ما ينم به بعث آلام الماضي الاستعماري مسألة على جانب كبير من الاهمية، هي دخول السياسة جيل بكامله من"الفرنسيين الجدد". ففي 1968، كان دخول السياسة والحياة السياسية من باب امجاد وروايات المقاومة الفرنسية ومناهضة الفاشية. وكان يردد في التظاهرات شعار:"الشرطة/ نازية "سي إر إس/ إس إس". وأما اليوم، فمئات الآلاف من الشبان يتسيسون ومرجعهم تاريخ الاستعمار. وهذا مفهوم ومنطقي، فكل جيل من الناس يدخل معترك الحياة السياسية تحت لواء مراجعه الاسطورية. وهذه المراجع ينبغي محاربتها من غير شك، ولكن لا ينبغي ازدراؤها. وحين يتخيل الشباب أنهم يحيون في مجتمع كولونيالي استعماري، فهم مخطئون. فالتاريخ لا يكرر نفسه بحذافيره، خلافاً لما يوحي به وصفهم المجتمع الفرنسي الذي ولدوا فيه وشبوا. وهذا ما ينبغي شرحه لهم من غير شتمهم أو تسميتهم"برابرة"أو"متوحشين". وينبغي تعليمهم تاريخ فرنسا المزدوجة: فرنسا التي تحرر وفرنسا التي تقهر، وعوض القيام بهذا العمل، يقنع اصحاب نداء الوطنيين المحليين الذين وصفوا فرنسا بمجتمع كولونيالي بالتلويح بالصور النمطية. وحين يصر نواب اليمين على تثبيت قانون 23 شباط فبراير 2005، ودعوته كتب التاريخ المدرسية الى التنويه"بدور الاستعمار الايجابي"، فهم يرتكبون خطأ كبيراً، ويكررون الصور النمطية، ويناقضون"الرواية العائلية"التي يتناقلها المهاجرون المقيمون بفرنسا. وهم لا ينتبهون الى ان وراء الألفين الى 3 آلاف أخرق يحرقون السيارات، ثمة مئات الآلاف من الشبان الذين يدخلون المعترك السياسي، وينضجون، وينشدون معرفة تاريخية كاملة من غير ابطاء. ففي اعقاب 25 عاماً على مسيرة الشبان المغاربيين الفرنسيين، من يتظاهر؟ انهم اولاد اصحاب المسيرة الاندماجية هذه. وهؤلاء الاولاد لم يدرسوا هذا التاريخ في المدرسة بعد. وإقبال المئات على المشاركة في مناقشات أتولاها في ضاحية باريس، وحضور 10 آلاف الى 15 ألفاً مهرجانات موسيقى الهيب هوب السياسية، وسعيهم في الاستعلام بواسطة الدوريات والتظاهرات الثقافية والاجتماعية العامة، وانحيازهم وتكتلهم في منتديات الانترنت الكبيرة، كل هذا وغيره مثله من دلائل دخول معترك السياسة. وبعضهم، على ما يظهر في مناقشات الانترنت، يئس من انتخابات 2007 الرئاسية، ولا يتوقع نتيجة أو ثمرة منها. ولكنهم لا يديرون الظهر للمشاغل السياسية عموماً، فتراهم يعدون العدة منذ اليوم لانتخابات 2008 البلدية. والسبب هو ان هناك ضواحي ومدناً برمتها معظم سكانها من الاقليات الاثنية، وهؤلاء السكان يريدون رئيس بلدية منهم، عربياً أو أسود. فهم يقولون:"نتولى السياسة من حيث يمكن توليها، أي من البلدية". ولا ينبغي تصديق ما يقوله المثقفون الرجعيون الهرمون، فهؤلاء الشبان في زي الركض ليسوا اغبياء، وليسوا عدميين كلهم. وهم من يجب الكلام معهم على ذاكرتهم وآلامهم واخطائهم كذلك. والحق أننا في قلب المنافسة على اعتلاء مكانات الضحايا العليا. ورابطة حركيي وهم الجزائريون المجندون مع القوات الفرنسية في حرب استقلال الجزائر مدينة روبيكس تقاضيني امام المحاكم لأنني لم أقل ان مجزرة الحركيين الفظيعة غداة استقلال الجزائر في تموز/يوليو 1962 عن يد المجاهدين ابادة، أي جريمة جماعية عمد ومخططة. ومشكلة حرب الجزائر هي ان كل اطرافها ضحايا: الاوروبيون المحليون "الاقدام السود"، والضباط، والحركيون، والجزائريون، وليس من مسؤول على قول الجماعات هذه. ولا أسمع المستعمر يعلن ندمه في الساحة العامة. فلم يكن بد من عودة المكبوت الاستعماري، على ما رأينا. فإما يمد اليسار يده الى هؤلاء الشبان الذين خيبهم، وإما يؤلفون لوائحهم الانتخابية البلدية وحدهم. ولا ننس ان لائحة"ليه موتيفيه""اصحاب المسوغات" في انتخابات مدينة تولوز الاخيرة جمعوا 10 في المئة من الاصوات. ولم يكن هذا الا خطوة اولى. فحذار ما يترتب على اعتزال هؤلاء الشبان اليسار. عن بنجامان ستورا مؤرخ، لونوفيل أوبسرفاتور الفرنسية، 8-14/12/2005