استقطبت محاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين اهتمام العراقيين في مختلف المحافظات وتسمر الآلاف أمام شاشات التلفزيون وهم يشاهدون رئيسهم السابق المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فيما شهدت مدن عدة تظاهرات تندد بالمحاكمة، لا سيما تكريت والعوجة مسقط رأس صدام حسين. وخضعت بغداد الى إجراءات أمنية مشددة تميزت بانتشار كثيف لقوى الشرطة والجيش العراقيين ولم يحل ذلك دون سقوط قذائف هاون على المنطقة الخضراء التي احتضنت جلسة المحاكمة من دون خسائر تذكر. وفي بلدة الدجيل التابعة لمحافظة صلاح الدين، شمال بغداد، التي تعرض سكانها لحملة اعتقالات واسعة منذ ثلاثة وعشرين عاماً إثر محاولة اغتيال صدام باطلاق عيارات نارية على موكبه الذي كان عائداً من تكريت إلى بغداد مروراً بالبلدة، تظاهر العشرات من الاهالي وهم يحملون صور اقاربهم الذين قضوا نحبهم على أيدي الاجهزة الامنية السابقة مطالبين بانزال عقوبة الاعدام بصدام ورموز نظامه. لكن أبناء العوجة شككوا بشرعية المحكمة، وتجمع شباب المدينة وعشيرة صدام في ملعب المدينة احتجاجاً على الحكومة العراقية والوجود الأجنبي. وانطلق المتظاهرون من العوجة الى مدينة تكريت حاملين صور صدام ولافتات نددت بالمحكمة والحكومة. ونظمت تظاهرة مماثلة عشية يوم المحاكمة وعادت صبيحة اليوم التالي واستمرت طوال النهار. واستنكر عدد من أبناء العوجة محاكمة صدام واعتبروها"إهانة للعرب السنة ولأبناء تكريت". وقال الشيخ محمود الندا شيخ عشيرة البيجات في العوجة:"المحاكمة باطلة تستهدف العرب السنة وتكريت، وكنت أفضل أن تجري المحكمة في دولة غير العراق، وأمام قضاة غير عراقيين لتكون عادلة ومشروعة، لأن الذين يحاكمون صدام اليوم هم أعداؤه والمحكمة انتقام سياسي وليست قانونية". وقال أحد المتظاهرين ويدعى مثنى:"نستنكر هذه المحاكمة ونعتبرها غير شرعية لأنها تجري في ظل الاحتلال بإشراف سلطة الاحتلال". واستطرد مواطن آخر اسمه محمد:"تباً لأميركا وللحكومة العراقية، صدام هو الرئيس الشرعي للعراق". وقالت أم ربيع:"المحكمة باطلة ولا نعترف بها، ونحن متعاطفون مع رئيسنا الشرعي ولا نعترف بهذه الحكومة لأنها تخدم أميركا وإسرائيل". وفي تكريت تظاهر المئات من صبيحة أمس منددين بالمحكمة والحكومة ايضاً. وحمل المتظاهرون صور صدام تم التقاطها في سنوات سابقة من تاريخ حكمه 35 عاماً. وسارت التظاهرة في شارع الأربعين بحماية عناصر الشرطة وبثت خلالها أناشيد وطنية تمجد صدام، وأطلق المتظاهرون النار في الهواء تحية له مرددين شعارات كانوا يرددونها خلال حكمه"بالروح بالدم نفديك يا صدام"و"بوش بوش اسمع زين ما نتنازل عن اثنين: عراق وصدام حسين". ونظمّ التظاهرة لفيف من شباب المدينة الذين كانوا ينتمون إلى الأجهزة الأمنية المنحلة كالحرس الجمهوري والأمن الخاص والجيش وشباب آخرون من الجامعة وطلبة المدارس. وفي كركوك والسليمانية استقطبت محاكمة صدام اهتمام الشارع الكردي والرأي العام. واعتبر اهالي مدينة السليمانية ان"ابواب جهنم"ستفتح لاستقبال صدام ومساعديه قريباً على رغم ان محاكمته ستستغرق وقتاً طويلاً". وتمنى البعض لو ان محاكمته بدأت بجرائم إبادة الاكراد في اقليم كردستان، وعبر آخرون عن فرحتهم لمثوله في قفص الاتهام، مؤكدين رغبتهم في رؤيته وهو يتدلى من حبل المشنقة الى جانب ابن عمه علي حسن المجيد المتهم بضرب المدن الكردية بالاسلحة الكيمياوية. وقالت سمية ظاهر يحيى من اهالي السليمانية ان"المحكمة التي يرأسها قاض كردي ولدت مشاعر لا يمكن وصفها بالنسبة الى الاكراد". واضافت:"انه اجمل يوم في حياة الاكراد العراقيين وهم يشاهدون قاتلهم ماثلاً امام محكمة عراقية لينال جزاءه". وزادت:"حان يوم الانتقام لأرواح آلاف الاكراد الذين قضوا في حلبجة وعمليات الانفال، فضلاً عن الذين اعدموا في سجون ومعتقلات الاجهزة الامنية". وينتطر الاكراد العراقييون"حصتهم"من محاكمة صدام ويتهمونه بتغييب 180 الفاً منهم وقتل خمسة آلاف آخرين بالغازات السامة عام 1988. ويرى سامي احمد كردي ان محاكمة صدام وانزال عقوبة الاعدام به وباعوانه ستحد من الانفلات الأمني الذي يعيشه العراق كما سيشكل رادعاً للجماعات المسلحة التي ترى في شخصه عنواناً للمقاومة". وشهدت كركوك صباح امس انفجار سيارة مفخخة اودت بحياة خمسة عراقيين وجرح ما لا يقل عن سبعة في حي الشورجة ذي الغالبية الكردية ما ادى إلى تشديد القوى الامنية من اجراءاتها الاحترازية في المدينة خشية حدوث عمليات انتقامية كردّ"بعثي"على المحاكمة. وقال قائد الشرطة العراقية اللواء شيركو شاكر"هناك احياء ساخنة تنطلق منها العمليات المسلحة في مدينة كركوك كحي البعث والعروبة مؤكداً ان الاجراءات الامنية مشددة للحيلولة دون وقوع عمليات انتقامية من قبل البعثيين فيها". ويرى قسم من اهالي كركوك ان المحكمة التي مثل امامها صدام وسبعة من المسؤولين في نظامه ستتيح لصدام كسباً عربياً وسنياً عراقياً فيما يرى القسم الآخر ان المحاكمة هدية لكل من تضرر من نظامه. في النجف قال عبدالهادي الدراجي الناطق باسم التيار الصدري ل"الحياة"انه يجب"انزال اقصى العقوبات بصدام وان لا تقتصر محاكمته على الدجيل وأهلها"، واضاف ان مدينة الصدر وقع عليها الحيف في ايام حكمه من بينها مقتل السيد الصدر وأولاده لمعارضتهم حكمه واشار إلى ان علنية المحكمة شيء جيد للعدل. وطالب صاحب العامري الامين العام لمؤسسة شهيد الله التابعة للسيد مقتدى الصدر بان تكون المحكمة شرعية اي تحكم بشرع الله وقال ل"الحياة""التيار الصدري يطالب باعدام صدام علناً لما اقترفه من ظلم بحق الشعب العراقي ونرفض محاكمته بأيد أجنبية". وقال الشيخ علي النجفي نجل المرجع الديني الشيخ بشير النجفي احد المراجع الاربعة في النجف ان هذه"المحاكمة اقل حق من حقوق العراقيين التي يجب ان تعطى لهم بإنزال اقصى العقوبات بصدام". واضاف:"يتردد في وسائل الاعلام كلام: هل تكون هذه المحكمة عادلة او لا، ونسأل اين كان هؤلاء عندما كان الطاغية يذبح ويدفن الشعب العراقي؟".