرية والطائفية والفئوية". ونبه الى ان اصلاح النظام الانتخابي"لن يقتصر على تعديل الدوائر فحسب بل يغطي كل جوانب هذا النظام، خصوصاً عقب حصول المرأة على الحقوق السياسية". وكانت المعارضة البرلمانية اقترحت نظام الدوائر الخمس بدلاً من 25 حالياً، لكن اكثرية النواب لا تحبذ الدوائر الكبيرة. وطرحت الحكومة تصورين، يتضمن كل منهما جعل الكويت عشر دوائر انتخابية كما كان الحال عند بداية العمل بالدستور عام 1963. ويشكك نواب المعارضة بجدية الحكومة في ذلك، ويقولون انها"تراهن على خلافات النواب على توزيع الدوائر كي يغرق المشروع ذاتياً، من دون ان تحتاج هي الى اغراقه".