الاحتفاء بالعيد العاشر لمهرجان دبي السينمائي لا يمكن أن يمرّ من دون صخب وضوضاء: زحمة جماهير ستكون الليلة في انتظار النجم المصري عمرو دياب في حديقة برج خليفة. وزحمة نجوم ستشهدها السجادة الحمراء المزروعة في مدينة جميرا... ولكن أيضاً زحمة أفلام وندوات سينمائية وورش تدريب سيوفّرها المهرجان لضيوفه خلال الأيام التسعة المقبلة، ما يضع المشاهد أمام عرس كبير للسينما، سمته الأساسية الشغف بعالم الفن السابع. وليس شعار «10 أعوام من شغف» الذي يطبع هذه الدورة، إلا محاولة للإجابة عن الأسئلة الكثيرة التي ظلت تحوم حول المهرجان في بداية عهده. فلولا الشغف بعالم السينما لما وُلد مهرجان للفن السابع في بلاد لا إنتاج سينمائياً فيها. ولولا الشغف لما استمر هذا المهرجان عقداً من الزمن غير منصاع لكثير من التحديات بل الأزمات. ولولا الشغف أيضاً، لما تمكن من نشر العدوى في خليج يبدو أكثر فأكثر اهتماماً بفن الصورة المتحركة. وليس سراً أن مهرجان دبي الذي اتخذ لنفسه منذ البدايات، هدف أن يكون جسراً بين الثقافات، دخل مرتين في عين العاصفة خلال عقده الأول. مرّة إبّان الأزمة الاقتصادية العالمية التي أطاحت صروحاً ثقافية كثيرة. ومّرة حين وجد نفسه في تنافس «شرس» مع مهرجان سينمائي آخر تُقيمه الإمارة الشقيقة أبو ظبي. وفي الحالتين لم يخرج مهرجان دبي مكسوراً، بل عرف كيف يتجاوز الأزمة، ويعلن انتصاره انطلاقاً من مبدأ «الضربة التي لا تقتلني تقوّيني»، فكانت أولى البشائر عام 2009 مع إطلاقه صندوق «إنجاز» الذي هلّل له كثيرون من أهل السينما لمساهمته في خروج مشاريع أفلام عربية كثيرة إلى النور من خلال تأمين الدعم المادي لها (قدم الصندوق دعمه لأكثر من 80 فيلماً عربياً حتى الآن)... والأهم من خلال بث العدوى في المهرجانات الخليجية الأخرى، فأتى تباعاً تأسيس صندوق «سند» التابع لمهرجان أبو ظبي السينمائي و«مؤسسة الدوحة للأفلام» في 2010، كقيمة مضافة، المستفيد الأول منها، السينمائيون العرب الذي عانوا كثيراً غياب الدعم المادي ودقّ أبواب الإنتاجات المشتركة مع أوروبا. وبما أن المهرجان يُقام في دبي، كان لا بد من مبادرة لتشجيع السينما الإماراتية، فكان برنامج «فيلمي» الذي أطلق هذا العام في إطار مبادرة «وطني» لتشجيع المخرجين الإماراتيين على «صناعة أفلام تعكس التنوع الثقافي والحضاري في الإمارات». ويقيناً أن مثل هذا الدعم يساهم في تنمية الصناعة السينمائية في المنطقة، لما يوفّره من إمكانات تُسخّر في خدمة الفيلم الإماراتي، من دون إغفال دور المهرجان كمنصة لأبرز الأفلام السينمائية التي احتضنتها المهرجانات العالمية خلال عام، أو أهميته في تشكيل ذائقة جماهيرية جديدة وإدخال طقس (سينمائي) لم يكن من عادات أهل الخليج. وها هو هذا العام يستقطب وجوهاً سينمائية مثل كيت بلانشيت (فازت قبل أيام بجائزة مجلس نقاد السينما في نيويورك كأحسن ممثلة لعام 2013 في أول جوائز سينمائية كبرى تعلن قبل الأوسكار) ومارتن شين وعرفان خان ويسرا ونادية الجندي ونيللي وعزت العلايلي وحسن يوسف، من دون أن ننسى نجوم الخليج أسمهان توفيق ومشاري البلام وسعاد عبدالله وشهد وشجون وسحر حسين وأحلام حسن ولمياء طارق... ولكن، ماذا تُخبئ هذه الدورة من عروض سينمائية ونشاطات موازية؟ زحمة أفلام 174 فيلماً روائياً ووثائقياً، بينها 70 عرضاً عالمياً أول، و11 عرضاً دولياً أول، من 57 دولة، ناطقة ب 43 لغة، ستكون في انتظار الجمهور خلال الأيام التسعة المقبلة. وسيتنافس منها 90 فيلماً على جوائز «المهر» في سابقة تعدّ الأولى في تاريخ المهرجان لناحية العدد (كما يشير أحد البيانات الصحافية)، وبقيمة إجمالية تصل إلى 575 ألف دولار، في فئات «المهر» الثلاث: «الإماراتي» و«العربي»، و«الآسيوي الأفريقي»، علماً أن إدارة المهرجان أعلنت استلام 3500 فيلم، من 143 دولة، بزيادة وصلت إلى 60 في المئة عن العام الماضي. وإذا كان فيلم «الاحتيال الأميركي» (إخراج ديفيد أو. راسل وبطولة جنيفر لورانس، برادلي كوبر، كريستيان بيل، إيمي آدمز، جيريمي رينر، وروبرت دي نيرو) الفائز قبل أيام بجائزة مجلس نقاد السينما في نيويورك كأحسن فيلم لعام 2013، اختير ليكون فيلم الختام، فإن الافتتاح سيكون هذا المساء مع فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد. ولا بد هنا من الثناء على هذه الخطوة الجريئة من إدارة المهرجان، خصوصاً أن الفيلم الذي شهدت الريفييرا الفرنسية عرضه الأول قبل شهور في مهرجان «كان» حيث نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة «نظرة ما»، لم تتوقف جولاته في المهرجانات منذ أيار (مايو) الماضي. وبالتالي، فإن هذا الخيار وإن دلّ على شيء، فعلى إصرار مهرجان دبي على تشجيع السينما العربية غير عابئ بما قد يُقال حول إن الفيلم أُشبع عرضاً. وحين نعرف أن «عمر» حاصل على دعم برنامج «إنجاز» التابع للمهرجان، تُصبح التحية مضاعفة، علماً انه يتنافس في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة مع أسماء عربية مخضرمة مثل محمد ملص («سلم إلى دمشق») ومحمد خان («فتاة المصنع») ورشيد مشهراوي («فلسطين ستيريو») وجيلالي فرحاتي (سرير الأسرار)، إضافة إلى أسماء شابة حققت نجاحات في أعمالها الأولى مثل شيرين دعيبس («مي في الصيف») وليلى مراكشي («روك القصبة») وهشام لعسري (همّ الكلاب) ومحمود حجيج («طالع نازل»). وكما يبدو لن تكون مهمة المخرج جيم شريدان (يترأس لجنة تحكيم المهر العربي للأفلام الطويلة) ورفاقه في اللجنة سهلة مع أسماء بهذا المستوى، تماماً مثل حال المخرج المصري يسري نصرالله (يترأس لجنة المهر العربي للأفلام الوثائقية) وفريقه، والمخرج التونسي نوري بو زيد (يترأس مسابقات المهر للأفلام القصيرة العربية والآسيوية الأفريقية والإماراتية) وأعضاء لجنته. في المقابل، وللعام الثاني على التوالي، تترأس النجمة الحائزة جائزة الأوسكار كيت بلانشيت لجنة تحكيم «جائزة آي دبليو سي للمخرجين الخليجيين»، والتي تمنح مئة ألف دولار للفائز في حفلة ينظمها راعي الجائزة، مصنّع الساعات الرسمي للمهرجان، دار «آي دبليو سي شافهاوزن». وفي إطار الجوائز أيضاً، يمنح المهرجان هذا العام، جائزة «تكريم إنجازات الفنانين» الدولية لوجهين سينمائيين: الأول هو الممثل الأميركي مارتن شين، «تكريماً لمسيرته الفنية الطويلة، وإسهاماته الكبيرة في صناعة السينما عبر أكثر من 65 فيلماً». والثاني هو الناقد المصري سمير فريد في بادرة مميزة، «احتفاءً بجهوده السخية تجاه السينما العربية والعالمية على مدار خمسة عقود» كما يشير بيان للمهرجان. سورية حاضرة ولا تغيب مأساة سورية عن هذه الدورة، بل تحضر في الحفلة الخيرية السنوية «ليلة واحدة تغيّر حياة الناس»، التي تُقام للعام الثالث على التوالي، تحت رعاية حرم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الأميرة هيا بنت الحسين. وستتيح هذه الأمسية التي ينظمها «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بالتعاون مع «دبي العطاء» و«أوكسفام» الأربعاء المقبل، جمع تبرعات للمتضرّرين من الأحداث السورية، وتحديداً، كما يشير أحد بيانات المهرجان «العائلات المهجرة إلى لبنان في منطقة طرابلس والأردن في محافظتي البلقاء والزرقاء، عبر تزويدهم المؤن الأساسية خلال فصل الشتاء، لمساعدتهم على تخطي هذه الفترة القاسية من العام. ويتضمن المزاد مجموعة من المقتنيات الحصرية التي استخدمها «جيمس بوند» في أشهر أفلام الجاسوسية، والتي تتضمن السيارة الخارقة طراز «أوستون مارتن فانكويش». إذاً، زحمة نجوم ونشاطات وأفلام من السينما العربية والعالمية والهندية وسينما الأطفال في انتظار جمهور دبي خلال الأيام التسعة، من دون أن ننسى «سوق دبي السينمائي» - المركز الصناعي للمهرجان -، الذي سيعرض نحو 20 فيلماً، حصلت على دعم برنامج «إنجاز» لمشاريع الأفلام قيد الإنتاج، وثلاثة أفلام أخرى، حظيت بدعم «ملتقى دبي السينمائي»... كل هذا في أجواء احتفالية ليس أقلها إصدار طوابع بريد تذكارية.