سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حظر العودة إلى النشاط السياسي يفجر خلافات بين قيادات "جبهة الإنقاذ" وزعماء الحرب . الجزائر : السلطات تبحث عن "ضمانات" لتفكيك الجماعات المسلحة قبل تنفيذ "ميثاق السلم"
يصدر الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في غضون الأيام المقبلة أول المراسيم الرئاسية التي ستضع"ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"في حيز التنفيذ بعد حصوله على تأييد الغالبية الساحقة من الجزائريين بنسبة 97.38 في المئة خلال الاستفتاء الشعبي الذي أجري يوم 29 ايلول سبتمبر الماضي. وتراهن السلطات الجزائرية على هذه المبادرة الجديدة لطي ملف الأزمة الدامية بشكل نهائي من خلال عرض"العفو"و"إبطال العقوبات"على عناصر الجماعات المسلحة. وهي المبادرة التي تعتبرها السلطات مصيرية لاستعادة السلام والشروع في تنفيذ مخططات دعم النمو الاقتصادي. يعلن الرئيس الجزائري قبل حلول عيد الفطر مراسيم رئاسية للإفراج عن المساجين من عناصر شبكات دعم الجماعات الإسلامية المسلحة وإسنادها الذين اعتقلتهم السلطات بسبب تعاونهم مع"الجماعة"سواء بتوفير الدعم اللوجستي المادي أم معلومات حول الضحايا. وتقدر مراجع مطلعة عدد هؤلاء"المتعاونين"بأكثر من 5 آلاف سجين يعتقد بأنهم سيكونون أول فئة معنية بالتدابير التنفيذية لميثاق السلم في انتظار تبلور صورة واضحة لكيفية التعامل مع عناصر"الجماعة"وقياداتها الموجودين في السجن بسبب جرائم القتل التي ارتكبوها خلال الأعوام الماضية والذين يتجاوز عددهم نحو 10 آلاف شخص في السجون الجزائرية. ويعترف خبراء في الشأن الأمني بأن السلطات الجزائرية متخوفة من أن يؤدي التسرع في إصدار إجراءات"العفو"و"إبطال العقوبات"إلى تعزيز صفوف المسلحين في الجبال وهو الإشكال الذي بحثه المجلس الأعلى للأمن يترأسه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة خلال الأيام الأخيرة بهدف تجنب تحول هذه التدابير إلى عوامل تغرق البلاد في دوامة العنف مجدداً. وإذا كانت السلطات أبدت تفهماً لإعفاء عناصر شبكات الدعم والإسناد من العقوبات وإبطال الملاحقات أمام العدالة فإن الموقف من المسلحين ناشطي الجماعات الإسلامية المسلحة الموجودين في السجن لم يتضح بشكل نهائي بسبب رغبة السلطات الأمنية والقضائية في الحصول على"ضمانات"تكفل عدم عودة هؤلاء لدعم الجماعات بسبب قناعاتهم الدينية. وأثبتت تجربة قانون الوئام المدني أن عدداً من الناشطين الذين أفرج عنهم من السجون عادوا لاحقاً إلى تنفيذ أبشع الاعتداءات ضد المدنيين وكان من بين هؤلاء عناصر في"سرية المجازر"التي كانت وراء عدد من الاغتيالات الجماعية التي هزت العاصمة الجزائر وضواحيها بين 2000 و2002. تفكيك آلة الرعب ويرتكز المسعى الرئاسي ككل الى منهجية مزدوجة تهدف إلى تمكين المسلحين أو عناصر شبكات الدعم والإسناد من الاستفادة من التدابير الرئاسية سواء بتمكينهم من حق"إبطال المتابعات القضائية"أم"العفو"أم اعتماد مبدأ تخفيف العقوبات الصادرة في حقهم أو استبدالها. ويتعلق الأمر بثلاث فئات أساسية لا تزال محل ملاحقة السلطات الجزائرية في الداخل أو الخارج، وهي: - عناصر"التيار السلفي الجهادي"الذين يتواجدون بكثافة ضمن تنظيمات"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"وينشطون في وسط البلاد وشرقها والصحراء الكبرى وفي مناطق محدودة من الغرب و"حماة الدعوة السلفية"الذين ينشطون غرب البلاد، وأيضاً تنظيم"الجماعة السلفية للدعوة والجهاد"بزعامة عبدالقادر صوان المدعو"أبو تمامة"الذي يتحرك وسط البلاد. - عناصر"الجماعة الإسلامية المسلحة"أو"كتيبة الأهوال"أو"كتيبة النصر"وتضم غلاة الجماعات الذين كانوا وراء المذابح الجماعية أو الاعتداءات باستعمال المتفجرات في الأماكن العامة أو انتهاك الحرمات، وهؤلاء تعتقد السلطات بأنهم كانوا وراء جرائم خطيرة ضمن ما تسميه في الأدبيات السياسية ب"الإرهاب الأعمى"الذي طاول على وجه الخصوص الأبرياء والعزل بشكل لا يمكن التغاضي عن خطورته في الوقت الراهن. وستتخذ الحكومة لمصلحة هؤلاء إجراءات"رمزية"سواء بالعفو بشكل كلي عن العقوبات لمن تجاوز نصف فترة العقوبة أو يكاد يستنفدها أم بتخفيف بعض الأحكام القضائية أم استبدالها كاملة بقصد السماح لهم بالعودة إلى المجتمع في آجال قريبة من دون تجاوز الخطوط الحمر التي وضعها"ميثاق السلم والمصالحة الوطنية". - قيادات"الجبهة الإسلامية للإنقاذ"المحظورة وإطاراتها في الخارج والذين كان لبعضهم دور مشبوه في تغذية أعمال العنف، وسيعلن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في حق هؤلاء عن إجراءات لإبطال كل الأحكام القضائية الصادرة في حقهم ووقف ملاحقاتهم. وفي مقابل هذا سيضطر هؤلاء إلى دفع"ضريبة المصالحة"وهي التخلي عن ممارسة النشاط السياسي إلى أجل غير محدد سواء ضمن الحزب المحظور أم ضمن أي تنظيمات شرعية في البلاد. خريطة الجماعات المسلحة وترى السلطات السياسية ان أسلوب الپ"رسائل الإيجابية"إلى عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة في الجبال يهدف الى إقناعهم بجدية المسعى والرغبة في طي الأزمة الدموية بشكل نهائي. وتفيد تقديرات حديثة أن عدد عناصر"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"وحدها يتجاوز حالياً 1300 مسلح ينتشرون في الكثير من المناطق الجزائرية. وكان عددهم قبل ثلاث سنوات في حدود 600 بحسب تقديرات رسمية. وترفض"الجماعة السلفية"العرض الذي قدمته السلطات وتعتبره"مؤامرة على الجهاد في الجزائر"وهي بادرت أخيراً إلى منع عناصرها من قراءة ميثاق السلم والمصالحة الذي وزعته مروحيات حربية في الجبال بكميات كبيرة، كما منعتهم من قراءة الصحف أو الاستماع للإذاعات فضلاً عن حظر الزيارات العائلية أو استعمال الهواتف الجوالة في خطوة تهدف إلى عزلهم بالكامل عما يحدث في البلاد. كما قامت بتجميع عناصرها ووضع من تشتبه فيهم في"بيت الطاعة"مع تجريدهم من سلاحهم حتى التأكد من عدم اهتمامهم بمبادرة العفو. وفقدت"الجماعة السلفية"خلال إعلان السلطات قانون الوئام المدني في العام 1999 أكثر من 500 عنصر مسلح من التنظيم وقتلت أكثر من 70 عنصراً كانوا يرغبون في التخلي عن العمل المسلح واغتالت لاحقاً أكثر من 15"تائباً"كانوا يتعاونون مع السلطات لإقناع المسلحين بجدوى التخلي عن العنف. ويحتل تنظيم"حماة الدعوة السلفية"الذي ينشط في ولايات غليزان، معسكر والشلف وعين الدفلى 150 كلم غرب العاصمة المرتبة الثانية من حيث الأهمية بتعداد 120 مسلحاً بزعامة سليم الأفغاني لكنه لم يصدر موقفاً من"ميثاق السلم"والأرجح انه يعترض عليه ولم يسجل ضمن صفوفه أي حالات تخل عن العمل المسلح طيلة الأسابيع الأخيرة. وتأتي"الجماعة السلفية للدعوة والجهاد"بزعامة عبدالقادر صوان المدعو"أبو تمامة"الذي يتحرك وسط البلاد في المرتبة الثالثة بنحو 70 عنصراً مسلحاً وترددت قبل أسبوع أنباء عن شروع عدد من قيادات هذا التنظيم المسلح في اتصالات مع السلطات عبر عائلاتها. وتراجعت"الجماعة الإسلامية المسلحة"إلى المرتبة الرابعة بنحو 30 مسلحاً ينشطون في مناطق متفرقة بين ولايات الجزائر العاصمة، والبليدة، والمدية وتيسمسيلت. آليات تنفيذ الميثاق تراهن السلطات الجزائرية على"الروح الوطنية لدى المسلحين"في الجبال، بحسب العبارة التي استخدمها وزير الداخلية يزيد زرهوني والرد بشكل إيجابي على العرض الذي وفره الشعب الجزائري لهم خلال الاستفتاء على ميثاق السلم والمصالحة. ومنذ الإعلان عن نتائج الاستفتاء في 30 ايلول الماضي لم يتجاوز عدد المسلحين الذين تخلوا فعلياً عن الجماعات الإسلامية المسلحة أكثر من 20 مسلحاً أي بمعدل"تائب"كل يوم أو يومين وهي نسبة محدودة قد تعود أيضاً إلى الغموض الذي لا يزال يكتنف المبادرة ككل. ومنذ إعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بادرت أبرز قوى"التحالف الرئاسي"وبعض فصائل المعارضة مثل حركة الإصلاح الوطني بزعامة الشيخ عبدالله جاب الله وحزب العمل بقيادة لويزة حنون إلى الإعلان رسمياً عن دعم المشروع على أساس أنه يكفل استعادة السلام وطي الأزمة نهائياً. وفي المقابل يرى الرافضون للمسعى الرئاسي وغالبيتهم من قيادات"جبهة الإنقاذ"المحظورة وقادة سابقين في الجماعات المسلحة أن الميثاق"مشروع غير منصف لطرفي الأزمة"وهو يرتكز الى فكرة أساسية"تبجيل السلطة وتجريم جبهة الإنقاذ". ويتداول اعضاء"جبهة الإنقاذ"منذ أيام بياناً مجهول المصدر بعنوان"ميثاق الحقيقة والمصالحة بدل ميثاق الاستئصال والمغالطة"، حصلت"الحياة"على نسخة منه. ورأى أن الوثيقة التي نالت تزكية الشعب الجزائري"تبرئ قادة الجيش وأعوانهم وكل دوائر الاستئصال من كل اعتداء على الشعب واختياره"وتعطي"الحصانة باسم الشعب لكل الذين دبروا ونفذوا المؤامرة الدنيئة"وأيضاً"تحمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ ورجالها وحدهم مسؤولية الأزمة التي تعصف بالجزائر وتعفي بل تمجد غيرهم". ولم يخف عباسي مدني، الرجل الأول في الحزب المحظور في بيان له قناعته بأن تزكية"ميثاق السلم"تعني أن"السلطات الجزائرية سحبت اعتماد الجبهة يقصد جبهة الإنقاذ لتحرمها من الشرعية القانونية"واستنكر ما جاء في المشروع الذي عرضه الرئيس الجزائري على التزكية الشعبية. وفي حين فضلت قيادات الحزب المتواجدة في الخارج مثل رابح كبير مقيم في ألمانيا، مسؤول الهيئة التنفيذية للإنقاذ في الخارج سابقاً دعم المسعى الرئاسي بشكل كلي كذلك أنور هدام مقيم في الولاياتالمتحدة الأميركية وهو مسؤول البعثة البرلمانية للحزب المحظور سابقاً، فضلت قيادات الداخل مثل كمال قمازي وعبدالقادر بوخمخم وعلي جدي التعبير عن تحفظاتها عن المشروع ورأت أن"وراء شعار السلم والمصالحة مشروع لميثاق مخيب للآمال أعد من دون حوار بين قوى المجتمع ومن دون استماع لفئات ضحايا الأزمة". وقدرت أن الشعب"لم يجد في هذا المشروع ما يستحق القبول سوى إجراءات تهدئة وتخفيف تخلص بعض الفئات المتضررة". من جهته يرى سيد علي بن حجر"أمير"تنظيم"الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد"الذي تخلى عن العمل المسلح عام 1999 أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"لم يستوف شروط المصالحة وهو لا يسير في السكة الصحيحة للإصلاح". ودعا بن حجر السلطات الجزائرية في بيان، تسلمت"الحياة"نسخة منه، إلى اتخاذ"خطوات شجاعة وصريحة تتمثل في رفع الظلم والقيود عن الفكر والتعبير الحر والمساجين واللاجئين والعمال المطرودين وإعادة المظالم والحقوق إلى ذويها"، وسجل أن التصريح"في الوثيقة المطروحة للاستفتاء بأن التوازنات داخل أطراف السلطة لا تسمح للرئيس بأكثر مما جاء فيها هو ما قلل من قيمة هذه الوثيقة وكشف عن هشاشة المصالحة المعروضة". أما مدني مزراق"أمير"تنظيم"الجيش الإسلامي للإنقاذ"سابقاً الجناح العسكري للحزب المحظور فقد أكد في تصريحات له أن ميثاق السلم "سم من تدبير الاستئصاليين نتجرعه ونصبر عليه إلى حين"، مشيراً إلى أنه يدعم المسعى الرئاسي لأنه"الوسيلة الوحيدة لإطفاء نار الفتنة". ويعتقد محللون بأن انقسام مواقف مرجعيات"جبهة الإنقاذ"في الداخل والخارج على المشروع الرئاسي قد يؤثر إلى حد ما في نسبة الاستجابة للمسعى من طرف المسلحين مقارنة بالنتائج التي حققها قانون الوئام المدني والذي استفاد منه 6 آلاف مسلح لأسباب عدة لعل أبرزها أن ميثاق السلم يحمل"مسلمات سياسية"أبرزها التأكيد بوضوح أن"جبهة الإنقاذ"أخطأت السبيل عندما فتحت باب المواجهة المسلحة مع السلطات. ثماني فئات معنية بتدابير"العفو" تهدف المراسيم الرئاسية المرتقبة قبل نهاية الشهر الجاري إلى ضمان تنفيذ التدابير الواردة في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بهدف استعادة السلم في البلاد. ويتعلق الأمر بثمانية إجراءات تهدف إلى فتح المجال أمام عناصر الجماعات وقيادة الإنقاذ من العودة إلى ذويهم. وهي كما وردت في ميثاق السلم: أولاً: إبطال المتابعات القضائية في حق الأفراد الذين سلموا أنفسهم للسلطات اعتباراً من 13 كانون الثاني يناير 2000 تاريخ انقضاء مفعول القانون المتضمن الوئام المدني. ثانياً: إبطال المتابعات القضائية في حق جميع الأفراد الذين يكفون عن نشاطهم المسلح ويسلمون ما لديهم من سلاح. ولا ينطبق إبطال هذه المتابعات على الأفراد الذين كانت لهم يد في المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية. ثالثاً: إبطال المتابعات القضائية في حق الأفراد المطلوبين داخل الوطن وخارجه الذين يمثلون طوعاً أمام الهيئات الجزائرية المختصة. ولا ينطبق إبطال هذه المتابعات على الأفراد الذين كانت لهم يد في المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية. رابعاً: إبطال المتابعات القضائية في حق جميع الأفراد المنضوين في شبكات دعم الإرهاب الذين يصرحون بنشاطاتهم لدى السلطات الجزائرية المتخصصة. خامساً: إبطال المتابعات القضائية في حق الأفراد المحكوم عليهم غياباً باستثناء أولئك الذين كانت لهم يد في المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية. سادساً: العفو لمصلحة الأفراد المحكوم عليهم والموجودين قيد الحبس عقاباً على اقترافهم نشاطات داعمة للإرهاب. سابعاً: العفو لمصلحة الأفراد المحكوم عليهم والموجودين قيد الحبس عقاباً على اقترافهم أعمال عنف من غير المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الاعتداءات على الأماكن العمومية. ثامناً: إبدال العقوبات أو الإعفاء من جزء منها لمصلحة جميع الأفراد الذين صدرت في حقهم أحكام نهائية أو المطلوبين الذين لا تشملهم إجراءات إبطال المتابعات أو إجراءات العفو السالفة الذكر. مناطق البربر لم تدعم التسوية مع "الجماعة" والولايات المتضررة من العنف اكتسحت الصناديق بالورقة الزرقاء على رغم الشكوك التي أثيرت حول نتائج الاستفتاء على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية إلا أن الكثير من المحللين يعتقدون بأن النتائج المعلنة من وزارة الداخلية، والتي أكدها المجلس الدستوري لاحقاً، تعكس تعلق الجزائريين بالسلم وطي صفحة العنف الدامي. وتبرز منطقة القبائل على رأس قائمة الولايات التي سجلت فيها نتائج ضعيفة للمشاركة في هذا الاستفتاء إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في ولاية بجاية 30 كلم شرق حدود 11،53 في المئة مقابل نسبة 11.51 في المئة في ولاية تيزي وزو 100 كلم شرق. وبالإضافة إلى العوامل الموضوعية وراء تراجع نسبة المشاركة مثل التصريحات التي أدلى بها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة خلال حملة الدعاية لميثاق السلم قبل أيام من الاستفتاء والتي رفض فيها صراحة ترسيم اللهجة الأمازيغية كلغة وطنية ثانية إلى جانب اللغة العربية فإن رفض السكان البربر لسياسة السلطات يدفع الكثير منهم إلى عدم اتخاذ مواقف عدائية من عناصر"الجماعات المسلحة"وهو ما يفسر تواجد قيادة هذا التنظيم المسلح في المرتفعات الجبلية لمنطقة القبائل منذ منتصف التسعينات. ويقول محللون إن لجوء قيادات"الجماعة"غالبيتهم ليسوا من البربر إلى التحصن في هذه المرتفعات الجبلية الوعرة يرتكز في الدرجة الأولى على مجموعة من العوامل أبرزها القناعة بأن حالة الاحتقان لدى السكان من سياسة السلطات توفر لهم ملجأً آمناً ولأن غالبية السكان، بخاصة في المناطق النائية والوعرة في الجبال لا يتعاونون مع السلطات ضد عناصر"الجماعة". وفي المقابل فإن ولايتي البويرة 120 كلم شرق وبومرداس 50 كلم شرق والتي تعتبر أطراف منطقة القبائل إلى وسط البلاد وشرقها تبرز كمناطق نشاط أساسي لتنظيم"الجماعة السلفية للدعوة والقتال"وهي لأسباب عدة تحولت إلى منطقة استقطاب أساسي لهذا التنظيم المسلح أبرزها تواجد عائلات غالبية المسلحين فيها. فكل شبكات الدعم والإسناد لهذا التنظيم المسلح تتركز في هذه المناطق، وفي المقابل فإن كل المسعى الذي تنتهجه السلطات يرتكز أيضاً إلى عائلات المسلحين التي تقيم في هذه المناطق والتي تظل حلقة الربط لتفعيل المسعى الرئاسي. ودلت نتائج الاستفتاء الأخير الى حاجة المناطق التي تضررت من أعمال العنف لاستعادة السلام مجدداً وتبني خيار المصالحة الوطنية كآلية لإيقاف النزيف الدموي. فقد كانت ولاية غليزان 300 كلم غرب التي شهدت مجازر حد الشكالة المروعة عام 1998 خلفت 1200 قتيل بحسب تقدير غير رسمي على رأس الولايات التي شهدت ارتفاع نسبة المشاركة والتي وصلت إلى حدود 97.39 في المئة مع نسبة تأييد لميثاق السلم بلغت حدوداً قياسية ب 99.11 في المئة. والتوجه نفسه سجل في ولاية الأغواط 550 كلم جنوب حيث كانت نسبة المشاركة في حدود 89.03 في المئة من إجمالي الهيئة الناخبة في الولاية والذي يقدر ب 174228 ناخباً وكسحت أصوات المؤيدين صناديق الانتخاب بنسبة 99،37 في المئة.