كعادتها كلّ عام في هذا الوقت، استقطبت العاصمة الفرنسيّة أهل الموضة والأزياء وكاميرات الاعلام والنقاد العالميين من العالم أجمع وأشهر العارضات وأجملهنّ، خلال أسبوع الموضة الذي احتضنته أخيراً، وقدّم خلاله أكبر المصممين وأشهرهم مجموعاتهم لربيع وصيف 2005. هكذا تتالت خلال أيّام قليلة استعراضات ديور، شانيل، كريستيان لاكروا، جان بول غوتييه، فالنتينو وغيرهم... وأوّل ملاحظة تبادرت الى ذهن المراقبين، هي انكماش عدد الدور المشاركة في هذا الموسم... ما يطرح سؤالاً يثار منذ عقد وأكثر: هل انتصرت سوق"الملابس الجاهزة"أخيراً، وهي في متناول ملايين المستهلكين في العالم، على سوق الأزياء الراقية التي تعني حفنة من الزبائن، من نجوم المجتمع والفنّ والمال والأعمال ومن أثرياء هذا العالم وأساطيره الحيّة، علماً أنّها تدغدغ احلام الملايين، وتروّج لأسماء المصممين وماركاتهم وعطورهم واكسسواراتهم؟ حالة التراجع التي تشهدها سوق الأزياء الراقية haute couture تعود أساساً إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي استبدت بعالم الموضة، وقد اضطرّت مثلا مجموعة مثل LVMH التي تحتل مكانة مميزة في دنيا الأناقة الفاخرة، الى التخلي عن أحد أبرز مصمميها، أي كريستيان لاكروا الذي أفاق ليجد أن الشركة التي تحمل اسمه وقعت بين أيدي مجموعة أميركية... ويتوقع الخبراء أن يبادر المالك الجديد ل"الماركة"، بمنتهى البساطة، إلى تحجيم نشاط لاكروا في الموضة الراقية - وربّما الغائه، لمصلحة تطوير نشاطه الخاص بتصميم الملابس الجاهزة ومكملاتها. وشهدنا، في الوقت نفسه، تزايد عدد الدور اللبنانية والعربية المشاركة في العروض، من دون أن تتمتع رسمياً بلقب"هوت كوتور"- أي الموضة الراقية - الممنوح من جانب نقابة الموضة الباريسية لمبتكرين يتميزون بمواصفات محددة تفرضها النقابة المذكورة، طبقاً لقانون صارم جداً. وبين أبرز المصممين اللبنانيين الذين قدمت مجموعاتهم هذا الموسم: جورج حبيقة، خالد، جورج شقرا، داني أطرش، ايلي صعب، حنا توما وروبير أبي نادر. كما نشير إلى حضور لافت حققه مصمّم الأزياء السعودي يحيى البشري الذي حمل عرضه عنوان"حضارات"وقدمت خلاله 50 عارضة، تصميمات جمعت بين الشرق والغرب. وعودة البشري الى دائرة الأضواء لاقت الترحيب، خصوصاً انّه كان أول عربي يعرض في باريس العام 1984، وغاب سنتين بسبب تغيير الفريق التقني الذي كان يتعامل معه. وتمايلت العارضة المغربية حليمة على ألحان عربية خلابة، وهي ترتدي ثوباً أفريقياً مزيناً بقطع من الأحجار الكريمة... وبدا الفستان يشبه في شكله قطعة من الماس. رسمته المبتكرة فريد ساتال بمهارة لفتت أنظار الحضور وجلبت إليها التصفيق الحاد. وبين اللحظات القويّة في أسبوع الموضة الباريسي، عرض دار كريستيان ديور المستوحى كلياً من حياة الفنان إندي وارهول ورسوماته... وما كان من مبتكر المجموعة، وهو جون غاليانو، إلا أن ظهر في اختتام عرضه فوق خشبة المسرح متنكراً في شكل نابليون. وكان غاليانو صمم لنفسه زياً خاصاً على هذا النمط فقط لكي يرتديه خمس دقائق ويحيي به حضور العرض! أما الموديلات المقدمة هنا وهناك فدارت أساساً حول البساطة في التصميم، وإبراز الرومانسية عبر الألوان والمواد المختارة، مع احترام الكلاسيكية التي طالما تميزت بها الأناقة الباريسية الراقية... ويمكن ان نقول إن موضة صيف 2005، جاءت بمثابة دعوة مفتوحة إلى السفر، واكتشاف الثقافات المختلفة في العالم لا سيما الأفريقية والمتوسطية.