من كان يتصور لسنوات خلت أن مدينة كدبي ستتحول ذات يوم، ولو لعشرة أيام، الى عاصمة للسينما العالمية بمقاهيها وسيارات أجرتها وباصاتها واهتمامات سكانها... وان تستضيف مئات من الصحافيين والضيوف المتحلقين من حول عدد كبير من أفلام تعرض وتناقش.. ومن حول نجوم مكرمين يكتشفون في هذا الجانب من العالم العربي ما لم يخطر في بالهم أبداً: وجود السينما. داخل سيارات الأجرة عبارات مأثورة من أفلام ذائعة الصيت. على الطرقات وفي المتاجر، ملصقات تدعوك لپ"تعيش السينما". باختصار، هذه هي حال دبي منذ بدء مهرجانها السينمائي الدولي الثاني، الذي تسدل الستارة عليه غداً، بعد أسبوع حفل بعروض سينمائية مميزة وندوات ونقاشات ولقاءات مع اهل الفن. بعد هذا، هل يمكن أحداً أن يحتج إذا كانت السياحة والنشاطات الاجتماعية تغلب الفن؟ احتجاجات ولكن... طبعاً لا يمكن الحكم على مهرجان لا يزال في خطواته الأولى. لكن مما لا شك فيه ان مهرجان دبي لم يخيب آمال ضيوفه خصوصاً في الاهداف التي وضعها لنفسه: أولاً، جعل دبي وجهة أساسية لصناعة السينما العربية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا على المدى البعيد، ويمكن اعتبار مهرجان دبي خطوة أساسية في هذا المجال. وثانياً، بناء جسر ثقافي بين حضارات وشعوب العالم المختلفة عبر دبي، الأمر الذي بدت تجلياته منذ اليوم الاول حين جمع نجوماً عالميين من امثال مورغان فريمان وكوستا غافراس ولورنس فيشبرن، وجون تيني وديبا ماهاتا مع نجوم عرب مثل عادل إمام ودريد لحام وليلى علوي ومنى واصف وجوليا قصار. ثم، من خلال تظاهرة"عملية الجسر الثقافي"، التي قدمت أفلاماً من مختلف انحاء العالم، تشجع على فتح حوار بين الثقافات وتخدم هدف بناء جسور ثقافية في عصر مضطرب. أما الأفلام التي عرضت في هذا القسم، فمعظمها توجه"رسائل ايجابية تؤكد إمكان تسوية الخلافات وإزالة مصادر التوتر بشكل سلمي، طالما يستطيع الفن أن يلعب دوراً رائداً في هذا المجال"، كما يؤكد القيمون على المهرجان. ومن هذه الافلام الفيلم الأميركي"البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي". واسمه فقط كفيل بأن يعلق في الذاكرة بمجرد ان نسمعه مرة واحدة، كما يقول صاحب العمل وبطله ألبرت بروكس. ويروي بروكس نفسه الدافع الذي قاده لتحقيق فيلمه هذا، ويقول:"منذ أحداث 11 أيلول سبتمبر، وأنا لا اسمع أحداً يتحدث عن المسلمين إلا وقرن اسمهم بالإرهاب، لذا فكرت بطريقة ذكية لمحو هذه الفكرة الخاطئة، من خلال الجمع بأسلوب فكاهي ضاحك لمدة 90 دقيقة بين خمسة مسلمين وستة من اتباع الديانة الهندوسية وثلاثة من اليهود". أسباب الضحك وبالفعل يقدم بروكس في هذا العمل مغامرات شاب هو بروكس نفسه أرسلته الحكومة الاميركية الى الهندوباكستان ليتعرف الى الاسباب التي تدفع المسلمين الى الضحك. ويمضي بروكس خلال الفيلم في رحلة يرافقه فيها مساعدان من وزارة الخارجية الأميركية ومساعده الشخصي، حيث ينطلق من عرض موسيقي سيمفوني في نيودلهي ثم الى ضريح تاج محل الشهير، واخيراً الى موقع سري في جبال باكستان، لتتوالى الأحداث والمواقف الكوميدية المضحكة. وفي هذا القسم الذي يكرّس شعار المهرجان:"نمهد دروب التلاقي.. نغرس روح التآخي"، أفلام عدة تضاف الى فيلم"البحث عن الكوميديا في العالم الإسلامي"، نذكر منها:"عيد ميلاد سعيد"وپ"حب وكراهية"وپ"صباح"وپ"قصة الضفة الغربية"وپ"ان تكون أسامة"وپ"كوسوفو: يد الصداقة"وپ"باراك"وپ"قاعة احتفالات مجنونة وساخنة". أفلام"عملية الجسر الثقافي"هذه، لم تكن كل شيء في هذا المهرجان الذي شمل اقساماً عدة هي: اكتشافات المهرجان، إماراتيون واعدون، تكريماً لافريقيا، أصداء من آسيا، سينما الهواء الطلق، الليالي العربية، الافلام العربية القصيرة، المقهى الاوروبي، سينما شبه القارة الهندية، السينما العالمية المعاصرة، أرض الأفلام الوثائقية... أما الحصيلة ف 98 فيلماً تتراوح بين أفلام قصيرة وروائية طويلة، لن يتمكن أي مولع بفن السينما ان يشاهدها كلها في الأيام القليلة المخصصة للمهرجان.. من هنا وفرت إدارة المهرجان قاعة عرض خاصة في مركزها الإعلامي تحوي حوالى 47 فيلماً على اقراص dvd، وتتيح فرصة مشاهدتها لجميع المسجلين في المركز... وكلها نقاط تحسب للمهرجان الذي يحاول أن يثبت أقدامه بين المهرجانات العالمية، وهي كفيلة بأن تغفر له بعض سوء التنظيم، أكان في اليوم الأول حين فوجئ الصحافيون بأنهم غير مدعوين لفيلم الافتتاح، إذ اقتصرت دعوتهم على السهرة التي تبعت العرض، أو من خلال المؤتمرات الصحافية التي تعقد قبل عرض الفيلم! وحجة المعنيين أنهم قدموا عروضاً خاصة للصحافة قبل بدء المهرجان بأسبوع. وهي حتماً حجة غريبة، طالما ان اعداد الصحافيين الوافدين من خارج دبي الى هذه المدينة يفوق عدد الصحافيين الموجودين اصلاً في دبي من الذين شملهم العرض. قضايا معاصرة ومثلما حضرت قضايانا المعاصرة في افلام تناولت الواقع المرّ، وصورت الحروب وتأثيراتها في الشعوب، ودور المرأة المعاصرة في المجتمعات المحافظة، حضرت أيضاً هذه القضايا في الندوات والنقاشات السينمائية. خبر اغتيال جبران تويني لم يغب عن المهرجان، إذ استهل الفنان عادل إمام كلمته في المؤتمر الصحافي الذي خصص لمناقشة اعماله، بتعزية الصحافيين على خسارة زميل لهم، متمنياً أن ينعم وطننا العربي بالسلام والاستقرار، مؤكداً في مكان آخر انه"ضد التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي الذي يقمع الشعب الفلسطيني ويحتل جزءاً غالياً من وطننا العربي". والهجمات الإرهابية في الأردن حضرت بدورها، من خلال تكريم الراحل مصطفى العقاد في ندوة وفاء لمسيرته السينمائية المشرقة ولجهوده في سبيل الارتقاء بالفن السابع. والقضية الفلسطينية حضرت أيضاً بقوة من خلال عشرة أفلام، أتى في صدارتها فيلم الافتتاح"الجنة الآن" الحائز على جائزة"بلو انجيل"لأفضل فيلم أوروبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي. إذاً، لم يبتعد مهرجان دبي عن هموم الناس ومعاناتهم، وإن كان همّ بعض السينمائيين أنفسهم تضاعف حين سمعوا بتلك الأرقام الخيالية التي صرفت على المهرجان، وقيل انها تجاوزت 30 مليون دولار، من دون اية معلومات رسمية أكيدة حول الموضوع، الأمر الذي حدا بأحد النقاد الى التحسر قائلاً:"حبذا لو صرف بعض هذه الأموال على إنتاج الأفلام، لكانت السينما العربية اليوم بألف خير". عادل إمام يشيد بإقامة مهرجان في دولة الإمارات نجم النجوم كان بدوره حاضراً في تكريمات المهرجان وهو للمناسبة عقد اكثر من لقاء ومؤتمر صحافي حيث عبر عن سعادته باختيار مهرجان دبي السينمائي الدولي له للتكريم عن المنطقة العربية كما أعرب عن اشادته بفكرة اقامة مهرجان للسينما في دبي معرباً عن أمله في أن يشاهد انتاجاً سينمائياً إماراتياً قوياً في القريب. وخلال مؤتمر صحافي عقد على هامش فعاليات المهرجان، قال الفنان عادل إمام إن"دولة الاماراتودبي تتمتع بمقومات جذب قوية تعزز من فرص قيام الصناعة، خصوصاً في ظل بعض المشروعات المتخصصة التي تساهم في الاتجاه نفسه مثل مدينة دبي للإعلام ومدينة دبي للاستوديوهات، مضيفاً ان امكان التعاون بين دولة الامارات ودول عريقة في صناعة السينما بالمنطقة قد يكون لها أثر كبير في قيام الصناعة المنشودة". وأوضح الفنان عادل إمام أنه آثر ايقاف عروض مسرحية"بودي جارد"موقتاً لحضور مهرجان دبي السينمائي الدولي هذا العام، وقال إنه تلقى دعوة لحضور الدورة الاولى الا ان انشغاله في ذلك الوقت حال دون ذلك، مؤكداً سعادته بالتواجد في هذا المحفل السينمائي الجديد وقال:"وجود مهرجانات للسينما في المنطقة أمر جيد ومشجع". وحول أعماله وتوجهاتها الفكرية، أكد الفنان عادل إمام على كونه فناناً مصرياً قومياً عربياً، وقال ان افلامه لا تهدف الى خدمة أي طرف سياسي على حساب الطرف الآخر كما أشار الى ان السينما المصرية لا تتبع توجيهات سياسية أو تعمل على ارضاء طرف سياسي من دون الآخر، كما أشار الى تاريخ السينما المصرية التي تحفل بالعديد من الأفلام التي تحمل مضمون المعارضة منذ بدايات السينما المصرية. كما تحدث الفنان عادل إمام عن قضية الارهاب وقال إنها تعتبر من أخطر الظواهر التي تعاني منها المنطقة بخاصة في العراق، وقال إن الوضع هناك مأسوياً معرباً عن أمله في خلاص المنطقة من هذه الظاهرة، ولمح الفنان الى حادث اغتيال الفنان العربي العالمي مصطفى العقاد وقال انه لا بد من وجود نهاية لهذا الارهاب، معرباً عن أمله في عودة الأمن والاستقرار الى كل ارجائها كي ينعم المواطن العربي في وطنه بالرخاء ويضمن سلامة ابنائه ومستقبلهم. لاقى اعجاب الحضور في العرض الرئيس الأول للمهرجان "الجنة الآن" لهاني ابو اسعد : 24 ساعة من حياة انتحاريين ضمن عروض مهرجان دبي استضيف المخرج الفلسطيني هاني أبو اسعد في مؤتمر صحافي خاص بفيلمه"الجنة الآن"، الذي لاقى إعجاباً من الحضور خلال العرض الرئيسي الافتتاحي الاول للمهرجان. وأشار مخرج الفيلم أبو اسعد الى حقيقة ان فيلمه يجسد سعيه الدائم نحو"الوصول الى اللحظة المثالية في فن صناعة السينما". وأضاف قائلاً:"تتجسد اللحظة المثالية بالنسبة إلي في لحظة التقاء الخيال مع الواقع، انها اللحظة التي تحمل بين ثناياها مشاعر الفرح والحزن في آن معاً، وهي اللحظة التي يتحول فيها الخيال الى واقع ملموس. وانني أحرص على رصد هذه اللحظة في اعمالي السينمائية، اذ ان قوة وتأثير الخيال والواقع تظهران فقط في حال اتحادهما معاً". لقد حظي فيلم"الجنة الآن"الحائز جائزة"بلو إنجيل"لأفضل فيلم اوروبي في مهرجان"برلين السينمائي الدولي"، باهتمام كبير في المهرجان، يضاف الى تكريمه خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي اختتم فعالياته قبل ايام، اضافة الى حصوله على"جائزة أمنستي السينمائية الدولية"وپ"جائزة"قراء صحيفة برليينر مورغنبوست"في المانيا. كما فاز الفيلم ايضاً بجائزة افضل سيناريو ضمن جوائز مهرجان الافلام الاوروبية، إضافة الى انه مرشح لنيل اوسكاء افضل فيلم ناطق بلغة اجنبية العام المقبل، في حين يعرض الفيلم حالياً في الولاياتالمتحدة ومختلف دول العالم. وقد واجه مخرج الفيلم كما يؤكد صعوبات عدة في تصويره، اهمها ايجاد الممولين"الذين يتحلون بالشجاعة لتقديم الدعم المالي اللازم"، ثم"الرقابة الشديدة التي تفرضها السلطات الاسرائيلية على نابلس في مختلف نواحي الحياة، على رغم عدم ممانعتها تصوير الافلام السينمائية في المدينة".