تتحول الاستراتيجية الكارثية التي انتهجها سنّة العراق على اثر سقوط نظام صدام حسين جذرياً. ولم يعد التمرد ردة فعل العرب السنّة الوحيدة إزاء خسارتهم السلطة. فمشاركة السنّة في صياغة مسودة الدستور خلقت ديناميت سياسية. وعلى رغم إيلائها الانتخابات التشريعية في كانون الاول ديسمبر المقبل جلّ اهتمامها، قامت مجموعة من السنّة بدعوة الناس الى التصويت ب"نعم"على الدستور. والعرب السنّة منقسمون، فبعضهم يميل الى البراغماتية السياسية وبعضهم الآخر الى أقاصي التطرف. ويتردد كثير من الوجهاء والعسكريون السابقون ورجال الدين و زعماء القبائل، في اعتماد موقف نهائي من التطورات السياسية الحالية. وتدل مشاركة هؤلاء في مناقشة مسودة الدستور الى اعتبارهم اياها سبيلاً يفضي الى الخروج من المأزق والمشاركة جزئياً في السلطة. وعلى رغم هذا الانقسام في صفوف السنّة، لم يضعف المتمردون. فالفرصة سانحة أمامهم لشنّ مقاومة عنيفة. ولم يرافق العملية السياسية بنى تحتية تسمح بتعزيز مسيرتها وتمتينها. وينبغي المشاركة في الانتخابات المقبلة وموازنة تمثيل السنّة في الحكومة العراقية. فهذه المشاركة كفيلة بلجم المحاربين الاجانب المتسللين الى العراق. وعلى رغم مجرى الامور في العراق اليوم، يجب ألا ننسى التقدم الذي حققه هذا البلد عند انتقاله من مرحلة الاحتلال الى مرحلة التمتع بسيادة محدودة وانتخابات حرّة. ومن شأن اقرار الدستور تعزيز العملية السياسية. ودعوة مجلس علماء السنّة الناخبين الى الاقتراع ب"لا"، هي أمر إيجابي. فالمشاركة في الاستفتاء، سلباً او إيجاباً، أساسية. فالناس لا يستبدلون ورقة الاقتراع بكلاشينكوف بين ليلة وضحاها. ولكن العنف لن يتوقف في العراق. فالمتطرفون يسعون الى الفوضى والى احتراب الطوائف فيما بينها. ونجاح العملية السياسية يفضي الى نموذج نظام سياسي مخالف للانظمة السياسية السائدة في الجوار العراقي. ويترتب على فشل هذه العملية السياسية في العراق، أي على مرمى حجر من أكبر مراكز احتياط النفط في العالم، عواقب وخيمة على المنطقة. فالحرب في بلد صغير مثل لبنان، أثرت في الشرق الاوسط، فكيف بالحرب في العراق. عن هشام داوود باحث عراقي، ليبيراسيون الفرنسية، 15-16/10/2005