أثارت التطورات الأخيرة في اليمن بشأن رفع أسعار المشتقات النفطية تساؤلات مهمة حول واقع إنتاج واستشكاف النفط في البلاد ومستقبله، في ظل الاعتماد الكبير على موارده في تمويل برامج التنمية وتناقص إنتاجه تدريجاً. وأظهرت معلومات رسمية حديثة حصلت عليها"الحياة"سعي الحكومة اليمنية، ممثلة في هيئة استكشاف وإنتاج النفط، للحفاظ على مستوى الإنتاج عند سقف لا يقل عن 400 ألف برميل على الأقل في الوقت الراهن ورفع معدله إذا لاحت فرص من خلال حقول عدة واعدة في قطاعات جديدة ينتظر أن يعلن عنها في السنة المقبلة. ويبلغ معدل الإنتاج الحالي نحو 414 ألف برميل في اليوم بحسب إحصاءات حديثة لهيئة استكشاف وإنتاج النفط، بينما يبلغ الاحتياطي غير المؤكد 7.9 بليون برميل، تم إنتاج 2.1 بليون برميل منه في نهاية حزيران يونيو 2005، فيما يبلغ احتياط الغاز الطبيعي نحو 17 تريليون قدم كعب. ويبلغ معدل استهلاك المنتجات البترولية نحو 100 ألف برميل يومياً. التجربة النفطية دخل اليمن عصر النفط في عام 1984 عند اكتشاف كميات تجارية منه في حقل ألف قطاع 18 في مأرب حيث أنتجت البئر ألف أ نحو 8000 برميل يومياً. ثم بدأ الإنتاج في هذا الحقل في أيلول"سبتمبر"1986 وتوالت الاكتشافات النفطية في حقول أخرى في القطاع ووصلت إلى أكثر من 13 حقلاً تحتوي على النفط والغاز. وكذلك توالت الاكتشافات النفطية والغازية في قطاعات أخرى ليبلغ عدد القطاعات النفطية المنتجة في اليمن حتى نهاية حزيران 2005 نحو 11 من إجمالي العدد الكلي للقطاعات. وتتركز القطاعات المنتجة في حوضين ترسبيين رئيسين فقط هما حوضا مأرب - شبوة وسيؤن - المسيلة. ومثلت عائدات النفط المصدر إلى الخارج أحد أهم الموارد الرئيسة من العملات الصعبة وممولاً أساسياً لبرامج وخطط التنمية بمجالاتها المختلفة. إذ يسهم النفط بنحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و76 في المئة من إجمالي الإيرادات العامة للدولة و90 في المئة من الصادرات. وتقول هيئة استكشاف وإنتاج النفط إن المرحلة الأخيرة من تطور قطاع النفط، والتي بدأت من 1995 وحتى الآن، تتميز بخصائص عدة منها إعادة تقسيم خريطة القطاعات النفطية وفق أسس علمية، وتحسين الشروط الاقتصادية والمالية في اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، وتطوير مفاهيم جيولوجية اليمن بدراسة نماذج جيولوجية للأحواض الترسبية، فضلاً عن إصلاح السياسة الاقتصادية. وبحسب الإحصاءات الرسمية تم خلال هذه الفترة توقيع أكثر من 35 اتفاقية مشاركة في الإنتاج، ودخلت 22 شركة نفط عالمية للعمل في 27 قطاعاً، كما تم حفر 1495 بئراً، منها 403 استكشافية و1182 تطويرية، وأجري عمل مسح سيزمي لمساحة تزيد على 2.8 مليون كيلومتر مربع وأعلن تجارياً عن اكتشافات نفط وغاز بكميات تجارية في 6 قطاعات، ونجحت جهود الحكومة في الإنتاج من ستة قطاعات هي قطاع - 5 شركة جنة هنت، قطاع - 10 شركة توتال، قطاع - 32 شركة دي إن أو، قطاع - 53 شركة دوف، قطاع - S1 شركة فنتاج، قطاع -51 شركة كنديان نكسن شرق الحجر المحدودة. مواجهة الانخفاض وتؤكد هيئة النفط اليمنية أنها تنفذ خطة في مجال إنتاج النفط لزيادته وللمحافظة على مستوى معين من الإنتاج في القطاعات المختلفة، آخذة في الاعتبار أن الحقول يحصل لها انخفاض طبيعي في الإنتاج. وتراهن الهيئة على مكمن صخور الأساس الذي تعتبره نقلة كبيرة في دعم الإنتاج في الحقول النفطية كونه يحتوي على مخزون نفطي كبير ما زال في بداية استغلاله، إذ ينتج الآن فقط من ثلاثة قطاعات 14 المسيلة، 10 شرق شبوة، 43 جنوب حواريم في حوض المسيلة سيؤن، وقد تم اكتشاف نفطي مهم في مكمن صخور الأساس في حوض مأرب- شبوة للمرة الأولى منتصف الشهر الماضي وذلك في البئر الاستكشافية حبان رقم 1 قطاع S2 المشغل بواسطة شركة"أو ام في"النمسوية، ويتوقع إعلانه تجارياً خلال العام المقبل، مع العلم أن هذا النوع من المكامن هو عبارة عن تشققات صخرية غرانيتية تحتوي عادةً على مخزون نفطي. الاستهلاك المحلي أدى ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة النشاط التجاري والصناعي وكثرة حركة التنقل بين المحافظات اليمنية، إلى زيادة كمية الاستهلاك في المشتقات النفطية، ما دفع الحكومة ممثلة بوزارة النفط والمعادن إلى اتخاذ التدابير اللازمة لضمان توفير الاحتياجات من المشتقات النفطية، حيث زادت كمية الاستهلاك المحلي لوقود الديزل من 553.3 مليون ليتر عام 1990 إلى بليونين و753 مليوناً في عام 2004. وعلى أثر ذلك تم تنفيذ مشاريع تطويرية مهمة في مصفاتي عدنومأرب اللتين تكرران نحو 90 ألف برميل يومياً من النفط الخام لتغطية احتياجات السوق المحلية والتصدير إلى بعض دول الجوار. ففي مصافي عدن أعيد بناء خزانين للنفط الخام بسعة 50 ألف طن وبتكلفة 7.5 مليون دولار، وبناء خمسة خزانات سعة 65 ألف طن بتكلفة 8.5 مليون دولار، كما تم رفع سعة خزانات البوتاغاز من 2.500 ألف طن إلى 4 آلاف طن وبتكلفة 2.5 مليون دولار وشراء باخرة لنقل المشتقات النفطية بقيمة 30 مليون دولار. أما مصفاة مأرب فقد جرى تسلمها من شركة هنت لتدار وتشغل بكوادر يمنية، كما أنجز مشروع الدراسة الأولى لتطوير وتوسيع المصفاة. ومن جانب آخر فتح الباب أمام القطاع الخاص للاستثمار في تكرير النفط بالموافقة على إنشاء مصفاتين جديدتين، الأولى مصفاة الضبة حضرموت، بطاقة إنتاجية أولية تبلغ 50 ألف برميل يومياً، وقد تمت الموافقة على إنشائها عام 2002، والثانية مصفاة رأس عيسى الحديدة 45 ألف برميل يومياً وتم التوقيع على اتفاقية إنشائها والموافقة عليها عام 2003. من ناحية أخرى، قال وزير الصناعة والتجارة خالد راجح شيخ ان الحكومة اليمنية باشرت تنفيذ توجيهات الرئيس علي عبدالله صالح في شأن تقنين استهلاك المشتقات النفطية، من خلال الضوابط والإجراءات الكفيلة بترشيد الاستهلاك. وأوضح أن هذا الإجراء أصبح ضرورياً بعد ارتفاع الاستهلاك المحلي من المشتقات النفطية في شكل متزايد، حيث ارتفع إجمالي ما يتم استهلاكه يومياً من النفط محلياً إلى 100 ألف برميل يومياً. وتضمنت توجيهات الرئيس اليمني تحديد حصة كل محافظة من المشتقات النفطية، وخصوصاً وقود الديزل، وبحسب الكثافة السكانية والاحتياج الفعلي للمواطنين والمزارع وآبار ومشاريع المياه ومحطات الكهرباء والمصانع، وكذلك منع تموين السفن التجارية وسفن الصيد الأجنبية والشركات النفطية إلا بالأسعار الدولية وكما هو معمول به في تموين الطائرات. وتضمنت التوجيهات كذلك العمل على منع تحويل السيارات التي تستخدم البنزين إلى استخدام الغاز المضغوط أو الديزل وإغلاق المعامل والورش التي تقوم بذلك، ومنع استيراد السيارات التي تستخدم الغاز إلا بموافقة مجلس الوزراء.