الاتصالات التي تلقاها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من كبار المسؤولين المصريين والقطريين وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى عشية الاستعدادات للقاء رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي الالماني ديتليف ميليس والمستشار القانوني في الخارجية السورية رياض الداودي في برشلونة للاتفاق على مكان بديل من المونتيفردي للاستماع الى افادة الضباط السوريين الستة، اتاحت له الفرصة لسؤال المتصلين به عن جدوى استمرار الحملات الاعلامية السورية ضد اطراف لبنانيين خصوصاً انها تنطوي على توجيه تهديدات مباشرة لهم. وابدى المتصلون بالسنيورة، وبحسب قول مصادر وزارية ل"الحياة"، تفهمهم لوجهة نظر رئيس الحكومة من ان المجتمع الدولي يراقب عن كثب المواقف السورية خصوصاً بالنسبة الى تمادي الاعلام السوري الرسمي في هجومه على رموز سياسيين في لبنان، اضافة الى انه لا يزال يضع اداء دمشق تحت المجهر وبالتالي يصر على تعاونها مع لجنة التحقيق الدولية. وفي هذا السياق علمت"الحياة"ايضاً ان المتصلين بالسنيورة تمنوا عليه المساعدة في البحث عن مكان حيادي للاستماع الى الضباط السوريين الستة، وان الاخير أكد لهم ان القرار يعود الى ميليس وان لا دور للبنان على هذا الصعيد، وانه لم يسأل عن رأيه، اما في حال السؤال عن رأيه فانه يرى ان من المستحسن اختيار مكان آخر غير المونتيفردي انطلاقاً من ان الحكومة وان كانت غير معنية باختيار المكان فانها ليست في وارد ابتزاز دمشق أو دفعها الى المزيد من توتير الاجواء بعد ان افرغ الاعلام السوري كل ما في جعبته من تهديدات واتهامات مباشرة، اقل ما يقال فيها انها تشكل استهدافاً للاستقرار العام في البلد. وبناء للاتصالات التي تلقاها، فقد بادر السنيورة الى الاتصال بالامين العام للامم المتحدة كوفي أنان ونقل اليه ان لبنان يستحسن البحث عن مكان بديل للمونتيفردي لاجراء مقابلات مع الضباط السوريين الستة المشتبه بهم... وهذا ما ابلغه لاحقاً للمعاون السياسي للامين العام للامم المتحدة ابراهيم غمباري عندما التقاه في بيروت. وتبين ايضاً بحسب المعلومات المتوافرة ل"الحياة"ان دمشق لم تكتف بالطلب من الدوحة والقاهرة وجامعة الدول العربية التوسط لدى السنيورة للعب دور في التوافق على مكان حيادي للاستماع الى الضباط السوريين بذريعة ان صرف النظر عن المونتيفردي من شأنه ان يريح الاجواء من وجهة النظر السورية وان يبعد المقابلات مع الضباط عن التوتر، وانما سارعت الى توسيط امين عام المجلس الاعلى اللبناني ? السوري نصري خوري. كما تبين ان السنيورة لم يبادر الى الاتصال ب"أنان"الا بعد التشاور مع الرئيس اميل لحود واطلاعه على ما سمعه من الوسطاء العرب. وهكذا فان السنيورة نجح في لعب دور ايجابي لدى أنان على رغم ان دمشق لم توقف حملاتها الاعلامية الرسمية مع ان الوسطاء العرب سارعوا الى استيضاحها الامر وحاولوا ثنيها عن متابعة هذه الحملات التي لن تخدم الرغبة في الحفاظ على الاستقرار، وعدم تعريض الوضع الداخلي الى انتكاسة على خلفية المداخلات السورية العلنية وابرزها الدعوة الى التظاهر لاسقاط السنيورة وحكومته في الشارع جراء غضبة الجوع. لذلك، بدا واضحاً ان السنيورة رفض معاملة دمشق بالمثل وأصر على سحب أي ذريعة لبنانية من التداول يمكن ان تؤثر في القرار النهائي لميليس في اختيار مكان حيادي لمقابلة الضباط السوريين في ضوء اصراره على رفض الاقتراح السوري باختيار مقر قوات الفصل التابع للامم المتحدة في هضبة الجولان مكاناً بديلاً. وعليه فان البحث يدور حالياً في اختيار فيينا للاستماع الى افادة الضباط السوريين لا سيما ان التدخل العربي والدولي لدى ميليس بقي محصوراً في صرف النظر عن المونتيفردي ومقر قوات الفصل في هضبة الجولان على ان يترك له اختيار المكان المناسب. كما ان الوسطاء العرب والدوليين بحسب مصادر لبنانية مواكبة للتحقيق في جريمة اغتيال الحريري، يحذرون دمشق من اللعب على عامل الوقت تأكيداً منهم ان لا خيار امامها سوى التعاون مع لجنة التحقيق من اجل جلاء الحقيقة في الجريمة ومعرفة الجهة التي خططت لها ونفذتها او تورطت في التشويش على التحقيق، وهذا ما يشكل القاسم المشترك بين الحكومة والمجتمع الدولي، ناهيك أن هؤلاء يعتقدون بأن دمشق كانت في غنى عن تحديد مكان جديد للاستماع الى الضباط السوريين لو أحسنت التعامل مع ميليس وبادرت الى التعاون مع التحقيق الدولي عندما انتقل الاخير اليها في 20 ايلول سبتمبر الماضي، بدلاً من ان"تتشاطر"في محاولة لكسب الوقت. واوضحت المصادر انها لا تستبعد ان يكون الحل الوسط الذي يدفع باتجاه التوافق بين ميليس ودمشق على اختيار مكان بديل قد يكون احدى المدن القبرصية وعزت السبب ان قربها من سورية ولبنان يتيح للجنة التحقيق اجراء مواجهات بين الضباط الستة من جهة وبين الضباط اللبنانيين الاربعة وهم اللواءان جميل السيد وعلي الحاج والعميدان ريمون عازار ومصطفى حمدان الموقوفون حالياً في سجن روميه بتهمة التورط في الجريمة، اضافة الى شهود جدد يمكن ان تطلبهم اللجنة من اجل الاستماع الى افاداتهم، اضافة الى آخرين كانت استمعت اليهم وبينهم وزراء ونواب سابقون. ولفتت المصادر الى ان لجنة التحقيق ستأخذ بالعامل اللوجستي لجهة احضار الضباط اللبنانيين الموقوفين أو الشهود في الاعتبار، خصوصاً ان ميليس يتعامل مع التحقيق الذي كانت اجرته اللجنة في ضواحي دمشق على انه جاء اقل مما كان يتوقعه. ورأت ان ميليس ينتظر الجواب السوري النهائي الذي سينقله اليه الداودي ليبني على الشيء مقتضاه، ويبادر الى تحديد المكان للاستماع الى الضباط السوريين، مشيرة ايضاً الى ان القيادة السورية تحاول قبل موافقتها على اقتراح رئيس لجنة التحقيق جس نبض الاخير من خلال وسطاء عرب ودوليين لمعرفة السقف الذي حدده في تكرار طلبه الاستماع الى الضباط، وما اذا كان في نيته طلب توقيفهم لدى الانتهاء من تدوين افاداتهم واجراء مقابلات بينهم وبين الضباط اللبنانيين الموقوفين وشهود، بعضهم كان ورد اسمه في تقريره الاخير الى مجلس الامن الدولي.