المتهم صدام حسين.. هكذا نادى حاجب المحكمة على الرئيس العراقي السابق ليمثل هو وسبعة من كبار معاونيه مجدداً أمام القضاء لمحاكمتهم بشأن مجزرة قرية الدجيل الشيعية عام 1982. وكما كان الأمر في الجزء الأول من المحاكمة استهل صدام «المشهد» بانتقاد ظروف المحاكمة وتحدث عن سحب جميع أوراقه منه بما في ذلك أقلامه الشخصية ليوقع على اقرار بتفويض أحد المحامين للترافع عنه بطلب من قاضي المحكمة. وبدا المشهد مقلوباً بينما الرئيس المخلوع يشتكي من سوء التعامل معه في المحكمة متحدثاً عن إحضاره إلى المحكمة مقيداً وشكا من تعطل المصعد واضطراره إلى صعود السلم أربع مرات. وعندما قال القاضي رزكار محمد أمين أنه سيبلغ الشرطة بهذه الملاحظات هب صدام قائلاً انه لا يريد منه إبلاغهم بل يريد أن يأمرهم إذ أنهم غزاة ومحتلون ولابد من توجيه الأوامر إليهم. كان كل شيء حاضراً في المحكمة الخاصة أمس لتبدو محاكمة تلفزيونية مثيرة.. الشاهد الرئيسي يدلي بشهادته بعد وفاته.. متهم يتحدث عن تعرضه لمحاولة تسميم في مستشفى أبوغريب.. ووزير أمريكي سابق في لجنة الدفاع عن الرئيس العراقي الذي خلعته الولاياتالمتحدةالأمريكية. بدأت المحاكمة عند الساعة 12,17 بالتوقيت المحلي (09,17 تغ) بحضور صدام حسين وسبعة من كبار مساعديه فضلا عن 12 محاميا يمثلون فريق الدفاع. كما حضر الجلسة رامسي كلارك وزير العدل الاميركي السابق والمحامي الاردني عصام الغزاوي ووزير العدل القطري السابق نجيب النعيمي. وطلب رئيس المحكمة رزكار محمد امين ادخال «المتهمين بدون اغلال او قيود». وادخل المتهمون الواحد تلو الاخر الى قاعة المحكمة حيث تم اقتيادهم الى قفص الاتهام. ودخل معظم المتهمين الى قاعة المحكمة وهم يرتدون الملابس العربية التقليدية الدشداشة والعقال بينما ارتدى صدام حسين الذي كان اخر الواصلين كما في المرة السابقة بزة قاتمة بدون ربطة عنق وهو يحمل بيده المصحف. وطلب رئيس المحكمة من خليل الدليمي محامي صدام حسين توكيلا خطيا من موكله يخول كلارك والنعيمي والغزاوي الدفاع عنه، تدخل الرئيس العراقي السابق قائلا «لماذا ينتزع قلمي مني واوراقي وكيف للمتهم ان يدافع عن نفسه اذا جرد من القلم والورقة؟». ثم طلب المحامي خليل الدليمي من رئيس المحكمة تلاوة سورة الفاتحة على روح المحاميين سعدون الجنابي وعادل الزبيدي من فريق الدفاع اللذين قتلا على ايدي مسلحين مجهولين في حادثين منفصلين مؤخرا. ووافق رئيس المحكمة على الطلب. وقال ان «المحكمة تبدي اسفها لما حصل للمحاميين اللذين كانا معنا في الجلسة السابقة وهم غائبون عن جلسة اليوم وان المحكمة مؤمنة ان افضل ذكرى لهم هو اجراء محاكمة عادلة في هذه القضية». ثم وقف صدام حسين وسبعة من اعوانه وفريق المحامين وبدأو بتلاوة سورة الفاتحة. ومثل الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وسبعة من كبار معاونيه أمس الاثنين مجددا امام القضاة الذين اتهموهم في بداية محاكمتهم في 19 تشرين الاول/اكتوبر، بارتكاب مجزرة في قرية الدجيل الشيعية. وكان 148 من سكان القرية قتلوا في 1982 بعد ان تعرض صدام حسين لمحاولة اغتيال فاشلة هناك. واستمعت المحكمة لشهادة ضابط سابق في المخابرات العراقية قبيل وفاته مؤخراً شرح فيها باسهاب تفاصيل محاولة اغتيال صدام في مدينة الدجيل عام 1982 ملقياً بتبعية إصدار أوامر الاعتقال على صدام نفسه وأخيه غير الشقيق ورئيس جهاز مخابراته السابق برزان التكريتي كما تم عرض شريط مدمج يظهر فيه المتهم الرئيسي صدام وهو يحقق مع شبان ألقي القبض عليهم آنذاك. وشاهدت المحكمة شريطاً مدمجاً يظهر فيه صدام يحيط به أفراد حمايته المسلحين وهو يحقق بنفسه مع بعض الشبان الذين اعتقلوا بعد فشل محاولة الاغتيال وعندما قال له أحدهم انه صائم ولا يمكنه القيام بمثل هذا العمل رد صدام متهكماً ان خميني (آية الله قائد الثورة الإيرانية الراحل) أيضاً يصوم ثم طلب من افراد حمايته اقتياد الشبان كل على انفراد للتحقيق معهم. وبعد عرض الشريط احتج صدام على عدم مناقشة ما يتعلق به مشككاً بصحته.. وعرضت المحكمة شريطاً آخر يصور الشاهد الرئيسي وهو وضاح الشيخ جالساً على كرسي نقال والذي توفي مؤخراً بعد ادلائه بشهادته لإصابته بالسرطان حيث كان يتولى رئاسة لجنة التحقيق في الحادث وقام القاضي بتلاوة نص الشهادة التي قال انها سجلت بحضور اثنين من أعضاء المحكمة برغم امتناع المحامين عن حضورها احتجاجاً على اغتيال أحد أعضاء هيئة الدفاع. وقال الشاهد وعمره 74 سنة وهو من سكان مدينة بغداد ويعمل محامياً انه كان مدير التحقيق والتحري في جهاز المخابرات السابق عندما كان رئيسه برزان موضحاً انه ذهب إلى الدجيل برفقة عدد من العسكريين واطلع على الجدار الذي أطلق منه المسلحون النار على صدام مقدراً عددهم ب 12 شخصاً. وأضاف انه شاهد في البلدة عدة فرق عسكرية يتراوح عدد أفرادها بين 200 و250 عسكرياً إضافة إلى لواء من الحرس الجمهوري وعناصر من الأمن والحزب مشيراً إلى أن الاعتقالات والتحقيق تمت في مقر الحزب. وقال ان برزان حضر إلى هناك يرافقه وزير الداخلية السابق سعدون شاكر فأعطى أوامر بتنفيذ اعتقالات واسعة تمت بعد ذلك من دون التفريق بين سنة وشيعة حيث كان المعتقلون الذين زاد عددهم عن 400 شخص من الطائفتين ومن ضمنهم عوائل كاملة برجالها وشيوخها ونسائها وأطفالها وقد تم نقلهم جميعاً بعد ذلك إلى مقر المخابرات في بغداد وبعدها إلى سجن أبوغريب بضواحي العاصمة ومنه إلى محافظة المثنى جنوب غرب العراق مؤكداً انه لم يعرف مصيرهم بعد ذلك خاصة بعد أن سلم ملف التحقيق إلى برزان. وقال ان برزان كان يصدر أوامر الاعتقال والإحالة إلى المحكمة بينما أمر صدام باعتقال كل شخص يستطيع حمل السلاح موضحاً ان شخصاً اشترك في محاولة الاغتيال قد اعتقل واسمه حسين حسن الحاج احمد قد اعترف بأنه قام بجمع 12 شخصاً وتوجيههم بالقيام بمحاولة قتل صدام. وأوضح انه نقل بعد ذلك إلى مهمة أخرى بعد تولي فاضل البراك رئاسة جهاز المخابرات بعد برزان ولما كان الشاهد على خلاف مع البراك فقد حكم عليه عام 1984 بالسجن 27 عاماً لكنه لم يوضح اسباب ذلك.. وأكد الشاهد انه لا يعرف بالتحديد ما قام به المتهمون من أعضاء الحزب في الدجيل كما ان طه ياسين رمضان نائب الرئيس سابق تولى رئاسة لجنة لجرف بساتين ومزارع الدجيل وبلد القريبة لكنه قال انه يجهل دوره في عمليات الإعدام مشيراً إلى أن جميع الإجراءات التي اتخذت كانت بإشراف وأوامر من برزان.وأوضح ان صدام حسين أمر بتكريم طاقم التحقيق في محاولة اغتياله بمنحم قدماً وظيفياً لمدة سنة مشيراً إلى أن عدداً من الأشخاص الذين تم الاشتباه بهم قد اعدموا لكنهم اعتبروا (شهداء) بعد التأكد من خطأ إعدامهم.. وقال ان المسؤول الحزبي احمد ابراهيم كان يتولى الإشراف على عمليات الاعتقال التي تمت مشيراً إلى أن جميع المعتقلين أنكروا صلتهم بالحادث أو بمنفذيه وأوضح انه لا يعلم لماذا احيلوا إلى المحاكمة وأعدموا.. وقرأ القاضي وثيقة من الطبيب المعالج للشيخ الذي كان مصاباً بالسرطان يؤكد فيها انه بكامل وعيه ويستطيع الادلاء بشهادته. من ناحية أخرى احتج المتهم محمد عزام العلي المسؤول الحزبي البعثي السابق في الدجيل على حقنه بمواد سامة كما قال حين اخذ قبل ايام إلى مستشفى أبوغريب بضواحي بغداد للعلاج وطلب حماية المحكمة له فرد عليه القاضي بطلب تقديم شكوى تحريرية بالواقعة وأبلغه أن بامكانه الاجتماع مع ابنه تنفيذاً لطلبه أيضاً. وقال كبير القضاة في محاكمة الرئيس العراقي السابق ومعاونيه ان المحاكمة تأجلت أمس الاثنين حتى الخامس من ديسمبر/ كانون الأول لإعطاء أحد المتهمين فرصة الحصول على من يمثله. وفرضت اجراءات امنية مشددة على الصحافيين الذين منعوا من حمل اي شىء باستثناء الاقلام والاوراق لتغطية محاكمة الرئيس العراقي المخلوع. ودخل الصحافيون الى المحكمة في المنطقة الخضراء التي تخضع لاجراءات امنية مشددة جدا، وهم يحملون اقلاما واوراقا سلمتها لهم السلطات وبطاقاتهم الشخصية. ونقل الصحافيون الى المقر بحافلات غطيت نوافذها بستائر حفاظا على سرية المكان. وتحت انظار رجال الامن الاميركيين والعراقيين المسلحين، عبر الصحافيون اجهزة الاشعة قبل دخولهم الى قاعة المحاكمة التي تقع في مبنى سابق لحزب البعث المنحل. وحضر المحاكمة عدد محدود من الصحافيين من وسائل اعلام عربية واجنبية. وعلى صعيد ردود الفعل العراقية بدت الأمور مختلفة بين مدينة تكريت وقرية الدجيل فقد تظاهر مئات من العراقيين أمس الاثنين وسط مدينة تكريت (180 كلم شمال بغداد) مسقط رأس الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين واحد معاقل مؤيديه احتجاجا على محاكمته التي استؤنفت أمس الاثنين. وقال مراسل وكالة فرانس برس ان قرابة 500 عراقي تجمعوا امام مسجد «صدام الكبير» وسط المدينة رافعين صور الرئيس المخلوع المختلفة بملابسه العسكرية والعربية التقليدية وحتى الكردية. وردد المتظاهرون هتافات مؤيدة لصدام حسين من بينها «بالروح بالدم نفديك ياصدام» و«الموت للحكومة الجعفرية» و«كل العراق ينادي صدام عز بلادي» و«الله اكبر ياعرب هاذي المحاكمة ظالمة». وافاد مراسل وكالة فرانس برس ان التظاهرة نظمت وسط اجراءات امنية مشددة. كما اقتربت دورية عسكرية اميركية من التظاهرة ثم غادرت عائدة ادراجها. وفي قرية العوجة مسقط رأس الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين المتاخمة لتكريت تظاهر قرابة 300 شخص احتجاجا على المحاكمة وهم يحملون صور صدام حسين ولافتات كتب عليها «لا للجعفري ..لا للمحكمة الشرعية» و «الحكومة غير شرعية». وقال ميسر احمد (30 عاما) «مازال صدام حسين هو الرئيس العراقي الشرعي للبلاد ولا يجوز محاكمته من قبل المحتل ونطالب باجراء محاكمة عادلة». من جانبها، قالت ميادة زيدان (20 عاما) «لا نؤمن ولا نرضى بهذه المحكمة غير الشرعية»، مؤكدة ان المحاكمة «لا يجوز ان تجري إلا بوجود الاممالمتحدة وليس في ظل حكومة تسيرها الاحزاب». وفي رد فعل مختلف، تظاهر عشرات العراقيين أمس الاثنين في قرية الدجيل للمطالبة باعدام صدام حسين، حسب ما افاد مصور لوكالة فرانس برس. ورفع المتظاهرون من الرجال والنساء الذين تجمعوا وسط القرية لافتات طالبت بانزال اقسى العقوبات بحق صدام حسين منها «نطالب باعدام صدام الكافر وزمرته الفاسدة» و«الارهاب وصدام توأمان لا ينفصلان إلا بالموت» و«صدام الكلب والبعث عنوانه». كما رفع المتظاهرون صورا لاقارب لهم قتلوا على يد النظام بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها موكب صدام حسين في هذه القرية عام 1982.