ما كاد خبر استشهاد رئيس مجلس إدارة جريدة"النهار"النائب جبران تويني يتأكد، حتى تحول مبنى الجريدة إلى مزار للسياسيين والمؤيدين على حد سواء. وتحول الطابق السادس حيث قسم التحرير ومكتب تويني، إلى ما يشبه خلية النحل الصامتة. صور الزميل الشهيد سمير قصير مرفوعة فوق مكاتب زملائه منذ استشهاده قبل اشهر، والى جانبها أضيف علم لبنان. في قاعة التحرير، يبدو الزميل جاد يتيم مذهولاً، وقد أحيط بزملاء له يبكون كل على كتف الآخر ويبادل كل منهم الآخر بتحية"العوض بسلامتك". كان جاد من أوائل الواصلين إلى الجريدة صباح أمس، لكنه كان الوحيد القادر على الكلام وان بجمل تقطعها إيماءة من رأسه دليل أسف وحسرة. يبدو جاد غير مصدق أن الشهيد تويني عاد من باريس مساء أول من أمس بعد حضور حفلة تسلم والده غسان جائزة هناك، ليلقى حتفه. إلا انه يستعين بحادثة حصلت قبل عشرة أيام، عندما أعلن تويني أمام زملائه انه عاد من باريس نهائياً ليستقر في لبنان. حينها سألوه عما إذا كان مطمئناً على حياته، وإذا"صار الوضع طبيعياً ومرت الغيمة السوداء"، فأجاب بالنفي. "فدى الجريدة بدمه"، يكون التعليق الوحيد، لأنه"في أحد اجتماعات التحرير طلب منا أن نعذره لعدم تمكنه من الحضور بانتظام. قال انه يحاول أن يحمينا، ويحمي الجريدة، معه حق. كنا نخاف ونحس أنفسنا مستهدفين كمؤسسة". لا يقطع الصمت الرهيب المسيطر على القاعة إلا بكاء الزميلات المتشحات بالأسود، وتصريحات بعض النواب والوزراء الداخلين إلى مكتب تويني لتعزية زوجته سهام. هؤلاء السياسيون لم يكونوا محط الاهتمام في ذلك الطابق، فپ"هم يكررون الجمل نفسها في كل مناسبة"، بحسب إحدى الزميلات المستاءات من ردود الفعل الرسمية. غير أن دخول نواب"حزب الله"وحركة"أمل"لم يترك الأثر نفسه، فالتف معظم الحاضرين حول الكاميرا للاستماع إلى تصريح نائب"كتلة الوفاء للمقاومة"حسن فضل الله، وسماع إجابته عن السؤال الأثمن:"من تتهم؟"، والذي جاء مماثلاً لأجوبة نواب"أمل":"أعداء لبنان ومن المبكر الحديث عن متهمين، فلننتظر التحقيق". وثارت الانتقادات، بدءاً من سؤال إحداهن عن سبب مطالبته بالتروي في إلصاق التهم في جريمة اغتيال تويني، في حين أن زملاءه لم يترووا وألصقوا التهمة فوراً بإسرائيل في تفخيخ سيارة المقاوم حسين عساف قبل أيام. خلاف في الاعتصام تحولت الساحة الأمامية لپ"النهار إلى مقر لتجمع شبابي حاشد. رفعت أعلام قوى 14 آذار مارس جميعها، مع أعلام"التيار الوطني الحر"الذي كان انسحب منها في وقت سابق. وارتفع سقف الهتافات إلى مستوى لم يشهده في أي من التظاهرات السابقة، ليطاول بالشتائم والعبارات النابية قياديين في النظام السوري وزعماء لفئات لبنانية تعارض تشكيل محكمة دولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ومع حلول الظهر كان الطلاب خرجوا من معظم الجامعات معلنين الإضراب، لينضموا إلى المعتصمين، والى"أهالي المعتقلين في السجون السورية"الذين كانوا أول من حضر إلى الساحة فور تبلغهم الخبر. ورفعت لافتات كتب عليها:"الحقيقة"وپ"الاغتيالات السياسية إلى أين؟"و"آن الأوان لإسقاط رئيس الجمهورية اميل لحود"و"بقاء لحود استمرار للجريمة"، إضافة إلى الأقلام تعبيراً عن حرية الرأي. ومع ارتفاع عدد المتظاهرين إلى المئات دبت الفوضى بين الصفوف، ووصلت إلى مشاكل متفرقة، إذ احتج المشاركون من"الحزب الشيوعي"على نوعية الهتافات الفئوية، معلنين انسحابهم، في حين وقعت اشكالات بين المتظاهرين وأنصار"التيار الوطني الحر". كما تكفل البعض بإطلاق صيحات التأييد كلما خرج أحد السياسيين الموالين ل14 آذار والاستنكار كلما خرج أحد المعارضين ومن بينهم عصام أبو جمرة ووزير الخارجية فوزي صلوخ الذي تردد انه تعرض لاشكال. وأطلقت عبارات تندد بمواقفه خلال دخوله الى الجريدة. وأمام باب الجريدة المقفل في وجه غير السياسيين والصحافيين، وقف عدد من السيدات المتشحات بالسواد يندبن الشهيد"بطل الاستقلال". وتخاطب إحداهن النائب عاطف مجدلاني لدى وصوله إلى الباب:"يتهمونكم بالعمالة. عملاء سورية وإيران يتهموننا بالتقوقع والوصاية. فلنأت بالسريلانكيين والفيليبينيين ليحكمونا، هؤلاء افضل من السوريين"، فترد عليها أخرى:"ليأتِ الأميركيون، أهلاً بالجزمة الأميركية". وبعيداً من الساحة، انتقدت إحدى السيدات الطريق الذي سلكه الاعتصام:"عيب كل واحد ماسك علم. جبران مات من اجل لبنان لا من اجل القوات ولا الاشتراكية ولا المستقبل"، في حين تحاول أن تفسر جاهدة إلى مراسلي إحدى الوكالات الأجنبية"انهم قتلوا افضل رجال لبنان، والدته الأديبة اللبنانية ناديا ووالده الرجل الذي يحب لبنان". حرق دواليب وامتدت التظاهرات لتشمل ساحة ساسين في الأشرفية، حيث أحرقت الدواليب ظهراً احتجاجاً على اغتيال تويني، في حين شارك"التيار الوطني الحر"في مسيرات سيارة. ورفع أنصار"القوات اللبنانية"صور رئيس الهيئة التنفيذية سمير جعجع. ولوحظ انتشار أمني كثيف للجيش وقوى الأمن الداخلي عند مداخل الساحة. واقفل تجار الأشرفية محلاتهم بدءاً من الأمس والى حين انتهاء التشييع.