ما زال المشهد الذي تناقلته وسائل الاعلام في شأن شرطي المرور في محافظة الانبار الملتهبة غرب بغداد الذي استمر في عمله في تنظيم المرور على رغم وجود المسلحين في وسط الشارع يثير التساؤلات عن امكان اي مؤسسة رسمية في العراق تحقيق الحياد في عملها او ضمان عدم استهدافها سواء من قبل المسلحين او الاميركيين في ضوء اختلال امني مزمن؟ يقول العميد خضير حسن الجميلي ضابط في قاطع مرور الرمادي ومدير سابق لمرور محافضة الانبار ان"اجهزة شرطة المرور في الانبار تأثرت بالوضع الامني المتردي للمحافظة، شأنها شأن بقية القطاعات في الانبار. ولكن شرطي المرور كان عليه أن يتحمل عبئاً مضاعفاً كون نطاق عمله هو الشارع الذي يعج بالصدامات والاشتباكات وعمليات القنص والاختطاف". ويضيف:"على رغم ذلك ظلت شرطة المرور تلتزم مبدأ الحياد ازاء كل ما يجري وتركز على واجبها الخدمي الذي أكسبها الإحترام وتعاطف كل الاطراف، بدءاً من المواطنين المستفيدين من خدمات هذا القطاع، وصولاً الى أطراف النزاع من مسلحين، وجيش أميركي مدعوم بالقوات العراقية وقوات الحرس الوطني". وهذا لا يعني ان شرطة المرور تمارس عملها بيسر نتيجة لهذا الحياد فقد خسرت عدداً من رجالها في الاشتباكات والاضطرابات المستمرة التي تشهدها المحافظة. وكثيراً ما يتعطل عمل شرطة السير العراقية تماماً حينما تحتدم الاشتباكات كما حدث مثلاً خلال معركة الفلوجة حينماپأصبحت الرمادي كلها ساحة معركة، واحياناً يتوقف عمل شرطة المرور في أماكن التوتر الرئيسة التي تقع غالباً عندما تحل القوات الاميركية، وحيثما تستقر كما هي الحال في الشارع الرئيس في الفلوجة وتفاطعاته الرئيسة كتقاطع الزيوت وتقاطع شارع عشرين والصوفية. ويؤكد الجميلي أنه لم يحدث اي صدام سلبي بين العناصر المسلحة في الرمادي وشرطة المرور طوال السنوات التي اعقبت الاحتلال على رغم ما شهدته المدينة من أحداث دامية، بل ان المجموعات المسلحة لا تعامل عناصر شرطة المرور على انهم تابعون للحكومة وموالون لها كما هو حال الشرطة العادية التي كفرتها بعض الجماعات المتشددة واستهدفتها في هجمات عديدة في أنحاء متفرقة من الانبار. لكن العلاقة بين القوات الاميركية وشرطة المرور شهدت توترات كثيرة بعد ان قتلت تلك القوات 4 من منتسبي شرطة المرور في الرمادي، أثنان منهما في حوادث عرضية خلال اطلاق النار العشوائي الذي يعقب الهجمات المفاجئة التي كثيراً ما تتعرض لها القوات الاميركية وسط الرمادي، واثنان آخران قتلتهما قوة اميركية لانهما كانا يحملان بنادق نصف آلية كلاشنيكوف مرخص بحملها من الحكومة العراقية مدعية عدم علمها بأنهما كانا من شرطة المرور. وكثيراً ما اضطرت شرطة المرور في الرمادي الى تغيير مركز عملها من منطقة الى اخرى، حتى أن مقر قاطع مرور الانبار تم نقله من موقعه السابق خلف ساحة الاحتفالات شرق الرمادي حيث تتركز أحداث العنف الى موقع قرب معمل الزجاج خارج المدينة وفي أقصى غربها. وتنتقل شرطة المرور الى المناطق الداخلية من الرمادي حينما يكون الوضع في الشوارع الرئيسة متأزماً وينتشر القناصة الاميركيون على أسطح المنازل والبنايات المرتفعة وبالتالي تتحول حركة المرور الى تلك الشوارع. ويقول حسن الدليمي ضابط مرور:"بشكل عام أدى الوضع الامني المتدهور في الرمادي الى ركود في الحركة في هذه المدينة خاصة الحركة الوافدة اليها من شتى انحاء الانبار باعتبارها مركزاً للمحافظة فلا يدخل الى الرمادي الا بعض ابناء الاقضية والنواحي الاخرى، ما جعل مدينة الرمادي شبه مقفرة وعمل شرطة المرور فيها محدوداً". وهناك مناطق اخرى من محافظة الانبار انتهى عمل شرطة المرور فيها منذ زمن طويل بسبب استحالته, في ظل تردي الوضع الامني هناك كما هو الحال في معظم المنطقة الغربية للمحافظة ومدنها الملتهبة كالقائم وحديثة". أما النقيب علي إبراهيم الجريصي وهو ضابط برتبة نقيب في قاطع مرور الفلوجة فيقول:"على رغم كل الظروف العصيبة التي مرت بها مدينة الفلوجة الا أن شرطة المرور فيها ظلت تمارس عملها حتى مع أكثر الاوضاع توتراً ولم يتوقف عملها تماماً إلا خلال معركتي الفلوجة الاولى والثانية حين لم تعد هناك سيارات ينظم حركتها شرطي المرور". ويضيف:"خسرت شرطة المرور في الفلوجة الكثير من منتسبيها خلال الاحداث التي مرت على اهل المدينةپبعضهم في القصف الجوي الاميركي خلال معركتي الفلوجة، وكان آخرهما شرطيان قتلهما أفراد من الحرس الوطني بعد دخول القوات الاميركية الى الفلوجة بشهرين لانهما لم يستطيعا فتح حركة السير أمام سيارة الحرس الوطني بالسرعة التي أرادها هؤلاء، فحصلت مشادة كلامية أطلق بعدها أفراد الحرس الوطني النار على ضابط برتبة رائد ومنتسب آخر واردوهما فيما أُصيب منتسب آخر بجروح بليغة". ويرى الجريصي ان"من الضروري أن تكون هناك سلطة قوية تدعم شرطة المرور، او قوة تنفيذية تطبق قوانين المرور بالقوة على من يتمرد عليها، فالمجتمع مع غلبة الاخيار عليه ينطوي على كثير من المستهترين الذين يغريهم ضعف السلطة بالتجاوز، بل أن هنالك نماذج من الناس تستمتع بالتجاوز إذا ما وجدت ضعفاً، وفي كثير من الاحيان يصطدم مثل هؤلاء بشرطة المرور وتحدث مشاحنات قد تصل الى الاشتباك معهم". ويؤكد صلاح خلف المحمدي وهو سائق سيارة عمومي من اهالي الفلوجة"على رغم اجراءات الاحتلال باغلاق الطرق، فإن شرطة المرور تبذل جهداً عظيماً في محاولة التخفيف من معاناة السائقين، وقد تعلمنا أهمية عناصر شرطة المرور ودورهم في تنظيم الطرق عندما افتقدناهم في بداية الاحتلال حينما كانت الطرقات تعج بالفوضى والاختناقات المروريةپوحينما صار الدخول الى مركز المدينة يعني انتظار ساعات في الازدحام للخروج منها". لكن اولئك الجنود الذين يقومون بعملهم في اكثر مناطق العراق اضطراباً ما زالوا يقاومون ضغوط المسلحين والاميركيين والحكومة ليتخلوا عن حيادهم في محافظة يحلو للبعض ان يطلق عليها اسم"الارض المحروقة".